الحالة الصحية لكلينتون وتداعياتها المرتقبة على المنصب الرئاسي

أثناء الاحتفاء بذكرى هجمات 11 أيلول/ سبتمبر في نيويورك، شاهد العالم خروج هيلاري كلينتون المفاجئ قبل نهاية المراسم ومن ثم انهيارها وهي تهمّ في الصعود لمركبتها الخاصة وترنّحها قبل ان يسعفها المرافقون. لم يكن أشدّ المتشائمين بحالة المرشحة كلينتون يترقب تجسيد حيّ لشكوكه في سلامتها الجسدية. وتجدّدت حملات التشكيك وتوسّعت دوائرها لتلقي ظلالاً من الشك حول مضيّ المرشحة في استكمال السباق الانتخابي، وأهليتها لتبوّؤ منصب الرئيس.

سيستعرض قسم التحليل الحدث الأهمّ والشاغل في المشهد السياسي الاميركي، الوضع الصحي لكلا المرشحين، وما يستدعيه من تفكير النخب السياسية بالبدائل، خاصة في حالة وفاة كلينتون او عدم استطاعتها الاستمرار في السباق الانتخابي، وطرح بعض القيادات المرشحة، نظرياً، لخلافتها.

السعودية

في حمأة صراع النفوذ بين البيت الابيض والكونغرس، صادق الاخير على قرار يتيح للمواطنين الاميركيين «المتضرّرين من هجمات 11 ايلول 2001» مقاضاة السعودية، افراداً ورسميين، بعد وقت وجيز على نشر الصفحات «السرية» سابقاً والتي تشير بوضوح الى ضلوع عدد من المسؤولين والمواطنين السعوديين في التمويل.

مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية كان من ابرز المؤسسات المناهضة لقرار الكونغرس خشية تداعياته على «العلاقة المركبة لاميركا مع السعودية الشريك الاستراتيجي الاصعب.. وما يمثله من أهمية استراتيجية للمصالح الأمنية المعقدة في منطقة الخليج». وزعم المركز انّ قرار الكونغرس استند الى ادلة ضبابية وردت في الصفحات المفرج عنها التي «لم تدِن تورّط الحكومة السعودية في ايّ شيء.. واخفق في إدراك الأهمية البالغة لدور السعودية في التصدي لإيران وكذلك في محاربة الارهاب في المنطقة». كما اتهم الكونغرس وقراره بالتهوّر نظرا «لتجاهله أبعاد القضايا المتعلقة بنصوص القانون الدولي التي سيثيرها قراره واحتمال فتح الابواب على مصراعيها لمقاضاة الحكومة الاميركية، بل اتخذ قراره دون اخضاعه للنقاش»، كما تقتضي الاجراءات السارية.

«داعش»

شاطر معهد كاتو رؤية الادارة الاميركية بنفي ضرورة ارسال قوات برية لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية «لا سيما في ظلّ تراكم خسائره التي يخشى البعض ان تضطره للعودة إلى جذوره في التعبئة وتشجيع تنفيذ هجمات في المنطقة وما هو ابعد منها». وناشد صنّاع القرار التزام قواعد الاشتباك السابقة ضد «المنظمات الارهابية عبر استمرارية الضغط على استهداف قادة التنظيم، والحيلولة دون قدرته على استقطاب اعضاء جدد وجمع التبرعات المالية». ووجه رسالة الى انصار التدخل العسكري بأن «مقتل الارهابيين لا يستدعي نشر عشرات الآلاف من القوات المقاتلة الاميركية وانخراطها في الحروب الأهلية الجارية في منطقة الشرق الاوسط».

أشار معهد هدسون الى قدرة تنظيم القاعدة البقاء على قيد الحياة بالرغم من التحديات التي يمثله تنظيم الدولة الاسلامية واستطاع الاول «استغلال ظاهرة بروز داعش على الساحة واعتباره فرصة استراتيجية، بالابتعاد عن وحشيته وتبني استراتيجية استقطاب بعيدة عن الانظار». واضاف انّ تنظيم «القاعدة نجح في رفد صفوفه بهدوء وسرعة نسبية مكنه من بسط سيطرته على مزيد الاراضي وانغمس في اوساط التجمعات المحلية». واردف ان تبني «القاعدة اسلوباً هادئاً مغايراً لأسلوب المفاخرة والتباهي لتنظيم الدولة جاء بخلاف توقعات معظم المراقبين.. واجتاز بنجاح عاصفة تنظيم الدولة». اما نجاح تنظيم القاعدة فقد عزاه المعهد الى تضافر عدة عوامل اساسية، منها «هزيمة تنظيم القاعدة في العراق بين 2007 – 2009، أجواء «الربيع العربي»، وصعود تنظيم الدولة الاسلامية.. واضحت في موقع للنجاح افضل كثيراً من تنظيم الدولة الاسلامية على المدى الطويل».

سورية

سعى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إلى استشراف الاوضاع في سورية بعد التدخل الروسي الذي سييبدأ عامه الثاني قريباً «الرامي لاستعادة امجاد القوة الروسية.. واعادة التوازن الى علاقاتها الدولية على حساب اميركا». وزعم ان الحضور الروسي القوي يأتي في اعقاب قرائن تشير الى «عدم الرغبة الشديدة الادارة الاميركية الحالية الانخراط» في شؤون المنطقة. واعرب عن اعتقاده بأنّ روسيا نجحت في توفير الحماية «لمناطق تعتبرها مهمة استراتيجياً»، اما الاستمرار في المحافظة عليها «يتعيّن على موسكو ارسال المزيد من القوات البرية.. وقد تتمكن مع إيران من اقامة سيادة مشتركة تسيطر على البلاد بأكملها تقريبا»، ومساعدة روسيا لحزب الاتحاد الديمقراطي لإحكام سيطرته على «ممر ضيّق يربط عفرين مع بقية روج آفا.. التي من شأنها ان توقف تقدم المتمرّدين المدعومين من الاتراك في الشمال، وبالتالي حماية حلب وتسهيل استعادة وادي الفرات». كما اعرب المعهد عن اعتقاده بأنّ روسيا «ستعزز وجودها في تدمر، المكان المثالي لتثبيت قاعدة رادار تغطي كافة منطقة الشرق الاوسط». كما اوضح انّ السعودية «لا يمكنها السماح بفوز إيران في سورية.. بيد انّ الاوراق هي في ايدي اردوغان وبوتين». وحث المعهد الرئيس الاميركي المقبل «الاضطلاع بدور اكبر في سورية، اذ انّ روسيا وإيران تسبقان الولايات المتحدة بعدة خطوات».

الاتفاق الثنائي بين واشنطن وموسكو حول إقامة هدنة في سورية نال اعتراضات واسعة داخل الاوساط الاميركية، واثار معهد أبحاث السياسة الخارجية مسألة «مستقبل حزب الله.. اذ انّ قراره بالمشاركة في سورية ينطوي عليه بسط نفوذه على دائرة اوسع ستبقى بعد اتفاق صعب المنال لوقف الأعمال العدائية». واوضح انّ الموقف السائد في الغرب انّ مستقبل الحزب مرتبط بمستقبل الرئيس الأسد، اذ انّ «نجاحه او الإطاحة به قد تحدّد معالم انتصار او انحسار حزب الله». كما اشار المعهد الى انّ الحزب بعد انخراط متواصل في سورية اضحى «قوة اقليمية، اشدّ تطوراً وشمولية، اما مكانته المستقبلية وانعكاسها على المدى الطويل سيكون لها مفعول الديمومة والانتشار بصرف النظر» عن العوامل الاخرى.

نوبة في طريق الرئاسة

يجمع المشهد السياسي الاميركي على انّ المرشحة هيلاري كلينتون بخبرتها وحضورها الطويل هي الأشهر والأكثر إثارة لجدل الحياة السياسية، وأسهمت خبرتها المتواصلة وديمومة بقائها في المشهد العام في حسم الاراء الشعبية نحوها منذ زمن، على أقلّ تقدير. لهذا دلالته على ما يمكن للمرء توقعه من انحياز قطاعات من الناخبين في اللحظات الاخيرة، كما يراهن الحزبين عادة.

تتميّز الحملة الانتخابية الحالية بتراجع اولويات القضايا السياسية والاجتماعية، قبيل انعقاد الانتخابات بنحو 50 يوما، واستبدالها بنواحي خاصة بشخصي المرشحيْن، تسهم فيها وسائل الاعلام المتعددة بدور محوري، والتي رسخت في ذهن المواطن العادي «ضرورة» تتبع السلوك والمظهر الشخصي للمرشح، بشكل اساسي، وما تبقى من وقت يمكن توزيعه على القضايا الاخرى.

تعرّضت هيلاري لحالة إغماء مطلع الاسبوع امام انظار الجمهور ووسائل الإعلام على السواء، اضطرت على أثرها لتعديل برنامجها اليومي والخلود الى الراحة على الفور. سارعت حملتها الانتخابية لتدارك الأمر والقضاء على تسريبات تبتعد عن الدقة والمهنية، وافرجت تدريجياً عن بعض أعراض السيدة كلينتون، قائلة إنها تعاني من التهاب رئوي، ووصفت السيدة كلينتون ما أصابها بعد ساعات معدودة بأنها تعرّضت «لارتفاع في درجة الحرارة».

بيد انّ المسعى لم يكلل بالنجاح او يشفي غليل المؤيدين والمتربّصين على السواء. المعلق في شبكة «فوكس نيوز» إد كلاين، زعم انّ المسألة «أعمق من مجرد التهاب رئوي»، مضيفا انّ زوجها الرئيس الاسبق بيل كلينتون يدرك مدى ازمة زوجته الصحية «وناشدها منذ بضع سنوات دخول المستشفى واجراء فحوصات طبية شاملة»، بيد انها رفضت العرض. واردف كلاين انّ نوبة الاغماء تكرّرت مراراً في حياتها الخاصة، لكن الحادثة الأخيرة هي الاولى على مرآى ومشهد الجميع.

تعليقات المحللين سلطت الضوء على ما تتهم به الدائرة الضيقة لكلينتون بانها تبذل قصارى جهدها «لاخفاء الأمر.. وتشييدها حائطاً منيعاً من السرية يماثل جدار ترامب» في مدى الاهتمام الذي يقارب الهوس. بعض المؤيدين لكلينتون في الادارة الاميركية اوضحوا انّ «الحالة الصحية ليست منبع قلق بقدر ما هو الإفراط في السرية والتكتم».

غاب عن المسرح والتداول تشخيص آراء وتوجهات المرشحة كلينتون الحقيقية وميلها للتدخل العسكري في العالم، اذ تنبئ بعودة المحافظين الجدد لتبوّؤ صنع القرار، لا سيما في ظلّ غياب او تغييب اي اثارة لعدد من مؤيديها المدانين بالمجازر: هنري كيسنجر ومادلين اولبرايت. المرشحة كلينتون لم تضمر يوماً تأييدها الشديد لتطوير أسلحة نووية حديثة «تكتيكية» لاستخدامها في حروبها «التقليدية».

إعياء يستدعي مرشحاً بديلاً

عقب الإعلان عن «النوبة» تسابقت الآراء والمقترحات لدفع قيادات الحزب الديمقراطي للإقدام على اتخاذ خطورة «استباقية» بالتحضير لتعيين مرشح بديل للمرشحة كلينتون، انْ تطلب الأمر، وما لبثت ان تلاشت تلك الدعوات فور تصريح الرئيس اوباما الحادّ بدعمه خليفته المقبلة في اليوم التالي امام حشد انتخابي في مدينة فيلادلفيا. وشدّد الرئيس اوباما على انّ المرشحة كلينتون «بحالة عقلية ممتازة».

في الفترة الزمنية عينها، استطاع المرشح المنافس دونالد ترامب تجسير الهوة الفاصلة بين المؤيدين، وكان المستفيد الاول من «نوبة» هيلاري اذ سرعان ما عزز نسبة تأييده بين الناخبين الى معدلات أعلى لم تكن في الحسبان.

يُشار الى انّ السيدة كلينتون شنّت هجوماً حاداً غير مسبوق على أنصار ترامب، قبل يومين من تعرّضها للإغماء، واصفة جمهوره بازدراء شديد، قائلة انّ نصفه يشكل «سلة من التعساء واليائسين»، منتهكة أحد المعايير الانتخابية السائدة بتقبّل الإساءة الى شخص المرشح، والتعامل الحضاري مع الجمهور الانتخابي بشكل عام.

تراجع «شعبية» السيدة كلينتون، مع احتدام السباق الرئاسي لا يبشر خيراً لقيادات الحزب الديمقراطي، خاصة انّ نسب الفوارق السابقة كانت تميل لصالحها بمعدل يدعو إلى الارتياح. قادة وانصار الحزبين يترقبون بشغف ما ستسفر عنه الحالة المرضية للسيدة كلينتون في أعقاب تقرير طبي رسمي يوصف النوبة بدقة.

انبرى لتحليل «النوبة» عدد من الأخصائيين في كبرى كليات الطب، أحدهم محاضر في الطب بجامعة بوسطن، توبي بيركويتز، معتبراً عزم حملتها الانتخابية «التقليل من أهمية الحالة الطبية»، أمر أساء لها بشدة. وأردف انّ ايّ محاولة تلطيف قد تقدم عليها الحملة لن تفلح في إخفاء جدية ما تعرّضت له او الإطاحة جانباً بالرأي العام بعد اطلاعه على هشاشة اللحظة.

وشاطر بيركويتز آراء بعض المتفائلين بأنّ انشغال العامة بنوبة كلينتون أبعد عنها نصال السهام السياسية الموجهة لفضيحة بريدها الالكتروني، وكذلك القفز عن تداعيات تصريحاتها بازدراء مؤيدي ترامب «البؤساء».

أشار البعض الى تباين رواية الرئيس الأسبق كلينتون، بعد يومين من الحادث، عن حال زوجته قائلاً انها «ستسأنف حملتها الانتخابية فور تعافيها من حالة انفلونزا».

تشخيص الحالة طبياً حسمها طبيبتها الخاصة، ليسا بارداك، بإصدارها تقريراً موجزاً يصف ما تعرّضت له من «التهاب رئوي غير معدٍ»، ووصفت لها تناول علاج بالمضادات الحيوية. وأضافت الطبيبة، ورئيسة قسم الأمراض الباطنية في مجمع كيرماونت الطبي بولاية نيويورك، انّ السيدة كلينتون راجعتها عدة مرات في الأسبوع السابق، وما توصلت اليه هو تعرّضها لالتهاب رئوي خفيف.

بيد انّ التقرير المهني لم يضع حداً للتكهّنات خاصة لبعض المنافسين والمهتمّين بحالة جهازها العصبي، نظراً لتكرّر الحادثة في السابق وربما بصورة أشدّ، فضلاً عن رفضهم اعتبار التقرير الطبي «كاملاً ونهائياً».

الرئيسة التنفيذية لجمعية الأطباء الاميركيين، الطبيبة الجراحة جاين اورينت، قالت لبعض وسائل الإعلام المحافظة في اليوم التالي: «ما يعنيني بشكل اكبر هو السجل الكامل واحتمال تعرّضها لعوارض جدية مثل الارتجاج الدماغي.. والذي سيترك تداعياته على قدرة القراءة والكتابة والتفكير، او تجلط دموي في احد الشرايين الرئيسة في الجيوب الأنفية العرضية ووظيفتها في التصريف».

واردفت اورينت ان مراجعة عدد كبير من اشرطة الفيديو للسيدة كلينتون تدلّ على «تعبيرات في الوجه غير مفهومة»، مما يشير الى احتمال تعرّضها لنوبة او نوبات صرع التي قد تدلّ على تعرّض الدماغ لصدمة في فترة سابقة.

قسم آخر من الأخصائيين فسّر تغيّرات الوجه المشار اليها بأنها ناجمة عن تعرّضها لعوارض أولية لشلل باركينسون الرعاشي او الاهتزازي، ربما أصابها عام 2005 تقريباً. بيد انّ الاستدلال على تلك النتيجة يستوجب إجراء سلسلة فحوصات للجهاز العصبي، الأمر الذي لم يأتِ ذكره في تقرير طبيبتها الخاصة.

انضمّ الحارس الخاص السابق للسيدة كلينتون، غاري بيرن، الى حكم شبه جازم بتعرّضها لمرض باركينسون، وهو الذي رافقها في حلها وترحالها منذ عام 1999 ولغاية عام 2003.

وزاد بعد مشاهدته الفيديو الشهير انّ الأمر «المثير للقلق.. انها قصدت شقة ابنتها السكنية بدلاً من غرفة الطوارئ»، لا سيما انّ اجراءات الحراسة الخاصة تقتضي معرفة كافة افراد الطاقم الوجهة المثلى لأقرب مستشفى مهما كانت الظروف. وأضاف انّ ذلك المشهد يدلّ على رغبتها في تلقي العلاج بعيداً عن أنظار العامة من قبل أخصائيين وأطباء من اختيارها، بل انّ طاقم حراستها المناوب أدرك على الفور ان شيئاً غير عادي تعرّضت له في تلك اللحظة وكان على أتمّ استعداد لكلّ الاحتمالات.

صحة ترامب

برنامج المرشح ترامب الانتخابي يشهد نشاطاً أكبر ووتيرة تحرك اكبر من منافسته كلينتون، وهو في العقد السابع من العمر. تباهى ترامب بحالته الصحية «الممتازة»، وإقراره بأنّ هناك زيادة في وزنه تبلغ نحو 15 رطلاً، استناداً الى فحص طبي حديث العهد أجراه طبيبه الخاص، هارولد بورنستين، الذي زعم مؤخراً انّ السيد ترامب «عند انتخابه سيكون الأصحّ بين الرؤساء عبر التاريخ السياسي» للكيان الأميركي.

مثابرة ترامب على الالتزام ببرنامج انتخابي مكثف يشكل تحدياً اضافياً للسيدة كلينتون وفريق حملتها الانتخابية للحاق به على حساب حالتها الصحية، وهي التي بحاجة الى إثبات أهليتها الجسدية والعقلية للقيام بأعباء منصب الرئيس والتغلب على الشكوك المتراصة امامها.

كلينتون: احتمالات مفتوحة

تنشط الاجتهادات الفكرية في تحديد معالم المرحلة المقبلة في حال تعرّض السيدة كلينتون «للوفاة او مرض يقعدها عن استكمال الحملة الانتخابية».

الرئيس الأسبق للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، دون فاولر، والذي تربع على المنصب من عام 1995 لغاية عام 1997، ابان ولاية الرئيس كلينتون، أدلى بدلوه في المسألة مناشداً الرئيس اوباما وقادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس بلورة آلية عمل للبحث عن مرشح بديل لهيلاري كلينتون على وجه السرعة، وذلك في سياق الإعداد لأسوأ الاحتمالات.

وأشار فاولر بوضوح إلى مثال استبدال الحزب الديمقراطي مرشحه لمنصب نائب الرئيس، توماس ايغلتون، عام 1972 بالمقرّب من آل كنيدي، سارجنت شرايفر موضحاً انه المرة الاولى التي اقدم فيها حزب رئيسي على تعديل احد مرشحيْه في حمأة السباق الرئاسي.

واستدرك بالقول انّ عملية التبديل آنذاك سارت بسلاسة ويسر ملحوظ، اما في حال السيدة كلينتون فمن المتوقع ان تتسم بالحدة والتشنج، وقد تدفع مؤيدي كلّ من نائب الرئيس جو بايدن والمرشح السابق بيرني ساندرز للعمل المكثف. ولهذا السبب، أضاف، ينبغي على قيادة الحزب الإعداد مسبقاً وتفادي معارك جانبية ضارة، عبر الدعوة لانعقاد جلسة طارئة لاختيار المرشح الأنسب او مرشح توافقي.

من بين التحديات العملياتية لبروز مرشح بديل عن السيدة كلينتون انتهاء اللجان الحزبية في معظم الولايات من إعداد قوائم الانتخابات الرسمية التي تظهر السيدة كلينتون، وربما يحتاج الأمر الى تدخل المحكمة العليا لفرض إدراج المرشح البديل.

محصلة الأمر في الحقيقة هو بعهدة الهيئة الانتخابية التي سيدلي أعضاؤها غير المنتخبين باختيار المرشح الرئاسي، ونظراً لطبيعة تكوين الهيئة بأعضاء حزبيين ملتزمين فإنّ اختيار بديل السيدة كلينتون لن يكون عسيراً، في تلك الحالة.

نصوص الدستور الأميركي حسمت احتمال وفاة المرشح الرئاسي قبل أدائه اليمين الدستوري، يبرز المرشح لمنصب نائب الرئيس في المرتبة الأولى تلقائياً، وتوكل له مهمة اختيار نائب له ومصادقة مجلس الشيوخ عليه. ما عدا ذلك، فأيّ فراغ في المنصب تتمّ معالجته داخل الهيئة الانتخابية.

ابرز الاحتمالات

مسيرة السيدة كلينتون لمنصب الرئاسة تعد من أطول الحملات الانتخابية، بعد ان برزت ملامح رغبتها بذلك عام 2000، وشرعت منذئذ في الإعداد التدريجي والتخطيط الدؤوب لنضوج الظروف الضرورية. ومن غير المرجح ان تقدم السيدة كلينتون تلقائيا على التخلي طواعية عن تجسيد حلمها، ان لم تتعرّض لحالة وفاة او غيبوبة لا عودة منها.

وربما ستمضي الرياح بعكس ما تشتهيه سفينة كلينتون وعدم قدرتها تجسير الفواصل الشعبية الكبيرة في الفترة الزمنية القصيرة المتبقية، الأمر الذي سيحفز قيادة الحزب الإيعاز لها بالتنحي ولو مكرهة.

امام هذا الاحتمال، هناك شبه إجماع على شخص الرئيس أوباما لإبلاغ السيدة كلينتون القبول بموقف تبغضه بشدة، وهي تدرك تماماً انّ «انسحابها» يعني نهاية نفوذ جناح آل كلينتون داخل الحزب الديمقراطي، وما سيتركه من انعكاسات سلبية على استمرارية تمويل مؤسسة كلينتون الخيرية.

وقد يتمّ تجنيد بعض كبار الأثرياء الداعمين للحزب الديمقراطي بممارسة دورر ضاغط على السيدة كلينتون للتنحي، مقابل التبرّع السخي بملايين الدولارات للمؤسسة المذكورة، بيد انّ العقبات القانونية تبرز كأكبر عائق امام هذا الخيار لتعارض التبرّع بمبالغ كبيرة مع نصوص القوانين السارية بذلك.

وربما يجدّد التاريخ تجسيد حلم نائب الرئيس جو بايدن بتبوؤ المنصب يعينه في ذلك قربه الشديد، لا سيما فكرياً ومبادئ، من القيم التي يجسدها الرئيس أوباما، على الرغم من تقدّمه في السنّ هو الآخر اذ يبلغ 73 عاماً.

بعض الحالمين من قطاع المرأة شرع بطرح السيدة ميشيل أوباما للمنصب، طمعاً في استعادة تأييد القطاعات الاجتماعية التي اوصلت الرئيس اوباما لولايتين رئاسيتين. من المستبعد ان تنظر السيدة أوباما بالأمر، وهي تدرك ما يترتب على المنصب من متاعب وأعباء.

الاحتمال الأكثر واقعية يتمحور حول بقاء السيدة كلينتون في مكانها كمرشحة رئاسية، وتوزيع المهرجانات الخطابية على عدد أكبر من قادة الحزب الديمقراطي نيابة عنها، وضبط برنامج تحركاتها بقيود أكبر من السابق. أمام هذا الوضع يتوقع ان تشهد الساحة الإعلامية انفتاحاً أكبر من القائمين على حملتها الرئاسية لتفاعل أكبر وتقويض بعض الأسوار المقامة حول السيدة كلينتون، كما يطالب عدد كبير من مؤيديها ومناوئيها على السواء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى