القاهرة ـ طهران… حاجة التقارب والعائق السعودي؟
هشام الهبيشان
في ظلّ تطورات «خطيرة» ومتلاحقة تعيشها المنطقة ككلّ، وفي ظلّ واقع سياسي وأمني ساخن، يفرض وجوده بقوة في المنطقة، ومن منطلق أنّ السياسة هي من تحرك مصالح قوى الإقليم، وبما أنّ السياسة هي لغة المصالح وهي من تحرك براغماتية أغلب قوى الإقليم، فالسياسة البراغماتية، هي التي تدفع الآن وبقوة، كلّ دول المنطقة للبحث عن حلول «مرحلية» تقيها من أتون نار متسارعة، ومخططات صهيو ـ أميركية هدفها إغراق المنطقة ككلّ، في جحيم الفوضى، لهذا من الطبيعي أن نسمع عن نشوء تقارب في الرؤى والآراء، بين بعض القوى الفاعلة في الإقليم، والهدف، هذه المرة، تفادي السقوط في جحيم هذه الأزمات، التي تمرّ بها المنطقة بشكل عام، والهروب من بعض الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الداخلية، التي يمرّ بها بعض الدول في المنطقة، وهذه العوامل، بدورها، هي التي أسّست لتبلور معالم تقارب جديد ومتوقع مستقبلاً وبقوة، بين طهران والقاهرة.
مع مؤشرات هذا التقارب «المرحلي» المتوقع مستقبلاً، الذي بدأت تتضح معالمه تدريجياً، في الوقت الحالي. من الطبيعي أن نرى، كنتيجة أولية لهذا التقارب، بين الحين والآخر، بعض التقارب في الآراء بين العاصمتين، في مجموعة ملفات إقليمية، سواء في العراق أو في سورية، أو في اليمن إلى حدّ ما. والسبب، بذلك، يعود، مرحلياً، إلى تجاوز مرحلة الخلافات، ولو مرحلياً، والتجهيز لمرحلة تقاطع المصالح بين الاستراتيجية الإقليمية للدولة والنظام المصري، الساعي إلى الصعود، بقوة، إلى مصاف القوى الفاعلة في الإقليم واستراتيجية ورؤية الدولة الإيرانية لعموم ملفات المنطقة. والهدف من ذلك، هو التجاوز المرحلي لحالة الاختلاف برؤية كلتي الدولتين الرسمية، لأسلوب ونماذج الحلول في المنطقة. وبالطبع، هنا تجدر الإشارة إلى أنّ هذا التقارب، إنْ تمّ فعلاً وتحوّل إلى شراكة فعلية، فسيكون عنواناً لمرحلة جديدة لكلّ أحداث المنطقة. وسيخلط أوراق الإقليم ككلّ من جديد. وسيؤثر بشكل بناء في مسار وضع الحلول لفوضى الإقليم بشكل عام.
لكن هناك محدّدات لشكل هذا التقارب وطبيعته. ومع الحديث عن تبلور نقاط التقاء إيرانية ـ مصرية، برز الدور السعودي المعارض، من الأساس، لفكرة التقارب هذه. ومع زيادة الضغط السعودي على النظام المصري اقتصادياً وسياسياً لمنع فكرة التقارب مع إيران ومع زيادة حجم الفوضى والإرهاب بالدولة المصرية، والمنطقة بشكل عام. وحديث بعض صناع القرار المصريين، عن وجوب تخلي مصر عن المرجعية السعودية، والتوجه السريع نحو طهران. وحديثهم عن وجوب وجود دور إيراني ـ مصري بالمنطقة ككلّ، للمساعدة في إخماد نار الحروب الطائفية والمذهبية فيها. تبرز إلى الواجهة، حقيقة أنّ النظام المصري، قرّر تدريجياً، الخروج من تحت عباءة بعض دول الخليج والسعودية تحديداً. والتوسع، بتحالفاته، مع دول الإقليم الفاعلة. فهناك، اليوم، حقائق جديدة وخفايا بدأت تظهر على أرض الواقع. هذه الحقائق والخفايا، تقول إنّ كلتا الدولتين، المصرية والإيرانية، أصبحتا، الآن، تعيشان في محيط جغرافي ساخن أمنياً وسياسياً «فلسطين ـ اليمن ـ البحرين ـ العراق ـ سورية ـ ليبيا». وفي وضع مصري داخلي مضطرب، إلى حدّ ما.
هذا ما أفرز، بدوره، نوعاً من التقارب بالآراء، بين كلتي العاصمتين، إلى حدّ ما، بخصوص الملفات الساخنة بالإقليم. فهذه الملفات، خصوصا، وضعت كلا النظامين في خانة التناقض في الفترة الماضية. لكن المرحلة الحالية ونظراً إلى صعوبتها وتطوّر وتلاحق أحداثها في المنطقة، من المؤكد أنه ستكون هناك حالة من التقارب بالآراء والرؤى بين البلدين والنظامين، ولو مرحلياً، خصوصاً، بعد توقيع إيران على اتفاقها النووي مع القوى العالمية الكبرى.
ختاماً، يعتبر المراقبون أنّ النظامين الإيراني والمصري، يملكان من الأوراق ما يجعلهما قادرين على إنقاذ المنطقة ككلّ، من جحيم الفوضى. إلا أنّ مطمح النظام والدولة السعودية، في أن تكون دولة محورية بالمنطقة العربية، قد يحدّ نوعاً ما من التقارب المصري ـ الإيراني، إلا أنّ مسار الحرب على الدولة السورية المستمرة إلى الآن، ودور مصر المستقبلي في الملف السوري تحديداً، ومسارات ونتائج الحرب العدوانية على اليمن، وفرضيات التطورات المتوقعة في الوضع العراقي، هي بمجملها ستكشف، بحسب المراقبين، مدى ثقل كلّ من النظامين الإيراني والسعودي بخصوص كسب الورقة المصرية، وقدرتهما على التأثير في علاقات التقارب المصري مع دول الإقليم ككلّ. فالتقارب المصري ـ الإيراني إنْ تمّ، سيكون المفتاح لإعادة تكوين موازين القوى بالمنطقة ككلّ. ما سيحتم عليهما التعاون والتعامل بمنطق الواقع، للحفاظ على مصلحتي البلدين، والحفاظ على دورين فاعلين ومتزنين في الإقليم، لكل من النظامين الإيراني والمصري.
كاتب وناشط سياسي ـ الأردن
hesham.habeshan yahoo.com