مصر حائط صدّ ضدّ المخططات الاستعمارية…

بشير العدل

لم تكن الأحداث التي شهدتها بلادي مصر، وبعض من البلدان العربية، منذ كانون الثاني/ يناير من العام 2011، إلا جزءاً من المخطط الاستعماري الجديد، الذي خطّطت وسعت له قوى الشرّ العالمية الجديدة، من أجل فرض الهيمنة على المنطقة العربية، والدول المحورية فيها، لتعظيم مصالحها في تلك الدول من ناحية، وتأمين وجود الكيان الصهيوني من ناحية أخرى.

ومارست قوى الشرّ سياسة الضلال، وروّجت لممارسات في ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فروّجت لما أسمته «الربيع العربي» على أنه تظاهرات مطالبة بالديمقراطية، ودعمتها بتمويل القوى الخفية المساندة لها، والتي ضللت بأنها قوى معارضة تطالب بالتحوّل الديمقراطي، وزعمت أنها تساند الديمقراطية، فقدّمت المال لقوى مالية وإعلامية أرادت أن تخدم الشيطان الأكبر في تحقيق مراده بتقسيم المنطقة، وخلق الحروب الأهلية والصراعات الداخلية لتفتيتها تحت مزاعم الديمقراطية، وإزالة الأنظمة الفاسدة.

وما شهدته بعض الدول المحورية مثل تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، في العام 2011، لم يكن إلا تنفيذاً لمخطط تمّ وضعه عام 2005، والذي يمثل امتداداً لمخطط تقسيم العراق، الذي بدأ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وتمّ تنفيذه في عام 2003 بالاحتلال الأنجلوأميركي لدولة الخلافة العباسية.

وقد نجح المستعمر الجديد في الترويج لأسباب الغزو الأميركي للعراق بحجج ثبت أنها كانت باطلة وذلك باعتراف من شاركوا في الغزو، ومن يخدمون الشيطان العالمي الأكبر، وروّجوا زوراً وبهتاناً أنّ العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، حتى اتضح كذبهم وأفكهم ولكن بعد فوات الأوان وضياع العراق.

سعى المستعمر أيضاً لترويج الأكاذيب عن الدول العربية، كي يبرّر ممارسات العنف والخراب والدمار التي شهدتها في عام 2011 فقال زوراً وبهتاناً أيضاً إنّ أنظمة الحكم العربية فاسدة، وتمتلك أرصدة مالية في الخارج، وإن الأوان آن لتغيير خريطة الشرق الأوسط كي ينعم بالديمقراطية، وساندتها في ذلك قوى الشيطان والإرهاب.

وكما نجح المخطط الاستعماري في العراق، فقد نجح في بعض الدول العربية التي شهدت ما روّج له بأنه «ربيع عربي» وانتهى الحال بها الى تقسيم واضح ودخول في نفق مظلم مثل ليبيا واليمن، غير أنّ الوضع ما زال مستعصياً على المستعمر الجديد، كما هي الحال في سورية الأبية.

ثم كانت بلادي مصر، التي تمثل حائط صدّ ضدّ كلّ المخططات الاستعمارية، القديم منها والجديد، ليفشل المستعمر والشيطان العالمي الأكبر في تنفيذ مخططه فيها، وذلك لتوافر عوامل هامة تتمثل في وحدة أغلب الشعب المصري وقوته وصلابته في مواجهة المؤامرات وإيمانه العميق بوطنه وثقته اللامحدودة في قواته المسلحة والأمنية.

فنجح أبناء بلادي مصر في كشف المخططات الاستعمارية ودحرها، ونجح أبناء بلادي مصر، في مواجهة قوى الإرهاب التي أرادت أن تشنّ حرباً ضد بلادي مصر بالوكالة، ولصالح قوى الاستعمار الجديد، الذي لا يريد لمصر ولا لدول المنطقة خيراً، طالما تمّ تهديد مصالحه وأمن الكيان الصهيوني.

وعندما نجحت مصر في إفشال المؤامرات الخارجية سلّطت قوى الشرّ الإرهاب الذي استخدم النار والاقتصاد كي ينخر في جسد الدولة، حتى تسقط وتخضع للشيطان الأكبر، غير أنّ الشعب المصري أكبر من أيّ مؤامرات وتاريخه حافل بالبطولات عبر قرون من الزمان.

وقد سبق أن أوضحنا في مقالات سابقة الأهداف الحقيقية لما يطلق عليه البعض «الربيع العربي»، وهي الإيضاحات التي لاقت رفضاً من مؤيدي قوى الشرّ الإقليمية والعالمية، غير أنّ ما قلناه صدّقه كثير من النخب ودوائر صنع القرار في أميركا صاحبة النشاط والهدف الأكبر في كلّ ما يُحاك ضدّ المنطقة العربية، والذين كان آخرهم مارك لينس أستاذ العلوم السياسية في جامعة «ويليامز» الأميركية، الذي اعترف بأنّ بلاده دعمت البلدان التي شهدت ما أسماه «الربيع العربي» باسم الديمقراطية، غير أنّ الإدارة الأميركية اصطدمت بدول قال عنها إنها أجهضت التجربة الديمقراطية، على حدّ قوله.

وقال لينس من بين ما قاله في محاضرة له مؤخراً في «مركز الإسلام والديمقراطية» في تونس: «إنّ إدارة أوباما انحازت إلى قوى التغيير في المنطقة، واعتذرت عن مساندتها للدكتاتوريات طوال سنوات عديدة»، وأكد أنّ بلاده ماضية في سياستها بضرورة التغيير في المنطقة وأنها لن تتراجع عنها، والسبب كما قال وقد صدق في ذلك هو «أنّ مصالح أميركا في المنطقة مرتبطة بالوصول الى منابع النفط أولاً، وحماية اسرائيل ثانياً، اضافة الى الأمن القومي الأميركي»… عند هذا الحدّ انتهت الاقتباسات لتكون بمثابة شهادة شاهد من أهل قوى الاستعمار.

بلادي مصر إذن، تمثل حائط صدّ ضدّ قوى وأهداف الاستعمار الجديد، وهو ما يفسّر أسباب تعرّضها لحروب مستمرة وتحت أشكال مختلفة، منها استهداف أبناء الجيش والشرطة، ومنها ضرب الدولة اقتصادياً، والتحريض الدولي ضدّها، وآلة الإعلام التي تخدم مصالح قوى الشرّ، غير أنّ بلادي مصر أقوى من كلّ ذلك بفضل شعبها وإرادته التي لا تلين.

كاتب وصحافي مصري

مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى