أنقرة تستظلّ قانون الطوارئ للقضاء على «حزب العمال الكردستاني»
د. هدى رزق
عندما عقد الرئيس رجب طيب أردوغان، إثر محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز، اجتماعات متتالية مع مجلس الوزراء ومجلس الأمن القومي، طالباً فرض حالة الطوارئ على الصعيد الوطني، قال إنّ حالة الطوارئ تعطي الحكومة حق تنظيم وتقييد الحريات التي تهدف إلى «القضاء على الانقلابيين».
لكن بعد شهرين من الانقلاب، بدأت بعض التدابير المتخذة تزيد من تعقيد الوضع، فبعد إقالة أكثر من 51 ألف موظف من القطاع العام، ما تزال الحكومة تقوم بمطاردة أنصار فتح الله غولن. ووفقاً لوسائل الإعلام، فإنّ 40 ألفاً آخرين وضعوا في فئة «رمادية»، أيّ بانتظار الإقالة، لأنّ هناك مستندات توضح أنهم من المشتبه بهم.
يتمّ نشر أسماء الأشخاص الذين فصلوا في «الجريدة الرسمية»، ليراها الجميع. وهكذا، تنعدم فرصهم في التوظيف حتى في القطاع الخاص. أما أولئك الذين طلبوا التقاعد، فقد رفضت طلباتهم. ما يجري يشبه ما جرى في الولايات المتحدة، في خمسينات القرن الماضي «زمن المكارثية»، حين قامت حملة ضدّ كل من يُتهم بأنه شيوعي. وشاع الانتقام الشخصي من أشخاص لا ذنب لهم، لكن بسبب العداء الشخصي والتنافس.
المشكلة أنّ الحكومة، من خلال إقالة وفصل هؤلاء، تجعل حياة مئات الآلاف من الأسر عدمية، لا سيما أن قسماً كبيراً منهم، طرد من دون أيّ محاكمات وإدانات؟ تحاول أنقرة الاستفادة من سلطاتها الجديدة، بموجب قانون الطوارئ، فالوضع الحالي لا يتطلب رقابة تشريعية. وفيما انتقدت نائبة ومسؤولة في «حزب الشعب الجمهوري» الحزب الحاكم، بسبب تعتيمه على الأسباب الحقيقية لمحاولة الانقلاب الفاشل، دانت تصرفاته وإيحاءاته وكأنه لم يكن السبب المباشر في هذا الانقلاب، من جراء سياسة مارسها خلال 14 عاماً من حكمه. بينما هو اليوم، يدعو إلى وحدة وهمية وتغييرات هيكلية، من دون أيّ نقد ذاتي. وانتقدت هدف «حزب العدالة والتنمية» من هذه السياسة، الذي تمثل بضرب العلمانية وإضعافها، بعد تسليم الدولة للجماعات الدينية، محاولاً إسقاط المؤسسات الديمقراطية، تعطيل التوازنات، إضعاف السلطة البرلمانية وجعل القضاء أداة من أدوات السلطة الحكومية، ما مهّد الطريق للانقلاب. مؤكدة أنّ الوحدة الاجتماعية، ينبغي أن تستند إلى العلمانية والحرية والقانون والديمقراطية. وانتقدت إيحاء الحكومة بانّ وراء محاولة الانقلاب، مشكلة بين السياسيين والعسكريين، كون هذا الإيحاء، يساعد في إضفاء الشرعية على تدمير حرية الصحافة وحرية التعبير، باسم مقاومة الانقلابيين.
تزداد المشكلة تعقيداً، فهناك الكثيرون الذي فقدوا وظائفهم بسبب وشايات كاذبة، منهم علمانيون أو غير منتمين إلى أيّ تنظيم أو جماعة.
تحاول الحكومة، من خلال سياستها هذه، بعد نجاح تدابيرها القانونية ضدّ الغولينيين، اعتماد الأسلوب نفسه ضدّ المناطق الكردية، من خلال عمليتين عسكرية ومدنية، للقضاء على «حزب العمال الكردستاني».
كان لسخرية رئيس الوزراء بن علي يلدريم، من موضوع حلّ المسألة الكردية، أثناء زيارته ديار بكر في 4 أيلول، معنى واضحاً، فهو صرّح بأنّ الحكومة ستتبع الأساليب التي ستؤدّي الى القضاء على «حزب العمال الكردستاني» ومؤيديه، ليس فقط في المجال العسكري، لكن أيضاً، في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
أنقرة مصمّمة في حربها مع «العمال الكردستاني» على اتباع الاستراتيجية العسكرية التالية: «البحث والتدمير من دون انقطاع».
سيتمّ عبرها استعمال تقنيات وخطط عسكرية جديدة، كذلك الاستعانة «بحراس القرى»، الذين تدعمهم الحكومة. وهم من الأكراد الموالين لها، الذين جرى تسليحهم في ظلّ حالة الطوارئ. وعددهم نحو 90.000 ألفاً وهم من أبناء المناطق الريفية، حيث سينتشرون في المقاطعات الرئيسية وفي جميع أنحاء مناطق الجنوب الشرقي.
أما في البلدات، فستتمّ زيادة عدد فرق العمليات الخاصة من الشرطة والدرك، وتركيزهم في النقاط الأساسية. كما سيتمّ تجنيد عشرة آلاف شخص جديد، وتدريبهم حسب قول وزير الداخلية الحالي. كذلك، سيتمّ تجنيد أفراد شرطة جددا، من دون العودة إلى الشروط القانونية في التجنيد، التي كانت متبعة قبل قانون الطوارئ وتثبيت نظام «حرس الأحياء في المدن، وتسليح الشباب الأكراد الموالين للحكومة في أحياء المدن الهامة»، وهم مشابهون لحراس القرى.
أما على الصعيد السياسي، فقد بدأت الإجراءات القانونية ضدّ نواب «حزب الشعوب الديمقراطي»، وقسم من الذين لديهم صلات مباشرة مع «حزب العمال الكردستاني». وتمّ ـ من خلال مرسوم حالة الطوارئ ـ عزل 24 من رؤساء البلديات المنتخبين، وهم من «حزب الشعوب الديمقراطي»، واستعيض عنهم بأشخاص معينين من قبل الحكومة. وهذه المناطق هي من سور وسيلفان، في مقاطعة ديار بكر ونصيبين، بمقاطعة ماردين وجزري وسيلوبي، في مقاطعة شيرناق، التي كانت مسرحاً للاشتباكات العنيفة منذ تموز عام 2015.
ورداً على الإقالات، حرّض صلاح الدين ديميرتاش الأكراد على عدم إطاعة «الأمناء» الذين عيّنتهم الحكومة، أو تنفيذ أوامرهم. وقال، إنّ أردوغان يبشر الأكراد بالدكتاتورية، لذلك، لا بدّ من المواجهة. وانّ هذا الإجراء هو إجراء تعسّفي غير مشروع، سوف يعمّق المشاكل القائمة في المدن الكردية، ويجعل الحلّ غير ممكن.
سعت الحكومة التركية إلى الضغط على المجتمع المدني، وملاحقة الشركات الخاصة التي تدفع الأموال لـ«حزب العمال الكردستاني». كذلك، إقالة موظفي الخدمة المدنية الذين تعتبرهم متعاطفين مع الحزب المذكور، تماماً، كما فعلت مع الآلاف من أنصار غولين، إذ جرى إيقاف حوالى 11 ألفا من المعلمين، واتهامهم بالعلاقة مع «حزب العمال الكردستاني»، ومن المقدّر أن يزداد العدد إلى 14 ألفا.
يعتقد المحللون أنّ قانون الطوارئ سوف يستمرّ حتى إجراء انتخابات مبكرة، أو إجراء الاستفتاء على النظام الرئاسي، الذي يأمل أردوغان بإضفاء الطابع الرسمي عليه، مع إجراء تعديل دستوري. إذا كان هدف الرئيس التركي توحيد البلاد ضدّ المطالبين بحكم ذاتي، فهذه الممارسة، إضافة إلى ما جرى منذ تموز 2015، من معارك وتدمير، ستؤول إلى تهديد وحدة البلاد، بعدما جرى ضرب النسيج الاجتماعي. عدا عن أنّ الخطة العسكرية سوف تضع القوات الكردية الموالية للحكومة، في عين العاصفة، مما سيجعلها تتراجع أمام الصراع الكردي الكردي، الذي بدا حيث جرى تصفية أحد الاكراد من الحرس الموالين للحكومة.
أما على الصعيد الإقليمي، فإنّ قيام أنقرة بتعزيز علاقاتها مع «الحكومة الكردية» في شمال العراق، والتعاون بصورة أوثق، مع إيران، حول أمن الحدود الايرانية التركية، لمنع «حزب العمال» من التسلل، والحدود التركية – السورية من أجل تقويض سيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي» في شمال سورية، وهي تعتبر أنه يمكنها بذلك، القضاء على «حزب العمال الكردستاني» في الداخل وامتداداته في الخارج.
قد لا يكون من السهل تغيير قواعد اللعبة مع منظمة مثل «حزب العمال الكردستاني»، الذي اكتسب الشرعية والخبرة بسبب حربه ضدّ «الدولة الإسلامية ـ داعش».
«حزب العمال الكردستاني» ليس جيشاً رسمياً، بل هو جيش غير نظامي، فهل يمكن لأنقرة أن تدخل حرباً طويلة الامد لاستئصاله؟