أوقفوا المهزلة منعاً للفضيحة
لم يعد سراً أنّ الحكومة اللبنانية لم تعتمد منذ اللحظة الأولى طريقاً غير التفاوض لحلّ قضية عرسال ولاحقاً قضية العسكريين المخطوفين، والتدخل العسكري في عرسال لم يسمح به للجيش إلا فكاً للإحراج وهرباً من الاتهام بالتواطؤ.
طريق التفاوض بلا امتلاك أسباب قوة يعني ترك المبادرة بيد الفريق الآخر الذي يفترض في بيانات الحكومة المعلنة أنه العدو، وفي حال وجود رهائن لا طريق إلا التفاوض، لكنه تفاوض القوي القادر على إملاء الشروط، خصوصاً أنّ الدولة تفاوض مجموعة إرهابية كما يُفترض وفقاً للتوصيف الدولي والإقليمي واللبناني المجمع عليه، فجبهة النصرة وتنظيم داعش تشكيلان إرهابيان، وفي كلّ مفاوضات بين دولة وبين تشكيل إرهابي تحترم الدولة مبدأ أن لا تكون الأثمان التي تقدّمها للإرهابيين مكاسب يستندون إليها للعودة إلى حرب أشدّ قسوة أو ان تشكل إسقاطاً لفكرة السيادة وانتهاكاً للقانون وللقواعد القضائية.
غالباً ينتهي التفاوض في هذه الحالات بتسليم المسلّحين الإرهابيين أنفسهم مقابل وعود بمحاكمة مخففة أو يضمن لهم الرحيل خارج أراضي الدولة إلى دولة تقبل باستقبالهم، ويكون الثمن مقابل نهاية كاملة بلا ذيول لمحنة الخطف.
في حالتنا الحكومة اللبنانية ترتضي وهي لا تملك قدرة فرض هذه الشروط على المسلحين أن تفاوض وهم من يملي الشروط ويقسّم المراحل، ومعلوم أنّ القدرة التفاوضية لا تقرّرها أعداد الرهائن، فمن بيده ثلاثين إذا استطاع تجزئة مفاوضاته، وعقد لكلّ خمسة صفقة منفردة يحصل على أثمان أعلى من جهة ويتحكم بقيادة حرب نفسية وتمييز سياسي بين رهائنه لتوظيفه في كلّ مرحلة بعنوان… وهذا ما يجري في لبنان.
الدفعة الأولى من العسكريين لضمان الخروج الآمن من عرسال وفك الحصار عن المسلحين ليتمركزوا في الجرود داخل الأراضي اللبنانية ويبقى بيدهم خيار العودة إلى البلدة متى شاؤوا كما هو حاصل الآن.
الدفعة الثانية هي للعبث المذهبي ومخاطبة البيئة الحاضنة التي تسعى المجموعات الإرهابية إلى كسبها بالقول إنها لا تريد من العسكريين المنتمين إلى هذه الطائفة شيئاً، وهذه لعبة خطرة داخل الجيش والقوى الأمنية، وما يتبعها أشدّ خطورة، لكن القبول بها هو الأخطر.
الدفعة الثالثة لتوجيه رسالة إلى بيئة طائفية ثانية هي بيئة التيار الوطني الحر مطالبة بتخلي قادته عن مهاجمة الإرهاب وترك قضية الوجود المسيحي في الشرق كأولوية للاهتمام بمواجهة خطر التهجير على يد الإرهاب.
الدفعة المتأخرة تحت شعار التمييز بين صفقة مع جبهة النصرة وداعش هي لبيئة حاضنة للمقاومة لربط الإفراج عن المنتمين إليها بانسحاب حزب الله من سورية، تذكيراً بأعزاز ومخطوفيها الذين بقوا سنة على هذه الحال حتى وصل التهديد إلى فوق رؤوس الخاطفين فصار التفاوض معهم ومع مشغّليهم الأتراك والقطريّين واقعياً.
قبول الحكومة اللبنانية بتفاوض يمزّق الشعور بوحدة المصير للعسكريين هو تواطؤ على المؤسسات العسكرية والأمنية وقدرتها على أداء مهامها، وتسهيل لتسرّب التمييز الطائفي القاتل والمدمّر إلى مشاعر العسكريين في مواجهة الإرهاب.
الحصيلة ستكون بقاء رهائن من لون طائفي واحد ورمي الكرة في وجه المقاومة وبيئتها، وهذا يعني مشاركة الإرهاب في خطته.
مطلوب من وزراء المقاومة وحلفائها وقف هذه المهزلة الأخلاقية المسماة مسرحية أبو طاقية الذي سيجري تبييض ملفه العدلي من مئة مذكرة توقيف بموجب الصفقة، والمطلوب ضرب اليد على الطاولة ووقف هذه المؤامرة والسمسرة.
من يريد المخطوفين فليذهب إلى تنسيق عسكري لبناني سوري لتطويق المسلحين والضغط لتضييق الخناق عليهم، وبعدها يفاوض على صفقة شاملة تتضمّن الإفراج عن كلّ العسكريين مقابل خروج آمن للمسلحين إلى الحدود السورية ـ التركية.
توب نيوز