«الوطني الحر»: نتعاطى وطن… يتعاطون دكانة

هتاف دهام

تثبت العلاقة بين حزب الله والجنرال ميشال عون يوماً بعد آخر أنها إحدى أهمّ المعادلات الاستراتيجية التي تحكم الحياة السياسية في لبنان. تمثل حالة التفاعل الأكثر حيوية وتجذراً، رغم كلّ المحاولات الإعلامية وغيرها الدؤوب والهزات غير الواقعية التي سوّق لها البعض داخل التيار وخارجه. تأكدت هذه العلاقة في اللحظات الحرجة أنها عصية عن الكسر، وأقوى من أيّ اعتبار داخلي مهما غلا ثمنه.

فَرْمَل حزب الله بتضامنه مع التيار الوطني الحر مكابح انهيار الحكومة. ضرب عصافير عدة بحجر واحد. حمى تحالفه الاستراتيجي مع الجنرال ميشال عون. ترك الرئيس نبيه بري يتحرك ضمن الهوامش الطبيعية التي يملكها. حافظ على منطق حواره مع تيار المستقبل. أكد أنّ علاقته التحالفية مع رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية في لحظات الشدة الحكومية تعطي نتائج تتجاوز كلّ التطورات السابقة. أظهر حرصاً على حكومة رئيسها تمام سلام بغضّ النظر عن نزعة التوتير التي يقودها الرئيس فؤاد السنيورة.

كان حزب الله منصفاً مع التيار الوطني الحر. أجرى قراءة متأنية وواقعية بامتياز لتداعيات تهميشه سياسياً. اعتبر أنّ هذا التهميش إنما هو للمكون المسيحي بأكمله. لم تنطلق قراءته فقط رغم أهميتها من التفاهم الاستراتيجي بين الفريقين. يترك هذا التفاهم هامش تحرك للفريقين. يضع عناوين عريضة لكيفية التعاطي مع الملفات او المسائل الحساسة.

لكن كيف ستتعاطى الرابية مع جلسة 6 من المسيحيين؟

ينظر التيار الوطني الحر إلى أنّ الميثاقية بحدّ ذاتها مسألة بالغة الحساسية في النظام الذي أسماه الرئيس نبيه بري منذ يومين كونفدرالية الطوائف. يؤكد عضو تكتل التغيير والإصلاح الوزير السابق سليم جريصاتي لـ «البناء» أنّ الحرص على الميثاقية ليس لأنها هدف بذاتها. بل لأنها ركيزة اتفاق الطائف الذي ارتُضي بنسب متفاوتة في حينه وأصبح دستورنا في ما بعد.

يُصرّ جريصاتي على ضرورة الاتفاق على مفهوم واحد للميثاقية لعدم الوقوع في الاستنسابية والانتقائية والكيدية السياسية على ما حصل في جلسة مجلس الوزراء أمس.

يربأ البرتقاليون بالرئيس تمام سلام أن يكون قد استعان بحضور عابر ومشروط بالوزير الكاثوليكي الوحيد الباقي في الحكومة ميشال فرعون كي ينقذ مجلس الوزراء من عدم توفر النصاب الدستوري نصاب الثلثين لعقد جلسة. ناهيك عن النصاب الميثاقي المفقود.

وفق جريصاتي، لم يُقرّ هؤلاء الساسة باعترافهم بنا، هؤلاء الذين أتوا بالوكالة وأصبحوا مياومي سياسة في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى حِرَفييّ سياسة تسمو عندهم المصلحة الوطنية فوق كلّ اعتبار. ولم يقتنع هؤلاء أنّ سياستهم تؤدّي إلى هذا النوع من الإقصاء والتهميش وإلى انتفاضات أو ردات الفعل التي تصبّ في خانة الرفض والانتفاض على الظلم. كلّ ذلك، سيأخذ البلد إلى انتفاضة شعبية بالمفاهيم والمعايير كلها، تؤدّي بالنتيجة إما إلى الإطاحة بهذه الطغمة الفاسدة والمصلحية الطوائفية المتحكمة بالنظام، أو إلى إسقاط النظام. إن اصبحت هذه المنظومة جزءاً لا يتجزأ منه، يسقط النظام معها إذا اعتبرت أنها الدولة وأنها النظام.

عندما يقول الشعب كلمته أو عندما يعلن عصياناً مدنياً على دولة لم يعد يرى نفسه فيها، أو يذهب إلى إدارة ذاته بذاته في مناطقه ودساكره وأحيائه. هذه كلها خيارات قاسية وإنْ كانت متاحة في الديمقراطيات.

المشكلة وفق التيار البرتقالي أنّ الفريق الأكثري الملوّن يتعاطى على أننا «دكانة»، في حين أننا نتعاطى معه وفق مبدأ وطن.

خرج التيار العوني من الحوار الوطني، لأنّ هذا الحوار عجز عن تحديد مفهوم واحد للميثاقية ركيزة النظام. طلبت الرابية من مجلس النواب تفسير الفقرة ياء من مقدمة الدستور. لم يحصل ذلك. طلبت من هيئة الحوار الأمر نفسه لم يأت الجواب ولن…!

يسأل جريصاتي من تفيد المقاربة الرمادية المتلكئة؟ يجيب «إنها المنظومة الحاكمة الطوائفية المصلحية. هي عابرة للطوائف والمناطق. لكننا سنسقطها. هذه المنظومة انتفضت على طائفها خدمة لمصالحها الآنية والشخصية ولسلطتها المؤبدة المستدامة. سنسقطها. اتخذنا القرار، لأننا خارجها. وأخطأ هؤلاء حين وضعونا خارج النظام، لأننا توسلنا النظام لضرب المنظومة».

لم تسعَ الرابية إلى فرط الحكومة. تريد فقط المشاركة الكاملة في صناعة القرار الإجرائي والتشريعي من خلال قانون انتخاب يراعي معايير الميثاق. أصبحت الدولة التافهة، بحسب جريصاتي رهينة هذا النظام القوي الفاسد القادر على ضبط كلّ حركة انتفاضة. لكن هذه الدولة ستصبح مندثرة وفاسدة، وستُبنى على أنقاضها دولة نطمئن إليها.

سيعمل «الوطني الحر» على طرد تجار الهيكل من الهيكل. سيصل إلى هذا المقصد. لن يمنعه أحد عن ذلك. حليفه الاستراتيجي يفهمه. مكوّنه بأكمله وراءه يختلف معه في التفاصيل، بالآلية، بالتوقيت، بالأسلوب، لكن بالاستراتيجي هما واحد. وفق جريصاتي، يكفي أن نقرأ من جديد خطاب رئيس حزب القوات سمير جعجع في معراب. لكن الأهمّ قراءة أدبيات حزب الله. فتهميش الوطني الحر يعني عنده تهميش المكون المسيحي. فمن يرتضي تهميش المكون المسيحي في هذا الظرف بالذات، وهو ينظر إلى الشرق وقد اضمحل منه لأنه فقد الدور. ومَن يفقد الدور يفقد الوجود. لكن في لبنان «ما في لعب معنا».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى