سلام من نيويورك: لوضع خريطة طريق أممية مُفصّلة لعودة آمنة للنازحين

اعتبر رئيس الحكومة تمام سلام «أنّ العالم يشهد أسوأ أزمة نزوح قسري في التاريخ، مع كل ما يعانيه ذلك من معاناة وبؤس وجريمة وانتهاك حقوق الانسان وكرامته، وتدمير مصائر شعوب بأكملها».

وقال سلام في كلمة ألقاها في قمة الأمم المتحدة للاجئين والنازحين في نيويورك: «في لبنان، بات النازحون السوريون يشكلون ما يوازي ثلث عدد السكان. وإلى جانبهم هناك أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين الذين أضيف إليهم نحو خمسين ألف فلسطيني جاؤوا هرباً من القتال في سورية، تواجه منظمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين «أونروا» صعوبات كبيرة في مساعدتهم بسبب نقص الموارد المالية. إنّ هذا الدفق الهائل والمفاجىء من النازحين يسبب مشاكل خطيرة لاستقرارنا وأمننا واقتصادنا وللبنى الخدماتية العامة، تزداد فداحة يوماً بعد يوم بما لا يبشر بالخير بالنسبة لمستقبل بلدنا وأجيالنا الطالعة».

وأضاف: «تفيد إحصاءات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بأنّ أكثر من مئة ألف طفل سوري ولدوا في لبنان منذ بدء الأزمة في العام 2011، أكثر من خمسين في المئة منهم رأوا النور في الأشهر الثمانية عشرة الماضية. بكلام آخر، يفوق عدد الولادات السورية في لبنان عدد السوريين الذين يتم ترحيلهم واستقبالهم في دول أخرى، بما يعني أنّ عدد النازحين مستمر في الازدياد. إنّ من المستحيل أن يستطيع لبنان وحده التعامل مع تحد وجودي بهذا الحجم. إنّ هذا الوضع لا يمكن أن يستمر».

وتابع سلام: «إنني واثق من أنك تتفق معي، سعادة الأمين العام، بأنه ما لم تبذل الأسرة الدولية جهوداً كبيرة في هذا المجال، فإن لبنان معرض لخطر الانهيار. إنني أدعو العالم، من على هذا المنبر، لأن يضع على وجه السرعة تصوراً يتضمن الخطوات التالية:

أولاً: وضع خريطة طريق مفصلة لعودة آمنة وكريمة للنازحين السوريين الموجودين في لبنان الى بلدهم. إنّ هذه الخطة المفصلة يجب أن ترسم خلال ثلاثة أشهر وتحدد حاجات النقل وأماكن الانطلاق مع كامل تكاليفها المادية. إنّ جمع الأموال اللازمة لهذه الخطة يجب أن يبدأ على الفور لكي يكون بالإمكان البدء بالتطبيق السريع بمجرد أن تسمح الظروف بذلك.

ثانياً: تحديد حصص لدول المنطقة وغيرها لتشارك الأعباء مع لبنان، على أن تبدأ مفاوضات تفعيل جهود إعادة توزيع النازحين خارج لبنان قبل نهاية العام الحالي.

ثالثاً: تكثيف تمويل مشاريع التنمية على المستوى المحلي والإقليمي.

رابعاً: الشروع في تحضير تقرير موثوق عن المدفوعات التي قدمها المانحون حسب القطاعات.

خامساً: إطلاق حملة لجمع الأموال لصالح الاونروا لتمكينها من القيام بواجباتها الإنسانية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وإكمال برامجها التعليمية، وإكمال عملية إعادة إعمار مخيم نهر البارد».

وقال: «سعادة الأمين العام، يواجه بلدي خطراً حقيقياً. ما فعله اللبنانيون باستضافة مليون ونصف مليون نازح سوري عمل غير مسبوق. ما فعله اللبنانيون بانفاق خمسة عشر مليار دولار، لا يملكونها، في غضون ثلاث سنوات لإغاثة النازحين السوريين هو أيضاً عمل غير مسبوق. ما فعله اللبنانيون عبر حفظ الاستقرار والانتظام العام والأمن بوسائل ضعيفة هو عمل غير مسبوق. ما فعله اللبنانيون لتأمين التعليم لأكبر عدد ممكن من أولاد النازحين السوريين غير مسبوق. ما فعله اللبنانيون الذين حرموا أحيانا أسرة في المستشفيات بسبب إشغالها من قبل النازحين السوريين غير مسبوق. ما فعله اللبنانيون عبر الحد من تهريب البشر الى الشواطىء الاوروبية كذلك غير مسبوق. فمتى يا سعادة الأمين العام، متى سيفعل العالم شيئاً من أجل لبنان؟ ومتى ستتصدى الأمم المتحدة للمهمة وتتولى حشد جهود جدية من أجل مساعدة اللاجئين والنازحين، تطبيقاً لمسؤوليتها الرئيسية، وهي حفظ السلام والاستقرار في العالم».

طاولة مستديرة

من جهة أخرى، ترأس الرئيس سلام، بالاشتراك مع وزير الخارجية التركي مولود شاوش أوغلو، طاولة مستديرة في الأمم المتحدة تعقد تحت عنوان «الجهد والتعاون الدوليان حول اللاجئين والمهاجرين والقضايا المتعلقة بالنزوح».

وافتتح سلام الجلسة بالبيان الافتتاحي وقال فيه: «من الأهمية بمكان، بالنسبة إلينا، هو أن تتحدث هذه الوثائق عن تعزيز المجتمعات المضيفة للنازحين، منعاً لحصول توتر اجتماعي يزرع بذور عدم الاستقرار. ومن المهم أيضاً تقوية التعاون الدولي في مواجهة مشكلة بهذا الحجم، وتأمين تكامل الجهود وتحسين تدفق المساعدات».

أضاف: «إنّ الاعتراف بأنّ أزمة اللاجئين هي قضية تهم الجميع وأنها يجب ان تكون محل تشارك في المسؤولية، هو بلا شك خطوة في الاتجاه الصحيح. لكن هذه الخطوة بحاجة لأن تُترجم إلى خطط عمل وتحركات ملموسة، نأمل أن تصدر عن هذه القمة».

وتابع: «إنّ على الأسرة الدولية هذه المرة أن تذهب إلى أبعد من إطلاق التعهدات، وأن تبدأ تطبيق خطوات محددة لمواجهة تبعات التحولات الديموغرافية الهائلة التي حصلت في بعض بلداننا. فلبنان، على سبيل المثال، شهد في أقل من سنتين زيادة بنسبة 25 في المئة في عدد سكانه، وهو ما زال ينتظر الدعم والمساعدات الفعلية والمحسوسة تطبيقاً للتعهدات التي سمعناها في مختلف المؤتمرات. إنّ عملية المساعدة برمتها تخسر كثيراً من فاعليتها، ما لم تكن بالحجم اللازم وما لم تطبق بطريقة شفافة كلياً وطبقاً لأكثر معايير الحوكمة صرامة. ومع ذلك، فإنّ التعامل مع نتائج الأزمة ليس كافياً. لقد بات ملحاً استنفار كلّ الجهود اللازمة لمعالجة جذر المشكلة. وهذا يعني، في حالتنا نحن، وقف العنف في سورية وإيجاد حلّ سياسي يسمح بعودة آمنة وكريمة للنازحين إلى بلدهم. إن بعض البلدان التي تشارك في هذه القمة قادر بالتأكيد على التأثير في هذه العملية».

ولفت إلى «أنّ أحد مصادر القلق الرئيسية في البلدان التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين هو فقدان الأمن وتأثيره المحتمل على الاستقرار. ومن المؤكد أنّ أحد العوامل المسببة للتدهور الأمني هو مشاعر العداء للأجانب التي تتنامى بوجود البطالة والفقر والأوضاع الاقتصادية السيئة. إنّ أحد مسببات تنامي هذه المشاعر أيضاً هو الغموض المحيط بموعد عودة النازحين والخوف من بقائهم بشكل دائم. نحن في لبنان، أكدنا مراراً وتكراراً رفضنا المطلق للاندماج ومنح الجنسية أو أي شكل من اشكال التوطين الدائم. إنه لمن الأهمية بمكان، وكإجراء لمحاربة رهاب الأجانب، أن تعلن الأمم المتحدة خطة مفصلة وواضحة لعودة السوريين إلى بلدهم، بما يفتح الآفاق أمام خطوات ملموسة تتخذ فور أن تسمح الظروف بذلك».

وختم: «ما زال هناك الكثير مما يتعين القيام به. ويجب أن نقوم به معا بشكل مستدام، لأنّ الأزمة ذات طبيعة طويلة الأمد، وبشكل فاعل عبر تجنيد كلّ الإمكانات الكفيلة بإعطاء نتائج كبيرة في الشقين الإنساني والتنموي للمشكلة».

باسيل يلتقي نظيره الهنغاري

على هامش القمة، عقد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لقاء ثنائياً مع نظيره الهنغاري بيتر سيارتو، وجرى البحث في مواضيع عدة، أبرزها النزوح السوري والهجرة.

وأكد الوزير سيارتو على الإجراءات التي تتخذها بلاده لمنع الهجرة إليها، موجهاً دعوة للوزير باسيل لزيارة هنغاريا.

وشكر باسيل نظيره على موقفه «المتفهم للبنان حول موضوع إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، نظراً لتأثير وجودهم السلبي على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني والديموغرافي في لبنان».

وكان باسيل قد حضر افتتاح مؤتمر الامم المتحدة للاجئين والنازحين إلى جانب رئيس الحكومة تمام سلام الذي ترأس الوفد اللبناني بدعوة من الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، في حضور رئيس البعثة اللبنانية الدائمة لدى الأمم المتحدة نواف سلام.

كما شارك باسيل في الاجتماع الذي جمع سلام والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.

وزار رئيس الحكومة، بعد ظهر أمس، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس في مقر إقامته في فندق «والدورف استوريا» في نيويورك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى