نفايات ست الدنيا.. وياسمين دمشق
هاني الحلبي
كان يحدثني منذ قليل، في مكتبة الفرات، مستنكراً لم يمض على وصوله إلى شارع الحمراء إلا القليل عبقة السيارات، زحمة المارة وكثافة شارات السيارات، زكام بواليع الأرصفة وما تحت الأرض من عالم سفلي يرحب بـ «أرقى» الروائح بزوار لبنان لتحفر فيهم، بدءاً من أنوفهم، ما يدهش العالم، وما يستدعي فرق الإسعاف علّها تستدرك الضحايا القادمين إلى عاصمة لبنان، سويسرا الشرق!
وبعد أن هدأ قليلاً، رجع لساعات خلت، ابتسم عند ورود اسمها بين شفتيها كمن يذكر اسم حبيبته ولا يملّ مهما تكرر! قال، كنتُ في الشام، لفحتني روائح النفايات في بيروت، ألا يخجل مسؤولوكم عما لا يفعلون لكرامتها؟ ألا يخجلون مما يفعلون من امتهان كرامتها؟ أين لبنان الجمال؟ لبنان النظافة والرقي ولبنان المثال والنموذج؟ لبنان البهي أصبح ذكرى باهتة جراء طاقم سياسي نزق، طوراً يتكلم بالسياسة وتعني عنده حصة طائفية، وطوراً آخر يتكلم بالإقصاء والتحرير والإلغاء وكلها طرق تؤدي للطاحون نفسه: نظام طائفي يجرش أجيالنا ويُفقرنا ويفتح نوافذنا لكلاب العالم المسعورة، تحت دعم الطوائف العابرة للقارات!
تابع: بينما في الشام، بعد حرب سنوات خمس ونيّف، دُمّرت قرى، واكتسحت مدن، وأزيلت معالم أوابد، وقُصفت أسواق وعمارات ونُهبت مصانع، وبعد كل هذا لم تفرّط دمشق بأشجار الياسمين! بل تجدها مزروعة في الجنبات والأرصفة وشرفات المنازل وعلى مندلونات البيوت تعرّش جدرانها لتصبح مدينة الياسمين!
الناس، الشباب، حملات التطوع، الكشافة والطلائع والأشبال، الجمعيات، نساء الأحياء، كلهم يتزاحمون على شطف الشوارع وتنظيفها وزرعها لتجميلها فلا تظن أنك في ميدان حرب علينا لولا بعض الدوي وبعض التفجيرات المتفرقة العابرة!
وكان عرّفه إلي، زميل كبير، أستاذ جامعي، شديد الرواق خلافاً لكنيته، ولما عرّفني بأني صحافي كان محدثي الجميل كمن اهتدى إلى كنز، أصرّ لتصل صرخته عبر «البناء»، إذ كيف تلقى ست الدنيا هذا الاحتفاء المجنون من ساستها ومن بلديتها ومن مسؤوليها!؟ ما شاء الله بهم!
طاولات حوار وطني، ما شاء الله!، أصبح تعدادها عشرات وطاولات حوار ثنائي هنا وهناك، وأيضاً بلغت عشرات اللقاءات. قيل إنها خفّضت الحرارة حرارة الشارع في المواسم كلها. ونحن لا نرى في هذا الشارع الميت إلا البرودة، فلا حراك وطني، ولا حراك شبابي ولا همهمة تغيير وإصلاح، إلا تحت أقنعة طوائف او سفارات!
تحتاج بيروت لأبعد من طاولات حواراتكم، ولأكثر من مؤتمراتكم ومن مقاطعتها، تحتاج لأكثر من مايك آب خفيف..
تحتاج بيروت لمكنسة بلدية عريضة جداً كألسنة معظم ساسة لبنان الذين يتكلمون ولا يفعلون سوى قبض رواتبهم من دمائنا والتحاصص عليها!