مجزرة دير الزور… شرق سورية في العين الأميركية

عامر نعيم الياس

يفترض ألا يكون تاريخ السابع عشر من ايلول 2016 تاريخاً عابراً في الحرب على سورية، فاستشهاد 62 عسكرياً سورياً وجرح العشرات الآخرين، جاء عبر تدخلٍ عسكريٍ أميركيٍ مباشر في سورية بطائرات «إي 10» و«إف 16» واستهدف موقعاً معروفاً للجيش السوري في محافظة دير الزور، حيث شنّ تنظيم «داعش» بالتزامن مع الغارة الأميركية هجوماً سيطر على إثره لساعات على نقطة جبل الثردة 2 الاستراتيجية التي تبعد 700 متر عن مطار دير الزور العسكري الذي يعدّ النقطة الأساس التي تمثل الدولة السورية في شرق البلاد وفي أحد محافظاتها الأكثر استراتيجية والمحاصرة من قبل تنظيم «داعش» الإرهابي منذ حوالى ثلاث سنوات.

الغارات الأميركية التي شُنّت في الشرق السوري تأتي بعد تعزيز القوات العسكرية الأميركية وجودها في شرق البلاد من عين العرب إلى تل أبيض والرميلان والقاعدة الجوية في معمل لافارج للاسمنت أيضاً في الشرق السوري الذي يبدو اليوم مركزاً للصراع في سورية، ويقع في بؤرة التركيز العسكري الأميركي وفي لبّ القرار الاستراتيجي للمؤسسات الأميركية قاطبةً لإدارة الوضع في سورية. فالشرق اليوم هو الذي يختصر ثروات سورية ويؤسس لبناء كانتونات لديها ما تقدّمه للغرب من موارد اساسية ومواد أولية زراعية أم نفطية، وهو الذي يتحكم بمسك الورقتين الكردية والتركية في سورية، والشرق هو الذي يتحكم بخط إيران العراق وسورية وصولاً إلى لبنان. أي أنه يتحكم بأحد الشرايين الأساسية التي تبلور جهد محور المقاومة وتحوّله إلى واقع محسوس، كما أن الشرق هو الذي بامتلاكه يتم إغلاق الحدود العراقية السورية وقطع الطريق على طهران لبلوغ البحر المتوسط عبر سورية، بغضّ النظر عن وجود إيران في لبنان وعلاقتها بحلفائها هناك، لكن باعتراف الجميع فإن عقدة محور المقاومة ومركز القوة فيه ونقطة تماسكه هي سورية التي يعكس حجم الانخراط فيها خطورة هذه المعركة.

تريد واشنطن أن تمسك بموسكو وتنزع منها الورقة الإيرانية في سورية، فضلاً عن حصر الوجود الروسي في غرب سورية وإدارة حرب استنزاف ضد القوات الروسية. وتريد واشنطن إدارة الخلاف التركي الكردي في سورية لمصلحتها عبر ابتزاز الطرفين لتحقيق غاياتها بحجة منع الصدام بينهما، ورسم أطر للحل الشكلي أو التهدئة بين الأتراك والأكراد، هي بمثابة بلورة لجهد إضافي من اجل الدفع باستراتيجية واشنطن التوسعية في سورية إلى الأمام، وتكريس التدخل العسكري الأميركي بشكله الحالي باعتباره النموذج الأفضل لإدارة الحروب الأميركية المقبلة في الشرق الأوسط وفي غير منطقة من العالم، بمعنى دفع الأكراد والأتراك للعمل سوياً وإن بطريقة غير مباشرة على قاعدة «السير معاً والضرب منفردين» للتوسع في سورية والسيطرة على الرقة، مقابل برمجة توسع النفوذ التركي الكردي في شرق سورية عبر تقسيم مناطق العمل بين شرق وغرب الفرات، هذا الأمر أمثلتنا عليه تأتي من جرابلس والتدخل العسكري التركي فيها، ورفع العلم الأميركي في مدينة تل ابيض السورية للجم اي مغامرة تركية، مقابل السماح للأكراد بالعمل بحرية في شرق الفرات وتصعيد الوضع العسكري في مدينة الحسكة السورية في مواجهة الجيش السوري، حيث العين الأميركية على مطار القامشلي الذي يؤدي سقوطه إلى عزل مطار دير الزور العسكري وإفراغ شرق سورية من وجود الدولة السورية نهائياً.

إن اتفاقات الهدنة الروسية ـ الأميركية في الوقت الحالي تهدف إلى تقطيع الوقت بانتظار تمرير ما يمكن تمريره من خطة أوباما في سورية والتي تركّز على تعزيز الوجود والنفوذ الأميركي في شرق سورية، من دون أن يكون هناك أيّ توجّه نحو حلّ سياسي للأزمة السورية في المرحلة المتبقية من ولاية الرئيس الأميركي. فالإنجاز الذي يسمح للرئيس الأميركي المقبل بالتحرك بحرّية أكبر هو إنجاز ميداني وعلى الأرض أولاً، وليس إبرام اتفاق سياسي من الواضح أن واشنطن لن تكون الرابح الوحيد فيه، وهو أمر لا يمكن أن يورثه الرئيس الأميركي للإدارة المقبلة، خصوصاً في ظل الرهان على وصول الديمقراطية هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض.

هو الميدان الذي يشكّل الأساس لإدارة المرحلة المقبلة من الصراع الدولي في سورية وعليها، فهل موسكو غافلة عن معادلة شرق سورية وغربها؟ وما هي الخطوات التي يجب أن تتخذ للردّ على ما أفرزه التدخل الأميركي المقصود والمنسّق مع «داعش» في دير الزور والذي ينسحب على أيّ منطقة في سورية وعلى اتفاق كيري ـ لافروف حول سورية؟

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى