جون برينان لا يقرأ الفنجان: «داعش» بأعيننا… وأفغانستان تشهد؟

د. محمد بكر

تماماً كالرؤية «الإسرائيلية»، أو التي تسعى «إسرائيل» إلى ديمومتها في ما يخدم مصالحها، أطلّ مدير الاستخبارات الأميركية، جون برينان، بالتزامن مع الإعلان عن اتفاق روسي ـ أميركي لوقف إطلاق النار، ليشرح «نبوآته» التي لم تكن، مطلقاً، على قاعدة قراءة الطالع و»التبصير» في الفنجان. يدرك الرجل ،تماماً، ماذا يقول. ما جادت به قريحته، لجهة أنّ التقسيم ينتظر سورية والعراق، ولا أمل بإقامة حكومة مركزية، تستطيع أن تدير الأمور بعدالة في البلدين. وإنْ تمّ تشكيل، هذه الحكومة، فإنه ستكون هناك مناطق حكم ذاتي. والأهمّ، إنّ عملية تحرير الرقة من «داعش» ستكون صعبة جداً، وأنّ التنظيم سيستمرّ طويلاً. هذا يشكل تضارباً مع ما أعلنه البنتاغون» في السابق، لجهة أنهم يقتربون جداً، من الرقة، وتحريرها، كلّ ذلك، يشي بأنّ المرواغة واللفّ والدوران، باقية كاستراتيجية في الفكر الأميركي. بدوره، عاد الحديث، على لسان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عن النيات الحسنة، التي ستكون المحدّدة لصفة التحوّل في الاتفاق الحاصل. وأنّ بلاده ستتعاون مع الجيش الروسي، إنْ صمدت الهدنة أسبوعاً. وأنّ عملية إقناع الأطراف المتنازعة، لوقف إطلاق النار، تحتاج إلى أسبوع، فيما شكك لافروف، بنجاح الاتفاق مئة بالمئة.

عودة الحميمية والوفاق بين الرأسين التركي ـ السعودي وعودة الجبير لترديد أسطوانته في ما يتعلق بمصير الأسد وتوصيفه له بـ»المغناطيس» الذي يجذب الإرهاب، وأنه يجب إزاحته للقضاء على هذا الإرهاب وأنّ بلاده تدعم تركيا في كلّ إجراءاتها، لما سماه الدفاع عن نفسها، فيما تقاسم التركي ذات الرؤية، وكذلك، ما ألمح له أردوغان عن خطط وإجراءات لن يفصح عنها، وهو الذي كان يجد في السلوك السعودي، إبّان الانقلاب، طعناً في الظهر. ربما يشي، كلّ ذلك، أيضاً، عن طعنات ستتكاثر على العين الأميركية، تفتت الاتفاق الذي قيل عنه.

«قادسية الجنوب» هو الاسم الذي أطلقته فصائل «أحرار الشام» و»فتح الشام» «النصرة» سابقاً ، على إسم معركتها في الجنوب، ضدّ الجيش العربي السوري،. هي مؤشر آخر، ومقوّض، ربما، لأيّ حديث، أو صمود مرتقب لهدنة ووقف لإطلاق النار. مجرّد الاسم، كاف لاستيلاد الجزم بأنّ توقيت الإعلان هو ترجمة لما قاله الجبير من أنقرة، بأنّ إيران هي العقبة الرئيسة، نتيجة سياساتها التدخلية في الشؤون العربية. والعودة البديهية بالذاكرة ليوميات حرب الخليج الأولى، بين إيران والعراق، المدعوم من دول الخليج، حينها، إذ أطلق عليها العراق إسم «قادسية صدام»، فيما سماها الجانب الإيراني «الدفاع المقدس»، لإدراك مستوى النار المحتدمة، اليوم، بين الجانبين، والتي وصلت ألسنتها إلى مستوى الاتهامات المتبادلة، التي أطلقها الطرفان، بين «المجوس» وأبناء «اللات والعزى» و»الشجرة الملعونة».

سرور واشنطن، اليوم، لا يوصف، بوصول المشهد السوري إلى مرحلة بات يرخي فيها بظلال، تشبه، إلى حدّ كبير، يوميات أفغانستان. وكيف صاغ الأميركي، حينها، الورقة القاعدية لهزيمة الاتحاد السوفياتي. فيما أدرك الروسي، أنّ ظروف المشهد السوري تختلف عن ظروف الماضي، لذا دخل الميدان السوري وهو يدرك، يقيناً، صعوبة وطول المعركة التي يخوضها. وتالياً، يصعب تراجعه عما هو ماضٍ نحوه إلى النهاية.

الأيام السبعة، التي تحدث عنها كيري، ستكون الفيصل والمحك الذي توضع عليه جدية واشنطن في طرحها وإذا ما كانت ستتعاون، فعلاً، مع الجيش الروسي. وإذا ما كانت «فتح الشام» ضمن دائرة هذا التعاون، أم لا؟ ولا نعرف إن كانت «البيتزا» الأميركية و»الفودكا» الروسية التي قدّمها لافروف للصحافيين، عقب الاجتماع مع كيري، ستكون عربوناً لاتفاق جدّي ينهي سنوات عجاف، أقلّ ما توصف بالكارثية؟ أم لا مفاعيل للخبز والملح بين خصمين تاريخيّين.

كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا.

Dr.mbkr83 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى