لبيروت مسرحها وروحها… ونبضها الدفّاق الخلّاق أبداً خُمس قرن على تأسيس «المدينة» صرحاً يشعّ ثقافةً وفنّاً ومقاومةً وجمالاً

لعلّه من المحتّم، أن يحسدنا أولادنا وأحفادنا وكلّ من يحيا بعدهم، لأننا عشنا في زمنٍ، كانت نضال الأشقر نجمته السطّاعة الوهّاجة.

وليس غريباً البتّة، أن يحسد أصدقاء لنا من بلدان عربية وأجنبية عدّة، لبنان، كونه البلد الذي فيه وُلدت نضال الأشقر، وترعرعت وناضلت وكافحت، ومنه انطلقت إلى العالم، أليسارَ جديدةً، تضوع فنّاً راقياً، ومسرحاً متقناً.

الصلبة أبداً، المقاوِمة بامتياز، المثقّفة النابغة التي نهلت من معين هذه البلاد الخصبة وتاريخها الثقافي العريق، كلّ فنّ وخير وفلسفة وجمال.

المخرجة اللامعة، والممثلة الألمعية، التي لا تساوم في الفن كعدم مساومتها إزاء أيّ قضية تخصّ الوطن، تحتفل بعد غدٍ، ومعها كلّ من أحبها من ممثلين ومبدعين ومخرجين ومثقفين، قدامى ومخضرمين وشباباً، بمرور عشرين سنة على تأسيس مسرح المدينة، هذا الصرح الثقافيّ الذي احتضن كثيرين، وعلى خشبته قُدّمت أعرق المسرحيات والمهرجانات، والذي كان شاهداً على تكريم الكبار في شتّى ميادين الحياة.

هذا المسرح الذي اختصر بيروت، اختزل المدينة، يضيء بعد غدٍ شمعته الحادية والعشرين، ليعلن على الملأ أنّه باقٍ رغم كلّ ما يواجهه من صعاب، ورغم كلّ ما يعترض الفنّ الراقي في لبنان عموماً، من إهمالٍ رسميّ وإسفافٍ على مستوى الدولة، ورغم هجمة العولمة التي تريد أن تمحي كلّ ما يخصّ الهوية. ورغم كلّ هذا الضجيج النشاز الصخّاب عبر الإعلام، إن كان على مستوى الغناء أو الدراما، أو السينما. رغم ذلك كلّه، مسرح المدينة باق ومستمر، وسيجد له متّسعاً من المساحة على لوح المجد، ليُكتَب اسمه هناك بحروفٍ من ذهب ونور.

لنضال الأشقر المناضلة الحقّة نحني الهامات، ونوجّه كثيف التحيات. ولمسرح المدينة بجنوده المجهولين الكثر، من فنّيي إضاءة وصوت، وكافيتريا وفريق عمل، لهؤلاء الذين رافقوا نضال الأشقر في رحلة نضالها منذ عقدين، وشبّوا وتعبوا وكدّوا وواجهوا ضمن أروقة هذا الصرح العريق، لهم نقول: شكراً.

ولبيروت أمّ الشرائع والمسرح والكلمة والفنّ، نقول هنيئاً لك باحتضانك مسرحاً اسمه… مسرح المدينة.

هذه الصفحة الغنيّة بمقالات لمبدعين في المسرح والتمثيل والشعر والكلمة والإعلام، مهداة لمسرح المدينة، عربون تقدير ووفاء.

أحمد طيّ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى