الرئاسة؟.. الفراغ أو العودة إلى الشعب
هتاف دهام
لن يتراجع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون عن ترشحه للانتخابات الرئاسية. لن يتراجع حزب الله عن دعمه ليصل قصر بعبدا. لن يغيّر تيار المستقبل، بقرار سعودي، موقفه الرافض تبوء الجنرال سدة الرئاسة.
علق التيار الوطني الحر الاثنين الماضي مشاركته في طاولة الحوار. يقاطع وزيراه جبران باسيل والياس بوصعب ووزير الطاشناق ارتور نظريان جلسة مجلس الوزراء اليوم بعدما تغيّبوا عن الجلسة السابقة. لماذا يقوم التيار البرتقالي بخطوات كهذه؟ هل هي مقدمة لتحركات أخرى من شأنها أن تفتح كوة في تغيير النظام؟
لم تعد المشكلة عند الرابية في رئاسة الجمهورية. باتت المشكلة في جمهورية الرئاسة. أصبحت الأزمة أزمة حكم وأزمة نظام. يتحدث خطاب البرتقاليين السياسي عن مشكلة وجودية ومسألة ميثاقية. طرح وزير الخارجية على طاولة الحوار أسئلة حول التعايش الإسلامي المسيحي. أبدى شكوكاً حيال ذلك وطالب المسلمين بأجوبة.
إنّ إثارة المسائل من هذه الزاوية تعني أنّ البلد ذاهب إلى منحى آخر. الفراغ يدق أبواب المؤسسات الدستورية والسياسية كلها. لا حوار. لا رئاسة. حكومة قيد التعطيل. مجلس نيابي مشلول. ماذا لو لم تجر الانتخابات النيابية تحت عنوان تعذّر الاتفاق على قانون انتخاب جديد؟ ماذا لو رفض المسيحيون إجراء الانتخابات وفق الستين؟ ماذا لو تعذّر انعقاد المجلس النيابي للتمديد لنفسه؟
لوّح نائب رئيس حزب القوات جورج عدوان من المجلس النيابي على غرار الكثير من النواب العونيين أنّ القوات والتيار الوطني الحر قد يستعملون ورقة الشارع في وجه الستين . أية وضعية سياسية حرجة ومعقدة سنكون أمامها؟ هل نحن أمام مؤتمر تأسيسي ستفرضه سياسة تيار المستقبل التعنتية الرافضة التفاهم مع المكونات الأخرى؟ يدافع رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة عن الطائف أينما حلّ. هناك من يسوّق على مستوى الزرق أنّ السنة يتعرّضون لمؤامرة.
استوقف – قطب سياسي بارز – تأييد رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية إجراء انتخابات رئاسية من الشعب وتحديه للوزير باسيل بذلك على طاولة الحوار.
هل تكون الانتخابات من الشعب لمرة واحدة مخرجاً لأزمة الشغور؟
يقول القطب السياسي نفسه، إنّ التيار الوطني الحر سبق أن دعا تارة لإجراء استفتاء شعبي حول الرئاسة، وتارة أخرى لإجراء انتخابات رئاسية من الشعب لمرة واحدة. وحيث إنّ معراب في حالة تفاهم سياسي مع الرابية، يعني ذلك أنها تملك قابلية ان تجاري التيار البرتقالي في دعوته لإجراء انتخابات رئاسية من الشعب. إذا فرضنا أنّ هذا الأمر يشكل مطلباً مسيحياً عارماً، من المفترض على المكوّنات الأساسية أن توافق على تعديل دستوري لمرة واحدة يتيح إجراء انتخابات رئاسية من الشعب مباشرة.
ينسجم هذا الطرح، وفق القطب السياسي، مع المكونات الإسلامية لأنه يقترب من الديمقراطية العددية وليس الديمقراطية التوافقية. يشكل مخرجاً من أزمة المراوحة وعدم إيجاد الحلول للشغور الرئاسي.
إنّ إجراء انتخابات من الشعب يتطلب تعديلاً دستورياً. هذا التعديل سوف يطال بحسب القطب السياسي آلية الانتخاب فقط، بحيث تنتقل من البرلمان الى الشعب. لن يطال أيّ بند آخر من بنود الدستور، وبالأخصّ صلاحيات الرئيس على قاعدة الالتزام بالطائف.
لا تختصر المكونات الثلاثة الموقف المسيحي، يشير القطب السياسي إلى أنّ بكركي تنتقد فكرة الاستطلاعات والتعديل الدستوري لانتخاب رئيس من الشعب. من المؤكد أنّ البطريرك الماروني بشارة الراعي سيرفض ذلك وحزب الكتائب أيضاً. من وجهة نظرهما الاحتكام الى الشعب يشكل خطراً على المسيحيين. رفض الديمقراطية العددية مفروغ منه في الصرح البطريركي.
أين بيت الوسط من ذلك؟ يقول المنطق إنّ على وادي بو جميل القبول. لا يمسّ هذا الأمر مصالح المكونات الإسلامية لا من قريب ولا من بعيد، بما فيها تيار المستقبل. بل على العكس يوفر مخرجاً يحفظ للرئيس سعد الحريري ماء الوجه في معالجة الفراغ الرئاسي. في الوقت نفسه ينهي الإحراج أمام قواعده الشعبية. لا يعود يتحمّل المسؤولية الحصرية عن وصول أيّ من المرشحين عون أو فرنجية .
كلّ ما تقدّم ليس بأهمية حماية الطائف. إنّ قلق «المستقبل»، كما تقول مصادره، ينطلق من زاوية أنّ هذا التعديل سيكون مقدمة تشجيعية لخروج المكونات السياسية لاحقاً عن الطائف.
لكن الأكيد، أنّ أحداً لن يستطيع الطعن في أهمية الاستحقاق في ما لو توفرت له قاعدة التأييد المسيحية. لو حصل ذلك سيكون الرئيس المقبل هو الرئيس الاستثنائي. ستفوق شرعيته وحجم تمثيله ودوره أيّ رئيس آخر ينتخب من المجلس النيابي. التفويض الشعبي المباشر أقوى من الناحية الشرعية والقانونية من الرئيس الذي ينتخب من المجلس النيابي وفقاً للتوازنات الطائفية.
حتى الآن لم يتلقف أيّ من الكتل السياسية البارزة هذا الطرح. عندما أبدى فرنجية تأييده للفكرة العونية. سارع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى القول «بدّو تعديل دستوري». لكن ماذا لو سدّت كلّ الأبواب وعُدّل الدستور لمرة واحدة. من يُجلس الشعب على عرش الرئاسة: جنرال الرابية أم بك بنشعي؟