هل تأخذ القاهرة دور أنقرة ـ الدوحة 2005 في الملف السوري؟
عامر نعيم الياس
قبيل عام 2010، قاد وزير الخارجية التركي حينذاك أحمد داود أوغلو، السياسة الخارجية لتركيا وفقاً لقاعدة «صفر مشاكل». تصالحت تركيا بموجبها مع دول جوارها وتقرّبت من الشرق عبر البوابة السورية. التحقت قطر على الدوام بالركب التركي على الصعيد الإقليمي، لم يكن من السهولة بمكان التفريق بين الموقفين التركي والقطري، فاحتواء سورية، أو بعنى آخر التقارب إلى حدّ التطابق مع محور المقاومة والممانعة كان السمة الأبرز التي دفعت بعض المراقبين إلى التفريق في ما بين مصر مبارك والسعودية حينذاك، كونهما رأس محور الاعتدال، وبين تركيا أردوغان وقطر الحمدين باعتبارهما الأقرب إلى المحور المقاوم، فهل كان هذا الفرز صائباً؟
بدايةً، الافتراق كانت مع الربيع الأميركي في المنطقة وبدأ الإسلام السياسي بالصعود في تونس وبعدئذٍ في مصر، هذه الأخيرة كانت الحد الفاصل في كشف الغطاء عن المشروع الحقيقي وإزالة الأقنعة عن ذلك الإسلامي المحافظ في تركيا وحليفه القطري، بدأت الأحداث في سورية وانقلبت أنقرة والدوحة «حلفاء» دمشق والمحور الذي تنتمي إليه عليهما، صارت الحرب على سورية وخياراتها، إسقاط الدولة السورية وخياراتها الوطنية ودورها ضمن المنظومة الإقليمية التي تنتمي إليها، وعند هذه النقطة عادت صورة المشهد السابق إلى الذاكرة وربطاً مع الصورة التي تبلورت في عام 2012، أصبح بإمكاننا القول إن المعادلة الأميركية في المنطقة تقوم على التالي: محور الاعتدال وفي قلبه الكيان الصهيوني، يتألف من الممالك العربية والإمارات كافة مضافاً إليها مصر وتركيا وتونس، وضمن هذا المحور يوجد جناحان الأول قطري ـ تركي، والآخر مصري سعودي، عاد اليوم إلى الواجهة بعد سقوط الإخوان في مصر، إذ يتصارع هذان الجناحان تحت سقف الاستراتيجية الأميركية في المنطقة والخطوط الحمراء الخاصة أولاً، بعدم التشويش على وضعية الكيان الصهيوني، وثانياً، الحرص على اللعب ضمن حدود الرقعة الجغرافية للفوضى التي صاغها المفكرون الاستراتيجيون الأميركيون، وثالثاً، عدم استهداف الاستقرار الداخلي للدول المنضوية في المحور الأميركي. لكن هذا الصراع يخضع للضبط على ساعة المصالح الأميركية، بمعنى، من الممكن في لحظة تأزم في السياسة الأميركية أن يُؤمّن المخرج لواشنطن عبر أحد أجنحة سياستها وترك الآخر على نهجه ضماناً لعدم التأثير على صورة واشنطن ومكانتها على الصعيد الدولي. هنا تبقى سورية المثال الواضح على ذلك سواء في عام 2005 أو في اللحظة الراهنة، ولكن مع تبادل أدوار بين الأجنحة المنضوية ضمن محور «الاعتدال» في المنطقة، ففي عام 2005 تم التقارب التركي القطري مع القيادة السياسية في سورية وكان الهدف البدء بتطويع الدولة في سورية واحتوائها بما يخفف من اندفاعة المحور المقاوم ويساعد في بلورة تفاهمات الحد الأدنى التي تضمن للسياسة والأدوات الأميركية في المنطقة البقاء وممارسة دورها الوظيفي، مقابل الدفع بالازدهار والاستقرار في المنطقة إلى حدود مناسبة.
هو احتواءٌ بانتظار إما حدوث تغيير في المحور المقاوم، أو نضوج الظروف المناسبة للانقلاب عليه، رجّح الخيار الثاني في عام 2010 وبدأ الانقلاب، لكن صمود سورية ساهم إلى حدٍّ كبير في ضرب مشروع الإسلام السياسي وعادت مصر إلى ممارسة دورها في المنطقة، تلقفت السعودية العودة المصرية وعاد التوازن إلى أقطاب المحور المعتدل. وفي هذا التوقيت، ظهر «داعش» الذي قلب الطاولة على رأس الجميع وخلط الأوراق في المنطقة، ما فرض عودة أميركية إلى قيادة الحرب على «داعش» في سورية والعراق من الصفوف الأمامية، وهو ما طرح سيناريو «التعامل مع الأسد» إلى الواجهة.
وعلى رغم إصرار الإدارة الأميركية العلني على تجاهل هذا السيناريو، وتأكيد المتحدثة باسم البيت الأبيض على عدم التعامل مع الأسد، إلا أن المؤشرات تتجه عكس ذلك بدءاً من اجتماع وزراء الخارجية العرب في جدة من دون الخروج ببيان يستهدف سورية وقيادتها، مروراً بزيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني إلى السعودية بعد الاجتماع الذي جرى بين وزراء الخارجية العرب، وليس انتهاءً بتصريحات سامح شكري وزير الخارجية المصري الذي دعا إلى العمل مع جميع أطراف الأزمة السياسية في سورية ضمن إطار سياسي. تصريحٌ يعكس إلى جانب تغيّر الموقف المصري من الدولة السورية ومن الأزمة برمتها، وجود بوادر لإعادة تجربة السيناريو القطري التركي مع سورية في عام 2005، سيناريو دخلت اليوم طهران على خط الدفع به، حين قال مستشار الإمام الخامنئي، علي ولايتي، خلال استقباله وفداً إعلامياً مصرياً: «لولا دعم مصر وصمود المقاومين لما تحقق انتصار غزّة… لا أحد بإمكانه أن يأخذ مكان مصر»، هو غزلٌ مبني على معطيات صارت على طاولة أقطاب الأزمة في سورية. فالقاهرة اليوم تلتقي وطهران وبإمكانها تليين موقف الرياض حول سورية، فهل يتم إنضاج دور مصر السيسي لبلورة المخرج المناسب لكافة الأطراف المنضوية في الأزمة السورية بالتوازي مع الحرب الأميركية على تنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق وسورية؟
كاتب سوري