توبة متأخرة
طالب صربيّ اسمه غافريلو برينسيب، رفضت مجموعات عسكرية صربية أن ينتمي إليها لقُصر قامته. فأراد أن يُثبت شجاعته، فأقدم في السنة نفسها على اغتيال وليّ عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فيردناند وزوجته أثناء زيارتهما سراييفو الصربية في 28 حزيران عام 1914. فكانت النتيجة أن:
النمسا أعلنت الحرب على صربيا.
غضبت روسيا على النمسا.
فغضبت ألمانيا على روسيا.
فغضبت فرنسا على ألمانيا.
فذهبت ألمانيا لتحارب فرنسا، ودخلت أراضي بلجيكا.
فغضبت بلجيكا وبريطانيا على ألمانيا.
فغضبت الدولة العثمانية لهجومهم على ألمانيا.
فغضبت أميركا وإيطاليا واليونان ورومانيا والبرتغال على العثمانيين.
فاندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914 التي راح ضحيتها أكثر من 16 مليون قتيل، وثمانية ملايين مفقود، وعشرين مليون جريح.
لم يتوقف برينسيب لحظةً للتفكير بعواقب ما يفعله. كلّ ما أراده إثباتَ رجولته، وأن قُصر قامته لا يجعله أقلّ فعلاً ومقدرةً من غيره. وأقدم على فعلته التي جرّت وراءها ملايين الضحايا والمفقودين والمشرّدين والجرحى.
تماماً كما فعل كثيرون من الذين يُسمّون أنفسهم «سوريين»، حين أطلقوا الشرارة الأولى للحرب على سورية. من بقي منهم حيّاً اليوم، وفي سورية، نراه على الشاشات نادماً، ساعياً إلى المصالحة والعودة. وكأن ذلك سيغفر لهم سواد قلوبهم وما اقترفت أيديهم من جرائم. نراهم يهتفون لسورية التي دمّروها بغبائهم وحقدهم، بعدما اكتشفوا متأخّرين أنهم باعوا أنفسهم للشياطين مقابل حفنة من المال، وبعدما انتهى دورهم، تركوهم لمصيرهم.
هذا العرض السخيف الهزلي للخارجين من مناطقهم بعد التسويات لا يثير سوى الاشمئزاز والقرف. ويؤكد أنهم أهل نفاق لا يؤتمن جانبهم. فبعد كلّ ما فعلوه يريدون منّا أن نصدّق أن الوطن لديهم وفي عقولهم أغلى من كلّ شيء وهم الذين باعوه ورقصوا فوق خرابه. يريدون أن نصدّق توبتهم وهم الذين مزّقوه وشرّدوا أهله وجعلوه مرتعاً للخنازير.
لا تحتاج الحرب إلا لحفنة من الأغبياء ليشعلوها. ولا تحتاج الشرور إلا إلى حفنة من الشياطين الحاقدين لينشروها. وقد اجتمع الغباء والحقد والتطرف بهدف إحراق سورية وإغراقها بالدماء. ونحن ندفع اليوم ثمن غبائهم وتطرّفهم دماً وأرواحاً.
لا يهمّ فعلياً حجم الدمار. فهذا مقدور على إعادة بنائه. ولكن من سيعيد لنا أحبتنا وسلام أرواحنا؟ ومن سيعيد بناء الإنسان؟ وكيف سنتخلص من كلّ هذه الأفكار المسمومة التي نشروها؟ وكم سنبقى ندفع ثمن غبائهم؟
صباح سورية عصيّة على التقسيم… صباح دماء الشهداء التي وحّدتها إلى أبد الآبدين… صباح الجيش السوري الأسطوري.
وفاء حسن