الحوار والميثاقية والبيضة والدجاجة!
إيمان شويخ
بعدما عوّل البعض على طاولة الحوار كخشبة خلاص للبلاد، يبدو أنّ هذه الخشبة تمّ كسرها وتنتظر الترميم، والسؤال المطروح مَن الكاسر ومَن المكسور؟ وأين ستتطاير شظايا هذا الكسر؟
منذ جلسة الحوار الأولى التي دعا إليها الرئيس نبيه بري، كان انتخاب رئيس الجمهورية الطبق الدسم الذي جمع الأطراف التي افترقت لفترات طويلة على مائدة واحدة، باستثناء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، لكن تلك الأطراف لم تتمكّن بعد أكثر من ثلاث ساعات ونصف الساعة من إحداث أيّ خرق في البند الأول أيّ بند رئاسة الجمهورية، فتمسّك كلّ طرف بموقفه وتفرّقوا مجدّداً، وحُدّد موعد ومواعيد جديدة للجلسة وصارت كتقليد أساسي لجلسات الحوار التي تنتظر أختاً جديدة ستلد ولادة قيصرية أو مشوّهة.
وإذا كان هدف الرئيس بري منذ عام وحتى اليوم رسم خارطة طريق لعبور الاستحقاق الرئاسي وتفعيل عمل التشريع وإخراج السلطة التنفيذية من التفكك، فإنّ الأطراف المتحاورة كانت تجتمع لغايات في نفس يعقوب، يظهرها التأجيل والتأجيل ومزيد من التأجيل.
وفي الوقت الذي شكك فيه رئيس تكتل التغيير والإصلاح الجنرال ميشال عون بشرعية المجلس وقانونيته وضرورة الرجوع إلى الشعب عبر انتخابات رئاسية منه بعد تعديل الدستور أو عبر قانون يقوم على النسبية، يطرح اليوم التيار موضوع الميثاقية كأساس لشرعية جلسات الحوار التي لم تنتج غير التعطيل إلا التعطيل نفسه وأكثر.
حزب الله الذي أعلن مرشحه للرئاسة الجنرال عون، قاطع جلسة الحكومة بعدما علّق الحوار بسبب ميثاقية باسيل، كما يسميها البعض، فالتيار الوطني الحر يعتبر أن الآخرين لا يعترفون بوجوده كمكوّن أساسي في السلطة، وهذا يخالف الميثاقية التي نشأت مع لبنان الكبير 1943 وتكرّست مع اتفاق الطائف، وينطلق التيار من مفهومه للميثاقية لربط مرور أي قرار يتصل بمنصب مسيحي رئيسي بموقفه كممثل يرى أنه الأقوى للمسيحيين فيربط حضوره للحكومة بصرف النظر عن التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، واستطراداً التمديد للواء محمد خير، فماذا لو مرّ الوقت بالمقاطعة وانقضت المهلة وتمّ الدخول في التمديد لهذين المنصبين، كيف سيصير موقف التيار من ترجمة الميثاقية؟ المزيد من المقاطعة؟ أليس الحوار في هذه الحالة هو الطريق الذي يضمن أضراراً أقلّ باعتباره غير قائم على التصويت بل على الإجماع وهي قمة الميثاقية، وعلى طاولة الحوار تناقش قواعد الميثاقية… أم سيصير مفعول الزمن كفيلاً بالتعايش مع الأمر الواقع، إذا كان من مصلحة التيار عدم التمديد لقائد الجيش حماية للميثاقية فكيف يقاطع الحوار الذي يضمّنها ويكرّسها باسمها، والمهلة ستنقضي في نهاية أيلول الحالي ويقع التمديد؟
هذه ليست سوى البداية، فتعليق الحوار تتويج لمقاطعة ما قبله، حيث إنّ الحكومة أكلت نصيبها من التعليق بدلاً من أن تفعّل وتزداد إنتاجيتها، فاضطر حزب الله للتضامن مع حليفه بمقاطعة جلسة الحكومة الأخيرة، كما أنّ وزراء الطاشناق وتيار المردة تضامنوا مع حزب الله فقاموا بالخطوة ذاتها، وهنا ضاعت الطاسة، فإذا كان الوزراء الذي يمثلون المرشحيْن المتناقضيْن يقاطعان جلسة الحكومة تضامناً مع عون، فهذا يعني أنّ الأمر في التضامن مع الحليف هو التضامن مع حليف الحليف، شريطة عدم الوقوع في شباك الرابع عشر من آذار، الذي يعترض بعض مكوناته على ميثاقية التيار ويعتبر أنّ الأخير يتصرّف بمزاجيته في طرح الميثاقية، والتي لم يقم الجنرال عون لها وزناً حين استقال الوزراء المسلمون من حكومته عام 1988، بينما يقول التيار إنه لا يفعل إلا أقلّ بكثير مما فعله تيار المستقبل يوم جرت تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة بطريقة ميثاقية ودستورية، وبقي المستقبل يتعامل بلغة الإسقاط مع حكومة ميقاتي حتى سقطت، لأنّ رئيسها لا يمثل غالبية نواب الطائفة التي تعود إليها رئاسة الحكومة…!
الأجوبة تبقى مبهمة، والحكومة التي تحوّلت جلستها الأخيرة إلى جلسة مشاورات تقول بصمت إنها بغياب العونيين وحزب الله لا يمكنها مناقشة أيّ بند بالرغم من توافر النصاب، فتعترف باقي مكونات الحكومة بميثاقية الأمر الواقع وهي ترفضها… وإذا كان التيار يهدّد بالنزول إلى الشارع، فماذا بعد التصعيد؟ ومَن يوقف الدائرة المفرغة من الدوران لتقف عند نقطة الصفر، ليظهر أنّ الطريق الوحيد الممكن هو الحوار الذي ما كان ينبغي كسر طاولته واستعمال قوائمها لحمل يافطات الميثاقية لأنهم سيحتاجونها في مناقشة وتطبيق الميثاقية.
إنها حكاية لبنانية تقليدية… أيهما قبل الآخر الحوار ام الميثاقية… البيضة أم الدجاجة؟