كيف اخترقت روسيا النظام السياسي الأميركي؟

عبد الرحمن ناصر

كتب ريتشارد إنجل، كبير المراسلين الأجانب لشبكة «NBCNEWS»، وأجيلوس بيتروبولوس، تحقيقاً نشراه على موقع شبكة «إن بي سي»، يتناول التقرير جانب القرصنة السيبرانية التي دعمتها روسيا لاختراق النظام السياسي في أميركا.

يبدأ التحقيق بتأكيد أنّ خبراء في المجال السيبراني، ومسؤولين في الاستخبارات، قد أخبروا شبكة «إن بي سي» أنّ القراصنة الإلكترونيين «هاكرز» الذين اخترقوا أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالحزب الديمقراطي، هم أنفسهم الذين اخترقوا نظام «إدارة ومكافحة المنشطات العالمية»، وهم أنفسهم الذين تورّطوا في تسريبات البريد الإلكتروني الشخصي لوزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول.

يؤكّد التحقيق وفقاً لمصادره أنّ هذه الحملة ينفّذها الكرملين، عبر دعمه حملة سيبرانية هدفها التجسّس والتخريب، هدفهم الأساس المؤسسات الديمقراطية في الغرب، ثمّ المعارضين الروس.

يعتمد التقرير على مصدرٍ آخر، المحقق السيبراني الإيطالي، ستيفانو مكاجليا، الذي يوضّح بدوره: لقد بدأوا بمعرفة الطريقة التي يطبقون بها قوّتهم من حيث القدرات التقنية في الجانب الجيوسياسي.

في ميدان صغير في روما، في الأيام الأخيرة من صيف 2016، مكاجليا فسّر، في مقابلة مع ريتشارد إنجل، كيف أنّه كان يعرف هؤلاء القراصنة في وقتٍ سابق، عام 2000، عندما كان مكاجليا نفسه قرصاناً إلكترونياً. بعد أن تحوّل مكاجليا إلى الجانب الآخر أصبحت وظيفته الآن أن يحقّق في هجمات القرصنة الروسية، ويقوم أحياناً بخدمات للحكومة الإيطالية.

وفقاً لمقابلة «إن بي سي»، مع مكاجليا الذي يعمل الآن كمستشار في شركة «RSA للحلول الأمنية»، فإنّ الفريقين الذين يعملان كقراصنة لصالح روسيا مكوّنان من مجموعة باحثين مدرّبين مع خلفية رياضية قوية وخلفية قوية عن لغات البرمجة، تحوّل هؤلاء الباحثون إلى «عصابات سيبرانية مرتزقة» يقدّمون خدماتهم «المتألقة» لمن يدفع أكثر.

يوضّح مكاجليا، أنّ علاقة هؤلاء القراصنة بالدولة الروسية يسمح لهم بالسرقة بشكلٍ عام، طالما أنّهم يعملون وفقاً لمشيئة الاستخبارات الروسية، وفي المقابل فهم يحصلون على حماية الدولة الروسية. يؤكد مكاجليا من جديد «إنّهم فوق القانون وهم بالتأكيد محميون، وهذا هو السبب لماذا لا يستطيع أحدٌ أن يقدمهم للمحاكمة».

وفقاً للتحقيق، فقد قال خبراء في أمن الإنترنت ومسؤولون في الاستخبارات أنّ الأدوات والطرق المستخدمة في هجمات القراصنة المدعومين روسياً ضد أميركا أو أيّ أهدافٍ أخرى في بعض الأحيان تكون معقّدة للغاية، وتستطيع هجماتهم التكيف بسرعة في كلّ مرّة يحاول المستهدف تأمين نفسه خلال الهجوم. يقول البروفسور توماس ريد أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة «كينغز» اللندنية: إنّ المشغّلين الروسيين هم الأكثر إثارةً للإعجاب والأكثر انضباطاً من كل من نعرف.

ووفقاً للتحقيق، يعتقد مكاجليا أنّ «جيش التجسّس السيبراني» الذي يتحكّم فيه الكرملين يتكوّن من بضعة آلاف من القراصنة الأقوياء. فوفقاً لما تظهره التحليلات هناك عدد من الطبقات الهيراركية بين هؤلاء القراصنة والحكومة الروسية، وهو ما يظهر بوضوحٍ عندما يغير هؤلاء القراصنة أهدافهم كلّما تغيرت السياسة الخارجية لموسكو.

«دببة غاضبة»

ريتشارد إنجل، قام بزيارة لأندرياس كوينن وهو المشرف على «المكتب الفدرالي لأمن المعلومات» في ألمانيا، أندرياس وغيره من مسؤولي الاستخبارات يطلقون على القراصنة المدعومين روسياً «الدببة». وفقاً للتحقيق، الفريقان المسؤولان عن اختراق الحزب الديمقراطي الأميركي، وغيره من الاختراقات التي حدثت مؤخراً يدعيان «FANCY BEAR» و«COZY BEAR».

بناءً على ما سبق، تقوم «فرق الاستجابة للطوارئ» في ألمانيا بمراقبة جميع التهديدات للأمن السيبراني ضد أنظمة الكمبيوتر بالدولة والبنية التحتية الرئيسة، مثل: الماء والغاز والطاقة والاتصالات. كوينن قال لشبكة «إن بي سي»: إنّ القراصنة المسؤولين عن تسلل واختراق الحزب الديمقراطي الأميركي هم مجموعة من القراصنة المحترفين، وقد ظهروا في مناسباتٍ عدّة سابقة.

واحدة من هذه الضربات، كان القرصنة على نظام الكمبيوتر في البرلمان الألماني «البوندستاغ»، القرصنة كانت على جميع الأجهزة الذي يستخدمها نوّاب البرلمان الألماني! لقد اعتبر كوينن هذه الضربة «تخريب دولة». فقد «بدأت المعلومات تتدفق من البرلمان الألماني، واستطاع المهاجمون أن يصلوا إلى عدد من حسابات البريد الإلكتروني الخاصة بأعضاء البرلمان».

كان القراصنة داخل الشبكة الداخلية للبرلمان الألماني، ببساطة كان القراصنة قادرين على الوصول لأجهزة النواب، وسرقة المعلومات أو تغيير البيانات، والعمل بشكلٍ كامل بأجهزتهم وهم عن بعد. يشبّه التقرير إلى أنّ هذه الضربة، كأن يتمّ اختراق الكونغرس الأميركي مثلاً، وانتشرت العدوى في الأحزاب السياسية وفي مكاتب أعضاء مجلسي النواب والشيوخ.

التحقيقات اللاحقة جعلت وكالات الاستخبارات الألمانية تقرر أنّ القراصنة الذين أعدّوا الهجوم على البرلمان الألماني في موسكو، مع فترات توقّف طويلة أثناء العملية خلال أيام العطل الرسمية في روسيا. إضافةً إلى ذلك فقد كانت الاستخبارات الألمانية قادرةً على تحديد البصمات الرقمية التي أشارت في النهاية إلى روسيا وربط الجناة بجهاز الاستخبارات الروسي. يذكر التقرير حدثاً آخر، فقبل هذه الحادثة بسنة، اخترق بعض هؤلاء القراصنة الروسن مكتب أحد مؤسّسي حزب الخضر الألماني. يقول كوينن «علينا أن نكون حذرين فالروس يحاولون بوضوح معرفة ما يقوم به ساستنا، ولذلك علينا أن نعدّ أنفسنا ضدّ التهديدات».

الجيش

يعتبر «معرض فارانبور للطيران» والذي يعقد في المملكة المتحدة أحد أهمّ الأحداث في قائمة صناعات الطيران والدفاع حول العالم. يعقد هذا المعرض كلّ سنتين، وتحضره وفودٌ عسكرية من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى للغاية.

في 2014، نصف الوفد الروسي رفضت تأشيراته، ما أدّى إلى مذكرة احتجاج للسفارة الروسية في لندن، وتغريدة غاضبة من نائب رئيس الوزراء الروسي، يدعو فيها مندوبي روسيا للرجوع «إلى الوطن». بعد عدّة شهور، مجموعة «FANCY BEAR» أرسلوا بريداً إلكترونياً بريئاً لعدد من القادة العسكريين الذين حضروا العرض، تضمّن البريد رابطاً يبين موعد المعرض القادم! بعض المرسل إليهم ضغطوا على الرابط بالطبع.

يقول ماكاجليا الذي كشف النقاب عن وجود اختراق في الأنظمة السرية لثلاث دول على الأقلّ من دول حلف الناتو: «ساعد هذا في انتشار عدوى اختراق في عدد من البيئات العسكرية».

تأثير «الهاكرز»

وفقاً للتقرير، حذّر عدد من الخبراء من أنّ الهجمات السيبرانية الروسية تذهب إلى أبعد من مجرد سرقة أسرار الدولة، إنها تهدّد بشلّ المؤسسات السياسية في البلدان المستهدفة تماماً، بما في ذلك الولايات المتحدة. لقد شاهد الأميركيون مثلاً مع هجمات «FANCY BEAR» و«COZY BEAR» وتسريبات الحزب الديمقراطي، كيف أنّ قيادة الحزب التي يفترض أن تكون حيادية، تآمرت ضدّ بيرني ساندرز، المرشح الديمقراطي أمام هيلاري كلينتون، وجحافل الشباب المؤيدة له.

لا يتوقّع مكاجليا أن تكون التسريبات والاختراقات المتعددة لمجموعة «الدببة الروسية» هي النهاية. فوفقاً له، فالحكومات الغربية ليست قريبةً أبداً من رؤية نهاية أنشطة هذه الـ«دببة». «إنّها فقط البداية»، يقول مكاجليا.

ويعتقد أنّ القراصنة المدعومين روسياً سيقومون بتصعيد هجماتهم ضد أهداف لها أهمية عالمية، وبنى أساسية تحتية ضرورية. فمن المحتمل أن نرى هجمات في أماكن وبيئات لم نتوقّع أبداً أن تتعرّض لهذه التهديدات في الوقت الراهن.

وفقاً للتقرير، فروسيا ليست وحيدةً بالطبع في جهودها الحثيثة تلك للتجسس على الدول، والتلاعب بالعمليات السياسية لخصومها.

الولايات المتحدة كانت قد غزت العراق، وساعدت في تشكيل حكومته. أثناء الحرب الباردة كان التدخّل السياسي بأي وسيلةٍ ممكنة هو المعيار لكلٍّ من واشنطن وموسكو. أمّا الآن، فقد تغيرت قواعد اللّعبة تماماً. فأكواد الكمبيوتر تستخدم الآن كأسلحة و«البرمجيات الخبيثة/الفيروس» تنتشر كما العملاء السريين.

«ساسة بوست»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى