السفيران الروسي والسوري: إنجازات الميدان والحزم السياسي يرجّحان التسوية حزب الله يُمسك بزمام المبادرة في إعادة الوضع الحكومي إلى نصاب التفاهمات

كتب المحرر السياسي

بعد أيام من النفي والتأكيد والارتباك والدلع في واشنطن، أعلنت الخارجية الأميركية عن لقاء الوزير جون كيري بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وجاء الإعلان بعد تشكيك بعقده شاركت فيه وزارة الخارجية الأميركية نفسها بالحديث عن لاجدواه، بعدما نالت الوزير كيري سهام الطعن بالصدقية والتشكيك في أهليته من وزارة الدفاع الأميركية التي شنّت حملة على فرص التفاهم مع موسكو ووصفتها بالتنازلات غير المبرّرة، ليترتب على انتقال الخارجية الأميركية إلى ضفة الرافضين للتفاهم فقدان المشككين الأميركيين هدفهم من حملاتهم ومواجهة فرضية انفراط عقد تفاهم يريدونه، لكنهم يريدون المزايدة عليه لتحقيق المزيد من النقاط الداخلية، كما يقول القبول الأميركي بالمشاركة باللقاء الذي أجمع الأميركيون على اعتبار انعقاده إشارة الانطلاق للتفاهم بين موسكو واشنطن وبدء تنفيذ وقف للنار في حلب وفتح للمعابر ضمن شروط لا يستفيد منها المسلحون، خلال فترة العيد، والقبول الأميركي هنا لم يعد ممكناً رؤيته كانفراد من الخارجية في ظلّ الكلام التشكيكي المعلن لوزراة الدفاع، وهذا ما يؤكده استباق الإعلان عن اللقاء من جانب الخارجية الأميركية قيام الطائرات التابعة للتحالف الذي تقوده واشنطن عبر وزارة الدفاع بشنّ غارات استهدفت اجتماعاً قيادياً لجماعة جبهة النصرة، ما أدّى لمقتل ثلاثة من قادتها يتقدّمهم مسؤولها العسكري في حلب أبو عمر سراقب، وهي الغارة الأميركية الأولى على مواقع للنصرة، والاشتباك الأول بين وحدات أميركية وجماعة النصرة. وبالتالي الترجمة الأولى للمطلب الروسي الدائم من الأميركيين بانخراط جدّي وفعّال في الحرب على النصرة، ليصير اللقاء الذي يجمع اليوم في جنيف كلاً من الوزيرين كيري ولافروف تعبيراً عن فرصة جدية للإعلان عن التوصل للتفاهم وفقاً لقواعد، تضمن الشراكة في الحرب على الإرهاب، وفتح الباب لتميّز الجماعات المسلحة الراغبة بالانخراط في الحلّ السياسي نفسها ومناطق وجودها عن النصرة ومواقعها.

رجحان كفة التسوية كان الخلاصة التي توصلت إليها «ندوة البناء» حول العالم والمنطقة عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي شارك فيها السفيران الروسي الكسندر زاسيبكن والسوري علي عبد الكريم علي والباحثان الدكتوران طلال عتريسي ومحمد نور الدين وتوقفت أمام المتغيّرات التي لحقت بمفهوم الأحادية الأميركية، ومقابله مفهوم الدولة الوطنية وحق الاستقلال، ونسبة توازن القوى الناتج عن المواجهات التي دارت على مدى سنوات بين المشروعين المتقابلين، ونشوء حلف تقوده روسيا بين كتل الدول المستقلة المتمسكة بحقوقها السيادية وبمعايير القانون الدولي في مواجهة مشروع الهيمنة الأميركية الذي وظف في حسابه أطماعاً استعمارية وأوهاماً لأدوار وصولاً إلى توظيف الجماعات الإرهابية. وكانت الحرب على سورية أبرز وأشرس وأهمّ تجلياته وميادين معاركه الفاصلة، بحيث صار العالم المتعدّد الأقطاب حقيقة قائمة وليس تمنياً وحلماً، وصار التسليم الأميركي بالحاجة للانخراط بالتسويات، كما يقول التفاهم على الملف النووي الأميركي، وتلاقى المشاركون مع ما قاله السفيران زاسيبكين وعلي عبد الكريم عن اعتبار الإنجازات المتلاحقة في الميدان السوري لحساب الدولة السورية وحلفائها بدعم روسي مباشر، ومعه الحزم السياسي في التمسك بشروط للتسويات تنسجم مع مفاهيم السيادة وقواعد الحرب على الإرهاب، وترجمة معايير الشرعية الدولية، العناصر الأساسية التي تفسّر من جهة التحوّلات والمتغيّرات المحيطة بالوضع في سورية، ومن ضمنه الارتباك التركي العاجز عن فرض سقوفه على المشهد الجديد، والمتاح أمامه التموضع تحت سقوف حجز مقعد في تسويات تحترم سيادة سورية ووحدتها، وتجعل من جهة مقابلة فرص الذهاب الأميركي للغة التسويات الكفة الأكثر رجحاناً. تنشر البناء غداً وقائع الندوة وتنشرها غداً مساء قناة توب نيوز على موقعها على اليوتيوب .

لبنانياً، خاض حزب الله غمار خياره باختبار النيات في الشأن الحكومي، كميدان لاستكشاف حدود القرار التصعيدي الذي أراد تيار المستقبل ترجمته من إدارة الظهر لمقاطعة حليف الحزب الرئيسي الذي يمثله التيار الوطني الحر، بالرغم من مساعي حزب الله قبل قرار انضمامه للمقاطعة للوصول إلى حلّ وسط يقوم على تأجيل جلسة الحكومة أو الاكتفاء بتحويلها جلسة للتداول في الشؤون العامة للدولة بعيداً عن جدول أعمال ريثما يتمّ العمل على تسوية للخلاف الذي تسبّب بمقاطعة التيار الوطني الحر. وجاءت مقاطعة حزب الله وسط الإمساك بكابحين فاعلين، واحد حملته الرسالة التي مثلتها مشاركة تيار المردة لحزب الله بالمقاطعة، رغم اتصال الأمر بالتضامن مع التيار الوطني الحر في ظلّ علاقات مرتبكة بين المردة والعونيين بعد السجال الذي شهدته الجلسة الأخيرة لهيئة الحوار الوطني بين رئيسي التيارين الوزيرين جبران باسيل وسليمان فرنجية، ليقول حزب الله لمن يجب أن يفهم أنه عندما يتصل الأمر بمستقبل المعادلة التي يشكل الحزب محورها فحلفاء الحزب هم حلفاؤه يجدهم متى طلبهم، وأن لا اهتزاز يطال العلاقة بالحلفاء مهما توترت العلاقات في ما بينهم، أو تعدّدت اجتهاداتهم وتباينت مواقفهم، فالحزب يبقى الجامع بينهم، ويلتفون من حوله عندما يسشتعرون أنه مستهدَف ولو بصورة غير مباشرة، ويستدعي الأمر إيصال رسالة التضامن إلى حيث يلزم. ومن جهة مقابلة يستند حزب الله إلى كابح ثانٍ لا حاجة لمشاركته بالمقاطعة وهو بيضة قبان المعادلة السياسية، وما يمثله رئيس مجلس النواب نبيه بري في المعادلة الداخلية، وتمثيل حركة أمل الحكومي، كابح لأيّ انفراد يريد السير بالتحدّي والاستفزاز عبر منصة مجلس الوزراء، والتحالف بين حزب الله وحركة أمل أعمق وأبعد مدى من الشأن الحكومي. والأمر عندما يقاطع الحزب لا يعود محوراً موضوع المقاطعة وعلاقته بالتضامن مع التيار الوطني الحر وتقييم حركة أمل وموقفها من طريقة أداء التيار ووزرائه للشأن السياسي، خصوصاً بعد ما شهدته طاولة الحوار. فالقضية هنا تصير أنّ الحليف الاستراتيجي الذي هو حزب الله، لسبب ليس هو الأهمّ، يقاطع جلسة الحكومة، ويشكل تجاهل رسالته استفزازاً لكلّ حلفائه وحركة أمل ضمانة لعدم حدوث ذلك.

قرئت رسالة الحزب المزدوجة، بحضور حركة أمل وغياب تيار المرده، لتعود الحرارة إلى الاتصالات والوقت متاح للمزيد مع عطل الأعياد ومناسبات السفر لتنفيس الاحتقانات والبحث عن المخارج، والاستعانة بخبرة صديق وقت الضيق، رئيس المجلس النيابي لتدوير الزوايا.

جلسة تشاورية للحكومة

لم تفض الاتصالات والمساعي والوساطات التي قادها أكثر من طرف حتى منتصف ليل أول من أمس الأربعاء الى إقناع رئيس الحكومة تمام سلام، بإرجاء جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت اليوم بمن حضر بعدما تأمن نصابها، بحضور 16 وزيراً وغياب وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله و «الطاشناق» ووزير الثقافة روني عريجي.

فنيش: مقدّمة لحلحلة الأزمة

وقال وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش لـ «البناء» «إننا طلبنا من الرئيس سلام، ألا تنعقد الجلسة وليس تحويلها إلى جلسة تشاورية، لكنها عقدت من دون مكوّنات عدة ولم تتخذ أي قرارات ولم تناقش جدول الأعمال المقرّر، وبالتالي كان هذا الخيار المتاح والأقل تشنّجاً وتحدّياً للقوى المقاطعة وبادرة إيجابية ومقدّمة لحلحلة الأمور وتساعد على تخفيف التوتر بانتظار حركة الاتصالات لإيجاد حل للأزمة ما يفرض على كل المعنيين بالأزمة أن يساهموا في إظهار المرونة وإبداء إيجابية للوصول الى مخارج للمشكلة».

وعن خيارات حزب الله في مقاطعة الجلسات المقبلة إذا لم تفلح الاتصالات في إيجاد مخرج للازمة، أشار فنيش إلى أننا «لن نستبق الامور وأمامنا متسع من الوقت حتى الجلسة المقبلة، لكننا حريصون على معالجة المشاكل لتبقى الحكومة وتستمر ولسنا مع إسقاطها أو تحويلها الى تصريف أعمال، لأننا حريصون على استقرار البلد». وعن موضوع التمديد لقائد الجيش الحالي قال فنيش: «لم يحن أوان هذا الأمر ولننتظر الاتصالات».

الوفاء للمقاومة: الحوار الفرصة المتاحة

وأكدت كتلة «الوفاء للمقاومة» أن الحوار الوطني يشكل الفرصة الواقعية المتاحة لكل الفرقاء من أجل التوصل الى معالجات وطنية تخرج البلاد من نفق الازمة السياسية المتمادية، ذلك أن الخيار البديل عن مواصلة الحوار سوف يؤدي حكماً الى تعقيد الأزمة واطالة أمدها أياً تكن موازين القوى بين الفرقاء راهناً او مستقبلاً».

ودعت الكتلة الى «عودة الجميع لمواصلة الحوار الوطني وإجراء الاتصالات اللازمة لتحقيق ذلك بأسرع وقت ممكن»، ورأت أن «الحل المطلوب يستوجب مراعاة التوازن الوطني والشراكة الحقيقية، وإصرار الجميع على احترام مقتضيات العيش الواحد والاحتكام الى الدستور ووثيقة الوفاق الوطني دون أي انتقائية او استنساب».

الاتصالات إلى ما بعد العطلة

وعلمت «البناء» أن سلام رفض طلب فنيش بتأجيل الجلسة مبرراً ذلك بأنه دعا الى عقد الجلسة ولا يمكنه التراجع، لكنه طلب وقتاً لإجراء بعض الاتصالات مع قوى أخرى في الحكومة ليعود لاحقاً ويبلغ فنيش قراره بعقد الجلسة.

وقالت مصادر حكومية مطلعة على موقف سلام لـ «البناء» إن «حزب الله والمرده لم يتحدثا عن الميثاقية في الجلسات السابقة وموقفهما بمقاطعة جلسة أمس هو تضامن سياسي وليس ميثاقي»، ولفتت الى أن «جزءاً من الاتصالات سيبدأ بعد عطلة العيد لإعادة لم الشمل الحكومي وجزء آخر سينطلق بعد عودة سلام من نيويورك لتعود الحكومة بداية شهر تشرين الى دورتها الطبيعية، إلا إذا أدى التصعيد السياسي للتيار الوطني الحر الى وضع غير صحي».

وسلام يلوّح بالاستقالة

وإذ نفت المصادر لجوء سلام الى خيار الاستقالة، أعلن سلام في بداية الجلسة أنه سيُعطي المجال أمام مزيد من التشاور في الأزمة الراهنة لإعطاء فرص جديدة لإيجاد حلول، إلا أنه أشار ملوحاً بالاستقالة «أن إنتاجية الحكومة هي عامل أساسي في بقائها، وعلينا ألا نتجاهل تبعات التعطيل وآمل في أن يُدرك الجميع أن عدم إنتاجية الحكومة يطرح سؤالاً مشروعاً حول الجدوى من استمرارها».

عريجي: لا قرار بمقاطعة الحكومة

وأوضح وزير الثقافة روني عريجي لـ «البناء» أن «موقفنا بعدم حضور جلسة مجلس الوزراء هدفه المساهمة بتخفيف وتيرة التشنجات وتسهيلاً لحلحلة الازمة، لكننا لم نقاطع الحكومة بل قررنا عدم حضور هذه الجلسة فقط وبالتالي لا قرار لدينا بمقاطعة جلسات مجلس الوزراء»، مشيراً الى «أننا لم نشارك في الاتصالات لحل موضوع الميثاقية، لاننا لسنا جزءاً من المشكلة المستجدة، مضيفاً التواصل والتنسيق دائم مع حزب الله على الصعيد الحكومي ومع مكونات أخرى في الحكومة ولن نستبق موقفنا حيال الجلسات المقبلة».

وأكد عريجي «أننا مع مبدأ التعيين في مجلس الوزراء لقائد الجيش وغيره من القيادات الأمنية، لكن إذا تعذر التعيين فلن نقبل بحصول فراغ في المؤسسة العسكرية».

قزي: بقاء الحكومة يحافظ على الشرعية

وقال وزير العمل سجعان قزي لـ «البناء» إن «الجلسة كانت دستورية بامتياز وسياسية بامتياز وإنتاجية دون امتياز»، ولفت الى أن «الحكومة لن تستقيل»، متسائلاً إذا قرر سلام الاستقالة، لمن سيقدم استقالته في غياب رئيس الجمهورية؟ وأوضح قزي أن قيمة الحكومة الحالية وفي ظل الظروف الراهنة ليس بحجم انتاجيتها رغم ضرورة واهمية تفعيلها وانتاجيتها، لكن اهميتها بوجودها وبقائها واستمراريتها للحفاظ على ما تبقى من شرعية ومؤسسات دستورية في البلد».

..و«التيار»: نرفض الصفقات في التعيينات

ونفت مصادر قيادية في التيار الوطني الحر لـ «البناء» ما نقله وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس عن وزير المال علي حسن خليل، بأن «بند التسوية مع التيار كان ينص على تعيين أمين عام جديد للمجلس الأعلى للدفاع مقابل القبول بالتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي». واعتبرت المصادر أن «وزير الدفاع مدد للواء خير عن غير وجه حق، ولن نقبل بتسويات كأن نتراجع عن معارضتنا للتمديد لقهوجي مقابل عودتهم عن التمديد لخير وتعيين آخر مكانه»، موضحة أننا نعارض مبدأ التمديد في كل المناصب الأمنية وليس فقط في قيادة الجيش ولن ندخل في صفقات بهذا الملف ولا في غيره، لأننا نحترم القوانين»، مشددة أن لا رجعة للخلف في موضوع الحكومة حتى يتراجعوا عن خرق الدستور، ولن نشارك في الجلسات المقبلة ولن نقبل بضرب الميثاقية ومتجهون نحو المواجهة ولا يجرّبوننا إلا إذا تراجعوا عن النكد السياسي واغتصاب السلطة وتغطية السموات بالقبوات».

وعبرت المصادر عن ارتياحها لموقف حزب الله في الحكومة مؤكدة أن «حزب الله كما عوّدنا لا يترك حلفاءه»، مؤكدة «أننا ستستمر بالمواجهة ولو بقينا وحدنا في الساحة فلقد تعودنا أن نخوض المعارك وحدنا».

وإذ رحبت المصادر بموقف المرده في الحكومة، استنكرت كلام بعض الوزراء الذين يدعون تمثيلهم المسيحيين وأنهم يؤمنون الميثاقية، مشيرة الى أن «القاعدة المسيحية ستحاسبهم يوماً ما».

وفرعون من السراي إلى الرابية

وفور خروجه من السراي انتقل وزير السياحة ميشال فرعون الى الرابية للقاء العماد ميشال عون، حيث أكد فرعون «أننا طالبنا بتأجيل جلسة مجلس الوزراء وعدم البحث بأي بند في غياب الصيغة التوافقية وغياب او معارضة او استقالة مكونات، واذا لم يكن هناك امكانية للتأجيل فيفترض الا يكون هناك بحث في اي بند يعتبر تجاوزاً لأي من المكونات او لمبدأ تمثيل رئاسة الجمهورية».

وتابع: «الجنرال عون حريص جداً على كل الدولة ومؤسساتها وعلى الحكومة، ونحن نطالب بفتح المجال للحوار واستمرار البحث والأفضل تأجيل الجلسات الحكومية بانتظار ايجاد حلول جديدة، لقد حاولنا تحييد الحكومة، ولكنها ايضاً مؤسسة سياسية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى