رضوان حمزة… المترجّل عن صهوة زمانه باكراً

جهاد أيوب

صديق النظرات الثاقبة، زميل الصمت المراقب، رفيق المزاجية المحبّبة غير المزعجة، إذاعيّ شفّاف، ممثّل يحلم بالأفضل، إعلاميّ ينتمي إلى البحث الدائم، قليل الكلام، يبوح برأيه مباشرة إذا طُلب منه، وإن لم تطلب منه يسير من دون أن يلتفت.

قلّما شاهدته مبتسماً، لكنه لا يعرف الحقد ولا تغييب الآخر. لديه دائرة خاصة لا يتخطّاها ولا يحبّ أن يبتعد عنها. كان يحلم بالعيش بكرامة من دون أن يستجدي أحداً. لا يطلب خدمات شخصية، ولا يتفوّق بانتقاد الضعيف ولا يقبل بذلك، لا يعرف استغلال الفرص، ولا يؤمن باقتناصها.

بهدوء يعيش، وبهدوء يناضل، وبهدوء يسامرك يناقشك يحاورك… لا يحبّ الضجيج وهو كلّ الضجيج، في صمته الضجيج يسكن، وفي ارتداء ملابسه الضجيج يناقض الضجيج، وفي يده سيجارة دخانها ضجيج الضجيج.

لا يرغب بالصراع مع أحد، وفي داخله أكثر من صراع، يتصارع مع ذاته وذواته وداخله وأعماقه وأفكاره، ولا يؤمن بالمغامرة بقدر إيمانه بالجديد المقبل.

هو صديقي المحترم، هو رفيق مرحلة التأمل، هو خبير الموسيقى الشعبية الراقية التي كنّا نتحاور حولها وفيها دائماً. هو المخرج المشغول بالجنون من دون أن تدرك ذلك. هو الممثل الرافض تغيّر شكله ونمطية صورته رغم تأدية دوره على أكمل ما يُطلب منه. هو إعلاميّ القضية والموقف والوضوح. هو صافي النيّة حتى الجنون. هو الحاضر الغائب حتى لا يزعج مَن لا يتّفق معه. هو مَن كنّا نحترم سكوته، وننتظر مجالستنا، ونتحدّث إليه بمحبّة وثقة حتى لو لم يتفوّه بكلمة. كنّا نسعد بمجاورته ولا نغضب إن سارَع في اتّخاذ الموقف الخطأ.

رحل باكراً، ترجّل عن صهوة زمانه باكراً. وكما في حياته، وضع الأمّة وأوجاعنا في جيبه الصغيرة، فعلها في مماته. لقد رافق الموتَ من دون ضجيج تمسّكه بالحياة. ولم يتعب ملك الموت حينما زاره، ربما تبسّم له فكانت الابتسامة الأولى النابعة من طفولة شابت قبل المشيب. ربما صادقه بسرعة وكلّنا نعلم أننا نصادقه بسرعة البرق إن اجتمعنا به، وربما سامَر ملك الموت كي يرافقه إلى دنيا بعيدة عن سماسرة الأعمار المنسيّة في وطن لا يعرف غير محاربة شبابه. هناك سيجد الكهرباء الدائمة بعيداً عن «زعيم» يتعمّد العتمة. هناك، سيغتسل بماء طاهرة لم يلوّثها ابن الزعامة المنحدرة من ظلم الوطن. هناك، سيغرّد مع طائر الفينيق بعدما هَجَرنا هذا الأخير تاركاً الكذبة الوطنية. هناك، سيجد مساحة من كبرياء العيش بعيداً عن وطن كلّ مَن يعيش فيه يعيش من قلّة العيش.

لقد رحل هذا المجاهد المنعتق بالصبر والأمل. نعم، انغمس بالانتظار، وبأن القادم أفضل فكان الموت.

لقد رحل رضوان حمزة، انزعج من النهوض باكراً، والسير خلف دقّات الساعة ونظام الوقت الروتيني. ببساطة عاش رضوان حمزة بيننا، وببساطة رحل رضوان حمزة، وببساطة حسم رضوان حمزة لحظاته، لكنّ خبر موته هزّنا وكسر بساطة الانتظار.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى