التفاهم الأميركي – الروسي حاجة «أوروبية غربية»
روزانا رمَّال
الحديث عن الاتفاق الإطار الذي جمع روسيا والولايات المتحدة حول سورية كمقدمة لفتح باب العملية السياسية فيها فيما لو نجح لا يحتمل اختبار نتائج التفاهم قبل العودة الى خلفياته فأي نتيجة بعيدة عن هذا السياق تعني تجاهل كل ما تراكم خلال ست سنوات من عمر الربيع العربي وليس فقط سورية.
يحمل ربط الاتفاق بالحدث السوري حصرياً لغطاً أساسياً يأخذ كل المعنيين بمراقبة الهدنة، خصوصاً من يتوقع «الأسوأ» لها نحو اعتبارها فاشلة سلفاً، وهذا صحيح فيما لو كان الربط بسورية وحده او حصرا هو الذي يجمع واشنطن وموسكو من دون عوامل متبقية أنتجته وهي مفصلية بالقدر الذي كان ممكناً ان تتضاءل امكانية التوصل اليه لولا الانجاز الكبير للجيش السوري مع حلفائه الذين شاركوه الحرب الميدانية مثل حزب الله وقوات ايرانية مع الغطاء الروسي «الجوي» المحدد المهمة.
اتفاق الهدنة الأميركي الروسي هو حصيلة تراكمات سنوات من المواجهات الأميركية والروسية وهو يشكل المسلك السياسي العام للمنطقة، والطريق الثابت الذي ستسلكه الأزمة السورية في الاشهر المقبلة، ففي وقت كانت لروسيا خيارات مغايرة في سورية بعدما جرى في ليبيا وعزوفها عن استخدام الفيتو هناك ما مهّد لدخول الغرب اليها وقوات حلف شمال الاطلسي مقابل استخدامه لحماية سورية فكانت الاخفاقات الأميركية تتواصل عبر حلفائها الذين اخذوا على عاتقهم أخونة المنطقة أولاً وضرب محور إيران سورية حزب الله ثانياً، فكان أن خسرت تركيا فرصتها بالاستحكام بملفات المنطقة بعد عجزها عن اسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وبالتالي عجز حكم حزب العدالة والتنمية عن نشر الفكر الاخواني في أقرب دولة له ما أفقده القدرة على الامتداد تلقائياً في مصر وتونس التي لم تعد مادة مغرية بسقوط الجغرافية السياسية التي يدعمه فيها موقع سورية.
بدأت واشنطن بالإعداد للتفاهمات مع روسيا بالمنطقة في إطار الاعتراف بمصالحها فيها وبمصالح حلفائها منذ لحظة تقديم الاتفاق النووي الايراني كمنطلق لهذا كان فيه لاول مرة اول تواصل أميركي – ايراني مباشر بعد الثورة جسدته لقاءات وزير خارجية أميركا جون كيري ووزير خارجية ايران محمد جواد ظريف ما جعل التوصل لاتفاق مشترك ايضا بين الأميركيين والروس حول سورية تحصيل حاصل عندما نضجت ظروفه مقارنة بخطورة الملف النووي الإيراني بالنسبة لإسرائيل الذي يحظى بأهمية مبدئية وقد حاربت لأجل عدم توقيعه لسنوات طويلة وتابعت ملف العقوبات بشكل دقيق على طهران.
السعودية التي تسعى الى الهيمنة في الخليج وجدت نفسها ايضا بعد هذا الاتفاق دولة عادية او اقل بعد تفوق السلاح الايراني بالخليج والانفتاح الغربي على إيران.
تحمل الهدنة أبعاداً تجعل منها حاجة غربية أميركية وأوروبية على حد سواء وتجعل من مبدأ الشراكة مع روسيا الحدث الاول يأتي بعده الحديث عن شكل الهدنة في سورية، فمجرد توصل الأميركيين لهذه القناعة مع العدو الروسي التاريخي «اللدود» يعني أن «أموراً كثيرة تغيّرت في واشنطن» وهي التي كانت ترفض «مبدأ» المشاركة مع روسيا.
كسرت روسيا الفكرة الأميركية بإمكانية التعرض لنظامها ومصالحها بعد الاستدارة التي شكلتها الحرب الليبية بموقف موسكو وبعد أن جرّبت ردود الفعل الروسية العنيفة نوعاً ما والجريئة الحاسمة في مسألة أوكرانيا وشبه جزيرة القرم وقبلها في جورجيا وبعدها في سورية.
القوة الروسية أو «استخدام القوة» كردّ فعل حازم بوجه الأميركيين رسالة تلقتها واشنطن أدّت الى انكشاف ثبات الموقف الروسي، والأهمّ من هذا انكشاف النيات الروسية بالعزم على خوض المعركة حتى آخر الطريق بكل المفاجآت الممكنة.
السعودية التي دخلت الحرب اليمنية لنثر الغبار على توقيع الاتفاق النووي الإيراني من جهة، وللتأثير على خط الحرب السورية وإحراج إيران وإحداث فوارق ميدانية تجد نفسها اليوم متورطة بالحرب اليمنية.
دولة حزب العدالة والتنمية في تركيا بسبب سياساتها الخارجية لم تعد قادرة على الاستمرار بالزخم نفسه الذي كان ببداية الأزمة السورية لا بالدور ولا بالهدف ولا بعد وضوح الثبات الروسي الذي لم يخضع لأيّ شكل من اشكال الابتزاز وحتى الاستدراجات الدولية للتخلي عن سورية ونظامها وهي باتت تجد في الحلّ عبر التسوية السورية مخرجاً لبقاً قادراً على ضمّها لسلة التسويات.
تركيا بدورها التي تعرّضت لانقلاب هزّها بتنفيذه، خصوصاً انّ هاجس الدولة الكردية بات الهمّ الاساسي على صعيد السياسة الخارجية وحماية النظام من اي انقلاب آخر على صعيد السياسة المحلية.
بريطانيا بدورها التي خرجت من الاتحاد الاوروبي احدثت زلزالاً في صفوف القوى الغربية المنضمة لحلف الناتو فصارت دولتان محوريتان مثل تركيا وبريطانيا «مكبّلتين» خارج القدرة على التحرك في ظل أوضاع داخلية معقدة وشائكة.
تأتي إنجازات الجيش السوري والتقدّم السريع في مقابل انهيار العناصر «الدول» التي تقاتل بواسطتها أميركا جعل التفاهم حاجة أميركية غربية غير قابل للسقوط رغم امكانية «التشويش»، فبسقوطه تخسر واشنطن تقاسم الحلّ بعدما لوّحت دمشق مع حلفائها، خصوصاً موسكو، قدرتها على الانتصار في معركة الارهاب التي تقلق اوروبا دون دور أميركي. وبهذا المنطق خضعت واشنطن للتصنيفات الروسية للارهاب واعلنت النصرة فصيلاً إرهابياً فتوحدت القدرة على الشراكة الميدانية مستقبلاً «فنجاح» الهدنة.