قالت له
قالت له: ليس عندي في الحبّ جدال، ولا عندي لك أكثر من سؤال. لماذا أحسّ التغيّر في نبضك كمن يصاب بدوّار الأماكن البعيدة؟ فعندما أراك أستشعر بريقَ عينيك، وبين حين وحين أحسّ بك، عندما يبتعد بك المكان أو الزمان تصير الكلمات صعبة عليك.
فقال لها: ربما نستجمع كلّ شحنات الشوق ونهدأ بعد البعاد، وتبدأ بنا دورة جديدة من النعاس تشبه الرقاد. ونصير كما الأولاد عندما يلتهون بقطعة حلوى فلا تفتر همتهم ولا يبردون. بل هو نعاس عابر وأنتِ مثلي لكنّك لا تشعرين، لأنك مستنفرة لاختبار الاهتمام كامتحان، والامتحانات تعب على الطرفين، بينما السلام نسيم منعش لهما. فكم مرّة أنت تغادرين منابر الكلام وتنشغلين بالسؤال والبحث عما تفترضين أنه الكمال؟ بينما أحبّ فوضى التسكّع الحرّ في ثنايا ما بيننا لا خارجه؟ فلا يصير الكلام المحسوب والحساب محور الجدال، فماذا عن الانشغال وماذا عن الإهمال وشتان ما بينهما؟ فكم من مرّة دارت بنا الأيام وكان الشوق ثالثنا؟
فقالت له: أن لا أحبّ تقنين الكهرباء ولا انقطاع الماء، مع أنهما واقع لكنّهما واقع مرّ نسعى إلى الخلاص منه، خصوصاً لأننا نعرف أن الانقطاع بسبب إيصال ما كان لنا لغيرنا، ورغم أنه في غير الحبّ شراكتهم معنا، حق لهم نغضب، فكيف نرتضيها في ما ليس حقاً؟
فقال لها: التقنين فعل إدارة وتوزيع، ونحن نتحدّث عن مولّد بيتكم وبئر الماء فيه، عندما تأتي مواسم شحّ ويقلّ ماؤها أو يتعب المولّد أو ينقص زيته فينطفئ. ولا عدل في جعل الأمر بين التقنين والأنين أو التمنين، بل في التطمين والتمكين والحبّ والحنين. وطلبي أن نرتضي الحبّ مواسم شتاء بارد وصيف حار وربيع مزهر وخريف عاصف، لكنه تناوب في قلب الدورة الطبيعية لا تفضيل لموسم فيها على موسم، ولا فرصة أو قدرة على جعلها سنة بفصل واحد. وإلا لا بذار ولا زهر ولا ثمر ولا حصاد، فجمالها في التنوّع ولو فضّل أحدنا فصلاً على آخر.
فقالت: إن الفصول صعود وهبوط في الحرارة، وأنا أبحث في الحبّ عن حرارة تعلو ولا تهبط.
فقال لها: ويصير فرن انصهار، ويفقد كلّ منّا خصوصيته وجمال التكامل مع الآخر. أنسيت قول جبران خليل جبران للحبيبين: «فليسقي كلّ منكما الآخر من كأسه لكن إياكما أن تشربا من كأس واحدة»؟
فقالت: أحسّ بالعطش أعرني كأسك لمرّة واحدة!
فقال: كأسك شفاهي وشفاهك كأسي، ولهذا يستحيل أن نشرب من كأس واحدة. وتعانقا بإغماضة عين واحدة، واستعداد لابتسامة كأنهما في حفل تصوير.