فتشوا عن «إسرائيل» في خطة الرباعية العربية
رامز مصطفى
«في الماضي كنا نظنّ أنّ السلام مع الفلسطينيين هو ما سيفتح لنا باباً إلى الدول العربية، غير أنّ الأمور تسير في الاتجاه المعاكس الآن. وإذا ما أردنا التوصل إلى تسوية نهائية مع الفلسطينيين، علينا أن نقيم علاقات مع الدول العربية، لأنها ستساعدنا في دفع الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات وإبرام تسوية نهائية معهم». كلام يعود لنتنياهو، لتبدأ بعدها تتوضح صورة تلك العلاقات وكيف تطوّرت اللقاءات والاجتماعات لتنتهي راهناً بزيارة الضابط السعودي أنور عشقي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة ولقائه عدداً من مسؤولي الكيان.
اليوم يأتي الكشف عن خارطة طريق وضعتها رباعية عربية مكونة من السعودية ومصر والامارات والأردن ، والتي حملت عنوان «خطة لتفعيل وتحريك الملف الفلسطيني»، وهي عبارة عن أوراق ثلاث صيغت بطريقة يُفهم منها أنه يتوجب على رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس السير بها وتطبيقها، لتُظهّر مشهد تلك العلاقات العربية «الإسرائيلية»، ومعه خارطة «الرباعية العربية» تسلك طريقها على مسارات ثلاثة كما خطط واضعوها، المسار الأول وهو بيت القصيد، وهو يستهدف إعادة ترتيب البيت الفتحاوي، بمعنى إجراء مصالحات بين أبو مازن ومحمد دحلان وعودته والمفصولين إلى صفوف حركة فتح. والمسار الثاني بين حركتي فتح وحماس وبقية الفصائل المقطورة على الدوام بأيّ اتفاق مصالحة بين الطرفين، أما المسار الثالث فيتعلق بإعادة تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وعليه نضع علامات استفهام كبيرة!
خطة تفعيل وتحريك الملف الفلسطيني حدّدت أهدافها بكلّ وضوح، فإلى جانب توحيد فتح واستنهاضها، وتحقيق المصالحة الفلسطينية، هناك تحريك لما تسمّى بـ«عملية السلام» على أساس المبادرة العربية. وهنا يبرز السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا هذه الرباعية العربية اليوم؟ وما هي دوافعها وأهدافها الحقيقية؟ وهل استشعر العرب أنّ القضية اليوم باتت في خطر جدي ينبغي فعل شيء كي نحميها من السياسات الإجرامية «الإسرائيلية»؟ ولماذا الوعيد والتهديد في حال فشلت الخطة، ولم يطبقها رئيس السلطة؟ وهل اليوم صحت تلك الرباعية على أنّ القضية هي مسؤولية عربية من ثابت أنها قضية العرب المركزية؟
بتقديري أنّ الرباعية العربية هي الاسم الحركي لما سمّيت بدول الاعتدال العربي، مع تعديلات أدخلت عليها في ظلّ ما تشهده المنطقة، حيث استبعدت قطر. والرباعية اليوم انعكاس لواقع بائس يعيشه النظام الرسمي العربي وجامعة الدول العربية المُراد لها المزيد من التهميش وصولاً إلى شطبها. وبذلك تصبح تلك الرباعية البديل لتلك الجامعة ومن خارجها، على أنها هي قائدة للعمل العربي والوصيّ الشرعي والحصري على القضية الفلسطينية! تحسّباً منها وفي سباق مع الزمن والوقت الذي بدأت تتضح فيه ملامح الحلول السياسية للعديد من ملفات المنطقة، ومدخلها الحلّ السياسي في سورية، الذي قال عنه السفير الروسي في بيروت زاسبيكين: «نحن في الطريق لصنع مفتاح الحلّ في سورية».
لا أعتقد كما الكثيرين أنّ الدافع من وراء خطة الرباعية هو الحرص الشديد على القضية الفلسطينية وعناوينها الوطنية، وبالتالي ساء تلك الدول ما آلت إليه أوضاع الساحة الفلسطينية التي يصبغها الانقسام، وحالة التراجع المتسارع والتكلس الذي يصيب عروقها بحسب قول الأسير المناضل مروان البرغوثي. لذلك هي قررت التحرك لوقف الانهيار المحتمل للسلطة ولحركة فتح أولاً، وبالطريقة التي جاءت بها الخطة، التي تنتهي إذا ما سارت وفق المقرّر أو المخطط لا يهمّ، إلى تحريك عملية «السلام» وفق المبادرة العربية، وهذا جوهر الموضوع على اعتبار أنّ استمرار الصراع مع العدو ومن دون وجود حلّ للقضية الفلسطينية ولو على حسابها وأبنائها وأرضها ومقدساتها، لا يخدم كلّ الأطراف في المنطقة بل والعالم، وعليه لا بدّ من تسريع إيجاد الحلول لكي تتفرّغ دول الرباعية لما هو تمثله إيران من خطر يستهدف الأمن القومي العربي، من خلال مشروعها المتمدّد في المنطقة بحسب زعمهم الملك الأردني تحدث عن الهلال الشيعي ، وهو الذي تسلل إلى المنطقة تحت عناوين الوقوف الحازم إلى جانب القضية الفلسطينية ودعم مقاومة شعبها، ودخول الرباعية العربية مباشرة بهذا الزخم والقوة على الموضوع الفلسطيني بكلّ تشعّباته ومندرجاته، لربما يحدّ أولاً من التدخل الإيراني، تمهيداً لإنهائه مستقبلاً في ظلّ ترتيبات فلسطينية تأتي بقيادة ممسوكة أكثر من تلك القيادة الحالية وتحديداً السلطة الفلسطينية والمنظمة.
وبالتالي إنّ الحديث عن مصالحة فلسطينية بين فتح وحماس بعد توحيد البيت الفتحاوي، وإنْ كان في ظاهره إيجابياً ولكن وراء الأكمة ما وراءها. بمعنى أنه من دون تحقيق المصالحة كيف سيتحقق توحيد الضفة وقطاع غزة، وعين دول الرباعية العربية على سلاح المقاومة في القطاع من خلال ما أوردته الخطة بشكل واضح «توحيد الضفة والقطاع تحت سلطة واحدة، وسلاح شرعي واحد». وبذلك يتمّ صيد عصافير ثلاثة الأول حماس، ودول الرباعية جميعها تناصبها الكراهية على إخوانيتها، وسحب السلاح إذا ما تحقق ولن يتحقق بذلك الاستسهال الذي يمنّون أنفسهم به، لم يعد هناك مشروعية لحماس المقاومة، بل تتحوّل حماس بثقلها إلى شريك في التسوية القادمة على اعتبار أنها وإلى جانب فتح تمثلان الحوامل الأساسية في العمل الوطني الفلسطيني. والعصفور الثاني إيران التي ستفقد الورقة الأهمّ هي المقاومة الفلسطينية، وما تمثله من رافعة حضورها في المنطقة، وأما الثالث فهو حزب الله الذي سيفقد حيّزاً كبيراً من التعبئة التي عمل عليها خلال السنوات الطوال «زحفاً زحفاً نحو القدس»، وبالتالي يفقد الكثير من مبرّرات مشروعية أنه مقاومة، وبعضهم من سنوات يعمل عليها وخصوصاً في مرحلة تواجده وحضوره في سورية التي يرونها اليوم أنها فقدت قدرتها على التأثير نتيجة النيران التي أشعلتها بعض دول الرباعية داخلها.
ما أوردته الرباعية من تذيل لخطتها تضمّن التهديد والوعيد أنه «وفي حال لم يقم الفلسطينيون بما عليهم واستمرّوا في الانقسام على أنفسهم، ستضطر بعض الدول العربية لدراسة بدائلها الخاصة في التعاطي مع ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وستعتمد البدء بإجراءات ضاغطة على الأطراف المعطلة أياً كانت هذه الأطراف في كافة مراحل التنفيذ». هذه الخاتمة من الخطة تُدلل على النوايا المسبقة لدول الرباعية العربية في القول «اللهم قد بلغت» ولا يلومنا أحد إذا ما سرنا باتجاه تسريع خطوات التطبيع بعد تشييد العلاقات مع «إسرائيل» ومن بين الرباعية دولتان تقيمان علاقات معها، ودولتان تهرولان للتطبيع، ولربما العلاقات قادمة على الطريق.
عودة على ذي بدء، فإنّ «إسرائيل» المستفيد في كلا الحالتين، بمعنى أنه في حال التطبيق الحرفي لخطة الرباعية العربية، فهي ضمنت أنّ المفاوضات ستستأنف هذه المرة برعاية الرباعية العربية، وبالتالي سلاح المقاومة في غزة وضع على سكة التخلص منه ولو تدريجياً. وحال أنّ الخطة لم تجد طريقها للتطبيق، وأبو مازن لم يلتزم وهو حتى الآن يرفض، ولكن من دون الرهان على التمسك بمواقفه، خصوصاً أنّ بوادرها بدأت بتأجيل الانتخابات المحلية، التي قيل إنّ أطرافاً إقليمية مارست ضغوطاً من أجل تأجيلها. وهذا الرفض سيتيح لـ«إسرائيل» أن تتحرك براحة أكبر في التصعيد من سياساتها في الأراضي المحتلة من دون اعتراضات عربية وهي في الأساس لا تأثير لها. وبالتالي الاستمرار في حصار قطاع غزة، والتوجه إلى المجتمع الدولي والرأي العام في القول إنّ اتهامات السلطة والفلسطينيين ليست حقيقية، والدليل اسألوا دول الرباعية التي فشلت في لملمة الأوضاع الفتحاوية والفلسطينية، لأنّ أبو مازن يرفض العمل من أجل شعبه وقواه، فكيف سيكون شريكاً حقيقياً في إنجاز تسوية تاريخية معنا.