روسيا «تنوب» عن سورية في الجولان و«النصرة» عن أميركا في حلب وإدلب؟
د. عصام نعمان
أميركا وروسيا اتفقتا على إعلان «هدنة مؤقتة» في سورية. هدنة للتهدئة لا للتسوية. غاية الهدنة إيصال المساعدات الإنسانية الى السكان المدنيين. هي، إذاً، لا تشمل الإرهابيين. الحرب على هؤلاء ستستمرّ بالتنسيق بين واشنطن وموسكو.
مَن هم الإرهابيون؟ إنهم «داعش» و«النصرة» التي تلقّب نفسها «فتح الشام» وحلفاؤهما.
مَن هم الحلفاء؟ إنهم أطراف «المعارضة السورية المعتدلة» الذين لم يفكّوا ارتباطهم بالتنظيمين الإرهابيين.
معظم الأطراف «المعتدلة» أيّدت الهدنة وإنْ كانت اعترضت على ضرب أطرافٍ منها ما زالت تقاتل سورية وجيشها. هؤلاء يتباطأون في فك الارتباط. يتذرّعون بوجود تداخل متعدّد الوجوه مع «النصرة» يصعب التملّص منه.
موسكو ترفض هذه الذريعة. تعتقد انّ واشنطن ليست جادّة في فصل «المعتدلين» عن «النصرة». ما زال لـِ «النصرة» وحلفائها دور في المخطط الأميركي لمقاتلة الحكم في سورية بقصد إضعافه. تلتقي ضمنياً في هذا المجال مع دمشق التي تتهم واشنطن وتل أبيب باستهداف وحدة سورية السياسية والجغرافية. الدليل؟ سماح «إسرائيل» لـِ «النصرة « بالسيطرة على مناطق في الجولان السوري محاذية للقسم المحتلّ منه، ونقل المئات من مقاتليها الجرحى الى مستشفياتها للمعالجة والرعاية فضلاً عن مساندة «النصرة» بين الفينة والفينة بقصف مواقع الجيش السوري وقواته في الجوار.
مع اتفاق أميركا وروسيا على إعلان «هدنة مؤقتة»، اتخذت مساندة «إسرائيل» لـِ «النصرة» شكلاً مباشراً وفاقعاً: قصف شديد لمواقع مدفعية متقدّمة للجيش السوري في منطقة القنيطرة مقرون بطلعات استكشافية وإسنادية للمقاتلات الإسرائيلية في سماء الجنوب السوري.
دمشق كانت، على ما يبدو، تتوقع تحرّشاً «إسرائيلياً» وشيكاً وعلى استعداد لمواجهته، فأمرت دفاعاتها الجوية بالردّ، وكان ان أسقطت مقاتلة «إسرائيلية» من طراز اف -16 وطائرة استطلاع من دون طيار.
صحيح أنّ «إسرائيل» أنكرت إسقاط الطائرتين، لكنها لم تنكر واقعة التصدّي السوري الفوري للعربدة الجوية الصهيونية. وسائل الإعلام «الإسرائيلية» سارعت الى إبراز الدلالة الاستراتيجية للمواجهة. أجمعت على أنها تحوّلٌ بارز وانّ دمشق باتت مستعدة لردّ الكيل كيلين، وانها ما كانت لتفعل ما فعلت لولا مساندة مسبقة من حليفيها الروسي والإيراني.
موسكو قطعت الشك باليقين. وزير خارجيتها سيرغي لافروف سارع الى الإعلان بأنّ «النصرة» في الجولان ليست مشمولة باتفاق الهدنة، وأنّ من حق دمشق ضربها. أكثر من ذلك، تبرّم من تهاون واشنطن مع «النصرة» وتلكئها في حمل حلفائها على الانفصال عنها، ولوّح بكشف مضمون الاتفاقات المعقودة مع واشنطن في هذا السياق.
كلّ هذه الواقعات هدّدت، ظاهراً، اتفاق «الهدنة المؤقتة» بانهيارٍ مبكّر. لكن أوساط أهل القرار في موسكو ودمشق استبعدت ذلك. أسرّت الى مقرَّبين بأنّ اتفاق الدولتين العظميين، وإنْ كان لا يضمن نهاية وشيكة للقتال واستئنافاً مبكّراً للمفاوضات بين الأطراف المتحاربة، حكماً ومعارضة، إلاّ انه ينطوي على إجراءات سيجري تطبيقها مباشرةً او مداورةً لاحتواء الصراع الدموي الطويل والإعداد التدريجي لمحاصرته تمهيداً لاجتراح تسوية سياسية. في هذا السياق، تُمكن الاشارة الى الإجراءات الآتية:
ـ التخفيف من نشاط سلاح الجو السوري في منطقتي حلب وإدلب لتشجيع فصائل «المعارضة المعتدلة» على الانفصال عن «النصرة»، مع الحرص على التشدّد في مقاتلة «داعش» و«النصرة» بريّاً للحؤول دون استغلالهما الهدنة لإعادة هيكلة قواتهما او محاولة استعادة ما خسرته من مواقع ومناطق.
ـ عدم إحراج واشنطن بمطالبتها بالتنسيق مع موسكو لضرب مواقع «النصرة» في منطقتي حلب وإدلب كي يبقى لها نفوذ وتأثير لدى فصائل «المعارضة المعتدلة» التي تشعر بأنّ واشنطن «باعتها» في صفقة تفاهمها مع موسكو.
ـ تكليف سلاح الجو الروسي الإنابة عن سلاح الجو السوري في ضرب «النصرة» وحلفائها في منطقة الجولان والحؤول تالياً دون قيامها، بدعمٍ من «إسرائيل»، بمحاولة التمدّد في محافظتي درعا والسويداء. إنّ من شأن هذا الإجراء لجم «إسرائيل» التي لن تتهوّر بالتصدّي للمقاتلات والقاذفات الروسية.
ـ محاولة حصر عملية إنهاء وجود «داعش» في الرقة بأميركا وروسيا بعيداً من دمشق، وذلك لتفادي تعزيز مركزها السياسي في المفاوضات التي ستجري في قابل الأيام.
ـ التركيز على عمليات إيصال المساعدات الإنسانية الى المناطق المحاصرة، وتمكين المنظمات الإنسانية من الوصول إليها لنقل الجرحى والمرضى الى المشافي والمناطق الآمنة.
ليس هناك مَن وما يضمن نجاح الإجراءات السالفة الذكر، ذلك أنّ بعض الأطراف المحاربة ما زال مقتنعاً بأنّ السبيل الأفعل لتحقيق الأهداف هو في استمرار القتال لتحقيق انتصار يعزز مركزه السياسي في المفاوضات اللاحقة. هذا من شأنه إطالة أمد الحرب واستنزاف الأطراف المتحاربة بشرياً ومادياً وعمرانياً.
باختصار، ما مِن نور يلوح بعد في نهاية نفق الأزمة المستعصية ذات الأبعاد الإقليمية المتعدّدة والمترابطة في حسابات كبار اللاعبين.