الشاعرة الكويتية مريم الشهاب لـ«البناء»: التسليم بالوصول إلى القمة يعني جفاف المنهل
حاورها: محمد عمرو
شاعرةٌ وكاتبةٌ وإعلامية كويتية بارزة، برزت مقالاتها في عددٍ من الصحف والدوريات والمجلات الكويتية والخليجية. جريئة حدّ الحياء، ولا تخشى العادات والتقاليد، إنّما هي مؤمنة بالربّ وبأنّ الربّ هو الحبّ الأسمى. رسالتها في الشعر السلام والحبّ والرومنسية، ولا تؤمن بالجمود في القمم، لأنّ في ذلك اضمحلالاً وتلاشياً.
الشاعرة الكويتية مريم الشهاب، ضيفة منبر «البناء» اليوم، وكان هذا الحوار الشيّق والقيّم.
ندرك أنك فتحتِ بيوت الشعر على بديعها، ومخرتِ بحوره لصيد النفائس، ما حكايتك معه منذ الحرف الأول؟
ـ بداياتي كانت وأنا أتخطّى الثالثة عشر من سنين عمري، فجدتي لأمّي شاعرة وحافظة للشعر، ووالدتي تحفظه أيضاً. عشت في أجواء ملؤها الشعر والأدب. لمعلمتي الشاعرة الكويتية خزنة بورسلي رحمها الله، الفضل الكبير في توجيهي إلى كتابة القصيدة الفصحى وأنا في سنّ مبكرة. وكانت من أبرز محاولاتي الشعرية، قصيدة وطنية للشيخ الأمير الراحل صباح السالم الصباح بعد عودته من فترة العلاج، وقد كنت أحبّ القراءة لكبار الشعراء واقتناء دواوينهم. كعروة بن الورد، المتنبي، عباس بن الأحنف، جميل بثينة، الأخطل والفرزدق وجرير وغيرهم. وبذلك امتلكت حصيلة كبيرة من المفردات اللغوية والصوَر الشعرية، كما هي تجربتي مع الشعر الشعبي أيضاً، بدأت أقرأ لكبار الشعراء الكويتيين والعرب، أمثال: بن لعبون، مرشد البذال، الأمير خالد الفصيل، الأمير بدر بن عبد المحسن، جوزف حرب، مظفّر النواب، لميعة عباس عمارة، فدوى طوقان، ونازك الملائكة. فأصبحت ملمّة بأوزانه وبحوره. ولم أكتفِ بقراءة القصائد وفهمها، بل تعمقت في دراستها وسبر أغوارها لأتقن ترجمة مشاعري بصورة حرفية.
وبعدما أتقنت فنّ كتابة الشعر وامتلأت الدفاتر بالقصائد، قرّرت التوجّه إلى تجربة النشر. فكانت انطلاقتي في مجلة «اليمامة» السعودية، ولكن البداية الحقيقية تجلّت خلال فترة الغزو العراقي. بدأت نشر قصائدي من خلال البرامج الإذاعية السعودية آنذاك للتواصل مع باقي أفراد أسرتي في الكويت. وبعد تحرير دولة الكويت وعودتنا إلى وطننا الحبيب، توجّهت إلى النشر الاحترافي. خصوصاً بعدما أصبح لديّ جمهور ودعوات للمشاركة في البرامج والمجلات الشعرية. فكان عام 1993 نقطة الانطلاق نحو العمل الاحترافي كأديبة وشاعرة. فنشرت في أكثر الصحف المحلية والمجلات الخليجية، كمجلات: «الصدى» الإماراتية، و«اليقظة» الكويتية، و«سيوف»، وفي عدد من المجلات الأخرى. وقد كان لي عمود أسبوعيّ في جريدة «السياسة» بعنوان «نون والقلم» تحت اسمي القلميّ «نادية السبيعي». وبعد فترة عملت كمحرّرة في ملفّ «ديمة» في مجلة «المختلف» الكويتية عام 2000، وهو ملفّ شعر نسائيّ فقط، وفي العام نفسه صدر كتابي الأوّل بعنوان «شمس الكتابة وفيّ القصائد» والذي تضمّن عدداً من مقالاتي الاجتماعية المنشورة في الصحف المحلية، ومجموعة قصائد شعبية.
وتعتبر هذه الفترة من الفترات الذهبية التي تألق من خلالها نجم «نادية السبيعي» ومن هنا انطلقت إلى المساهمة في أصبوحات وأمسيات شعرية ولقاءات إذاعية وتلفزيونية محلية وخليجية عدّة.
كما عملت كسكرتير تحرير في مجلة «الوجد» لفترة من الزمن، وحالياً أنشر في مجلة «بريق الدانة» مقالاتي الأدبية وقصائدي تحت عنوان «البحث عن فكرة تائهة» بِاسمي الصريح مريم الشهاب.
إلى أيّ مدرسة شعرية تنتمين؟ ومَن هم الشعراء الذين تركوا بصماتهم في مخيلتك؟
ـ في البداية، كنت أنتمي إلى المدرسة الكلاسيكية المحضة، وأعشق روّادها وكبار شعراءها كالبارودي وحافظ ابراهيم وأحمد شوقي وغيرهم. ثمّ، ومع النضج العاطفي، صرت أميل إلى المدرسة الابتداعية الرومنسية لِما لها من عمق فلسفي، يغلب عليه طابع الصوفية. فبدأت أقرأ لإيليا أبي ماضي، جبران خليل جبران وفهد العسكر، وأكثرهم طبع في مخيلتي عمر أبو ريشة، محمود درويش ونزار قباني.
هل تعتبرين كتابة الشعر رسالة أم هواية؟ و ما هي رسالتك؟
ـ الشعر هبة إلهية يمنحها الله للفرد ولا أعتقد أن الشعر مجرد هواية. بل هو رسالة سامية تنتقل عبر الأجيال محافظة على ديمومة اللغة. ورسالتي نشر الأخلاق والقيم في المجتمع والتعبير عن قضايا مجتمعية مهمة. تهمّ العالم وليس فقط حدود دولة ما. كما تتضمّن رسالتي نشر الحبّ والرومنسية بكلّ أنواعهما وصورهما وأسمى أنواع الحب هو حب الله.
هل أنت شاعرة متحرّرة جريئة بطرح أفكارك وأحاسيسك أو ملتزمة بالعادات والتقاليد؟
ـ أنا متحرّرة فكرياً وجريئة بطرح أفكاري وملتزمة بالدين لا بالعادات والتقاليد.
الشاعرة مريم الشهاب كيف تنظر إلى واقع الشعر اليوم؟ وهل تبشّر المرحلة المقبلة بولادة شعراء أفذاذ؟
ـ هذه المرحلة هي برأيي مرحلة انتقالية من الفوضى الجامحة إلى انبثاق عصر جديد في كلّ مناحي الحياة من ضمنها الشعر. نعم… بالتأكيد لا ولن تخلو الساحة من الشعراء الجدد. فالشعر ليس صنعة بل إحساس بالفطرة.
كيف تُقيّمين حضور الشعراء الكويتيين؟ وهل من اهتمام بإقامة فعاليات شعرية؟
ـ الشعراء الكويتيون كإخوانهم من الشعراء العرب، لهم باع طويلة في الثقافة والشعر العربي. ولا يخفى على أحد أن المجلة الأدبية الأولى عربياً، هي مجلة «العربي» الكويتية. وهناك شعراء أفذاذ كشاعر الرومنسية فهد العسكر، وأحمد العدواني، ويعقوب السبيعي، وأحمد السقاف، وفايق عبد الجليل. نعم، هنالك اهتمام بالأدب والشعر. فرابطة الأدباء ومجلس الفنون والثقافة والأداب، وعلى رأسهم وزارة الإعلام، يقيمون أمسيات شعرية وفعاليات تهتمّ بالشعر.
في ظلّ ما يشهده العالم العربي من ثورات وحراك وعنف وقتل، هل ما زالت القصائد التي تنادي بالحبّ والسلام فاعلة وتستطيع إيصال مضمون رسالتها؟
ـ نعم… رغم كلّ ما ذكرت من ظروف تصيبنا بالإحباط، وتُشعل لدينا نار الغضب. لكنّ الناس في هذه الظروف يحتاجون إلى مَن يحتويهم ويحتضنهم. كما أنهم تواقون للأمل. وهذا واجب الشعراء ورسالتهم السامية نحو البشرية. فقصيدة حب تُغنّى على وتر قيثارة، تجلب السعادة إلى قلوب مكلومة. فهي رسالة سلام إلى مَن يفتعل الغضب.
كيف تجدين فعالية البرامج التلفزيونية المهتمة بالشعر العربي ودورها في اكتشاف شعراء جدد؟
ـ خطوة إيجابية ورائدة في اكتشاف المواهب الشعرية وتطويرها، إنما بشرط أن تُظهر مَن يستحق من هؤلاء الشعراء الجدد، وأن يتم احتضانهم ودعمهم حتى يثبتوا أنفسهم في الساحة الشعرية.
هل لديك أعمال مطبوعة أو تحت الطبع؟
ـ نعم، لديّ كتاب مطبوع عام 2000 يتضمّن عدّة مقالات سياسية واجتماعية منشورة في الصحف المحلية وقصائد شعبية. وفي الوقت الراهن أعمل على تحضير ديوان شعريّ باللغة الفصحى.
ماذا تعني لك الدعوة إلى حرّية المرأة؟ هل أنتِ من أنصار هذا الطرح أم أنّ لك وجهة نظر مغايرة؟
ـ الحرّية يا سيدي هي عطاء من الله. مهداة لكل البشر سواء كانوا نساء أم رجالاً. ولكن الأقوى ـ مع الأسف ـ احتكرها. وأرى أنّ قمع الحرّيات ليس مقتصراً فقط على المرأة، إنما على الضعيف والفقير والأقليات بشكل عام. لذا دعوتي إلى الحرّية لكل إنسان لا لأنثى أو ذكر.
إلى أيّ مدى أنت امرأة متحرّرة؟
ـ إلى أبعد حدود الحياء، فإنني امرأة وإنسانة متحرّرة فكرياً ولكنّني التزم بالحياء والأدب.
ماذا يعني لك الرجل… الزواج… الأسرة؟
ـ الرجل هو رمز الأمان والدفء، والزواج هو الاحتواء والسكن، والأسرة هي رمز الأمومة وديمومة المجتمع.
ماذا تعني لك الكلمات التالية: البحر، الخوف، الجمال، الرقة، المرأة، الدفء، الحبّ، السعادة، الصداقة، الإخلاص، الخيانة، الخطيئة؟
ـ البحر: مكمن البوح، الخوف: الحذر، الجمال: الطبيعة وهي من أساسيات الكون، الرقّة: المرأة، الدفء: الرجل، الحبّ: الله، السعادة: اختيار، الصداقة: وفاء، الإخلاص: استمرارية الحبّ والعطاء، الخيانة: طعنة في الظهر، الخطيئة: ارتكاب الخطأ عن عمد.
هل تسعين إلى الشهرة ومنافسة زميلاتك من الشاعرات؟
ـ لم ولن أركض وراء الأضواء. ولكنني أسعى إلى نشر رسالتي الأدبية والشعرية. والانتشار تصاحبه الشهرة، إذا كانت الرسالة رفيعة المستوى وهادفة. ولا أرى أنّ في الأدب مجالاً للتنافس، بل الاجتهاد. على كلٍّ، فإن القمّة تتّسع للجميع.
هل أنتِ راضية عمّا حقّقته الشاعرة مريم خلال مسيرتها الشعرية؟ أم أنّ ثمّة تطلّعات ما زالت قيد الحلم؟
ـ الرضا في رأيي هو عدوّ الإبداع. فكلّ مبدع ذي ملكة أدبية وإبداعية حقيقية، لا يرضى ولا يكتفي بما يصل إليه. فإني دائماً شغوفة وذات مشاعر متأجّجة متواصلة مع مَن حولي مِن البشر والأحداث. فإذا رضيت فقد أكون قد انتهيت وجفّ منهل الشعر لديّ.