هل وقع الطلاق بين «العونيين» و«المردة»؟
محمد حمية
تمرّ العلاقة بين التيار الوطني الحر وتيار المردة بأسوأ مراحلها منذ الانتخابات النيابية في العام 2009 حتى اليوم، وما السجال بين رئيسَيْ التيارين جبران باسيل وسليمان فرنجية في جلسة الحوار الوطني الذي تحوّل الحدث إلا انعكاس لتأزم هذه العلاقة. فالزعيم الشمالي لطالما أسرّ للمقربين انزعاجه من تهميش العماد ميشال عون له في معظم القرارات المصيرية التي اتخذها التيار، لا سيما في اتفاق الدوحة الى رفض الخطة «ب» التي تتضمّن ترشيح فرنجية كبديل في حال العجز عن انتخاب عون. في المقابل يعتبر جنرال الرابية أنه الممثل الأقوى على الساحة المسيحية ويرى في خياراته السياسية الطريق الأفعل والأمثل لاستعادة حقوق المسيحيين المسلوبة ما بعد مرحلة الطائف نصاً وممارسة، فالتياران المسيحيان اللذان تموضعا معاً في خنادق الساحات لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وفي أدق المراحل السياسية، يقفان الآن على ضفتين متقابلتين ويسترجعان الخلاف التاريخي في الخيارات والمشاريع على الساحة المسيحية وكل فريق يتّهم الآخر بالخروج من الخط السياسي الذي عُرف بفريق 8 آذار والتيار البرتقالي، من خروج رئيس المردة من تكتل التغيير والإصلاح الى ترشيح الرئيس سعد الحريري له لرئاسة الجمهورية من دون التنسيق مع العماد عون، الى السجال الأخير في هيئة الحوار بين فرنجية وباسيل الذي تعدّى الخلاف السياسي الى فقدان «الكيمياء» السياسية والودّ الشخصي بين الرجلين، فهل وقع الطلاق بين الحليفين القديمين والخصمين الجديدين؟ وما تأثير ذلك على المسيحيين وبالتالي على استحقاق الرئاسة؟ وهل بات وصول العماد ميشال عون وفرنجية الى قصر بعبدا من المستحيلات بسبب الفيتو والفيتو المضاد؟ وما هي خيارات «التيار» لمواجهة هذا الواقع؟
تقول مصادر مطلعة في تيار المردة لـ «البناء» إن «المسألة بين التيارين ليست طلاقاً أو تزاوجاً بل اختلاف بين هويتين، بين التطرف المسيحي الذي يطغى على موقف التيار الوطني ومحاولته التمترس خلف طائفته، مقابل تموضع الطوائف الأخرى، فالوزير فرنجية لا يتحدّث باسم مسيحيي الشمال بل باسم اللبنانيين ويعتبر أنه إذا كان السنّة أو الشيعة على خطأ، فلا يمكن أن نقابل ذلك بالخطأ، فلا نؤيد الخيار والنهج السياسي للتيار الذي يزيد الشرخ بين شركاء الوطن وهويتنا وطنية وعروبية ونرفض منطقهم الذي يتحدّث عن تهميش المسيحيين، بل التيار هو الذي يهمش نفسه».
وتنفي المصادر «وجود انقسام مسيحي بقدر وجود هويات مختلفة على الصعيد المسيحي فهناك 4 أحزاب، فالتحالف الثنائي بين المردة والتيار العوني سقط، ولكن لا زلنا في الخط السياسي الذي تمسكنا به منذ عشرات السنين والتيار الحر هو مَن أتى الى فريقنا وإذا قرر التحالف مع القوات وتبديل خياره السياسي فليترك تحالفه مع 8 آذار».
وتبرر المصادر إعلان فرنجية ترشيحه للرئاسة بأن «فريقنا لم يستطع منذ ثلاث سنوات إيصال عون الى بعبدا وباتت هناك قناعة دولية وإقليمية ومحلية بأن حظوظ عون وجعجع منعدمة، فكان البديل فرنجية فرفضوه بحجة أنه لا يمثل، فحصل التباعد بين الطرفين». وتصر مصادر المردة على أن «فرص فرنجية لا تزال أكثر من عون وجعجع»، وتنفي أن «يكون الحريري قد التقى فرنجية خلال زيارته الى الخارج»، معتبرة أن «التواصل والاتصالات دائمة بينهما»، كاشفة أن الحريري أكد لفرنجية في الاتصال الأخير أنه لا يزال متمسكاً بترشيحه، مستبعدة حصول انتخاب في الفترة الحالية، مضيفة أننا لن نرى رئيساً في القصر إلا بعد الانتخابات النيابية المقبلة التي ستشهد معارك انتخابية بين التيارين، إذا ما استمر التيار على مواقفه وسياساته، داعية باسيل الى أن «يأخذ كلام فرنجية الأخير بإيجابية، وأن لا يكرّر العونيون خطأهم في الطائف والدوحة في استبعاد أنفسهم عن التسوية التي لن تجلب للمسيحيين إلا الهجرة والقلق والإحباط».
أما في الرابية، فالوضع مختلف، فبعد موقف التكتل في مقاطعة الحكومة ورفع السقف في عين التينة، قرر التيار بعد اجتماع المجلس السياسي والتكتل وضع خطة سياسية وإعلامية وشعبية، ووضع الخطوات العملية التنفيذية التي يتوجب الاستعداد لها. وقالت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر لـ «البناء» إن «التيار سيبدأ بتوجيه الأسئلة الى المكونات اللبنانية والشركاء في الوطن الذين يؤلفون الكيان اللبناني عن مفهومهم للميثاقية والدستور والقوانين التي لن نتنازل عنها بعد اليوم، عن تفسير الميثاقية واحترام القوانين ورفض التمديد والتمسك بالتعيينات في المؤسسات العسكرية والامنية وغيرها وبناء الدولة». وترى المصادر في تشخيصها المشكلة بأن مَن يضعون الدستور ويسنون القوانين لا يطبقونها وما حصل في الحوار الوطني من كلام لن يغير شيئاً في موقف التيار، فالمشكلة ليست مع الوزير فرنجية وهناك من أراد إظهار المشكلة بأنها مسيحية مسيحية، لكن لن ينجحوا في ذلك، فنحن لم نردّ على هذا المنطق في الحوار ولم ولن نُجب بكلام مسيء على الاستفزازات مهما بلغت حدتها، كما ولن نتوجه باللوم الى أحد ولن نفتح معركة جانبية عقيمة مع المردة ولا مع غيره تترك مفاعيلها السلبية على جمهور الفريقين، فالخلاف بين تيارين وليس بين جمهورين»، وتضيف: «نحن انتقلنا من أزمة الميثاقية والشراكة والتهميش لشريحة من الشعب الى الخطر الوجودي ولسنا ضد الشركاء في الوطن من الطوائف الأخرى». وتسأل المصادر: أين وجودنا السياسي؟ إن كان في التعيينات الأمنية أو الإدارية أو في الحكومة أو قانون الانتخاب واختيار رئيس الجمهورية؟ وتشدد على «أننا سنلجأ الى أشكال التصعيد السلمي ووسائله كافة وتحت سقف القوانين بدءاً من الطعون القضائية في بعض قرارات الحكومة ووزير الدفاع التي باشرنا بها وصولاً الى التظاهر في الشارع ومقاطعة جلسات الحوار والحكومة». وتؤكد أن «الرئيس بري هو الذي دعا الى الحوار وقلنا له إنه طالما الحوار عقيم ولم يؤدّ الى نتائج عملية على صعيد حلّ أزمات البلد ويتناول ملفات غير هامة، فما الجدوى من استمراره؟». وتضيف: «لسنا ضد رئيس المجلس ولن تتأثر العلاقة بينه وبين العماد عون وليس هدفنا إفشال طاولة الحوار، لكن اتخذنا موقف المقاطعة وليس الانسحاب وطلبنا من بري أجوبة على تساؤلاتنا وننتظر الأجوبة وحينها نعود الى هيئة الحوار، فكل الحوارات التي حصلت لم تؤد الى نتيجة، لأنها لم ترتكز الى المشاركة الحقيقية، فلسنا من فرط عقد الحوار أو علّق جلساته، لكن لن نناقش أي موضوع ولن نردّ على أي جواب قبل البحث بالمواضيع التي يجب أن نصلحها كالشراكة الحقيقية والميثاقية وليس الرئاسة فقط».
وتنقل المصادر انزعاج الجنرال عون مما حصل في الحوار، وشدّدت على أن «التيار حتى الآن يتمسّك بموقفه بمقاطعة جلسات الحكومة، لكن لم يحسم الموضوع نهائياً بانتظار الاتصالات».