تشريك البنى التحتية أخطر من التنسيق الأمني… الكهرباء نموذجاً

عادل سمارة

تمّ مؤخراً توقيع اتفاق بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني تحصر علاقة قطاع الكهرباء في يد السلطة التي تتولى الإشراف على هذا القطاع مع المورّد الصهيوني. أيّ بدلاً من ارتباط كلّ منطقة من الضفة والقطاع بكهرباء الاحتلال مباشرة أصبحت جميعها مرتبطة بالسلطة ومن السلطة بشركة كهرباء الكيان الصهيوني.

تجدر الإشارة إلى أنّ مجالس البلديات المنتخبة وطنياً عام 1976 كانت قد اشترت مولدات لكلّ مدينة وخاصة مدينة نابلس في فترة الرفيق بسام الشكعة، ولكن بعد قيام الكيان بتعيين رؤساء ومجالس بلدية بعد جرائمه ضدّ رؤساء بلديات نابلس ورام الله والبيرة المنتخبين ضمن القوائم الوطنية بوضع متفجرات في سياراتهم أصيب بسام الشكعة ببتر ساقيه والراحل كريم خلف بجرح قدمه ونجا ابراهيم الطويل تمّ ربط الشبكات المدينية بالشبكة القطرية الصهيونية فرادى.

يردُّنا هذا الاتفاق إلى مسألتين:

الاختلاف الذي بدأ منذ بداية الاحتلال عام 1967 بين اقتصاديين يؤسّسون لفك الارتباط باقتصاد الكيان الصهيوني الإشكنازي وبين اقتصاديين تطبيعيين بالفطرة دعوا لتعميق الارتباط باقتصاد الكيان. ويعيد إلى الذاكرة غياب سياسة تنموية ل م.ت.ف ومن ثم السلطة.

فقد انشغلت منظمة التحرير في السير على ساق واحدة هي العمل المسلح مستخدمة ساقاً واحدة من نظرية ماو تسي تونغ «الثورة تندلع من فوهة البندقية» حيث أهملت المستوى التنموي في حرب الشعب، وخاصة إقامة قواعد في المناطق المحرّرة وتطبيق العمل التعاوني والكميونات في الصين خلال حرب الشعب/ الغوار طويلة الأمد الخ…

حتى مع الانتفاضة الأولى ركزت م.ت.ف على انتفاضة سياسية وصولاً إلى دولة، ولم تعط المستوى الثقافي والتنموي للانتفاضة ايّ اهتمام، بل كثيراً ما صرّحت القيادة واقتصاديوها على انهم سيقيمون في الضفة والقطاع تايوان أو سنغافورة!

ورغم انّ هذا النموذج قام على كونه «فترينا» للرأسمالية مقابل الصين الشعبية وكونه اقتصاداً موجهاً للتصدير، ايّ درجة متقدمة من التبعية للنظام الرأسمالي العالمي، لم تدرك م.ت.ف حينها وحتى اليوم أنّ هذا النموذج هو الكيان الصهيوني ولن تسمح الإمبريالية بإقامة تايوان أخرى منافسة للكيان.

لا مكان لفكّ الارتباط في أدبيات وسياسات المنظمة والسلطة، ولا مكان لسياسة تنموية. لقد بدأت سياسة السلطة باعتماد السياسات الاقتصادية الليبرالية بل هي أول سلطة في التاريخ تتبنّى منذ لحظة وجودها وصفات البنك الدولي أنظر كتاب عادل سمارة: البنك الدولي والحكم الذاتي: المادحون والمانحون 1997 بجعل الاقتصاد منفتحاً منذ لحظة ما أسموه «بناء الأمة/ الدولة Nation Building وهي المرحلة التي يجب أن تكون الأكثر تشدّداً ضدّ التبعية والانفتاح.

في مواجهة هذه السياسات العرجاء ومن ثم التابعة كتبت أكثر من كتاب منها: «من احتجاز التطور إلى الحماية الشعبية، والتنمية بالحماية الشعبية» ولكن قيادة المنظمة ومن ثم السلطة بقيت في اتجاه التبعية.

أبعد من تحصيل غير عادل للديون؟

تمّ الإعلان مؤخراً عن اتفاق الكهرباء ما بين السلطة الفلسطينية وحكومة الكيان الصهيوني، في أيام عيد الأضحى في محاولة «كما قيل» لضبط فاتورة الكهرباء مع الكيان بما هو المزوّد الرئيسي للمناطق المحتلة بالتيار الكهربائي. ومقصود بالضبط هو تحصيل الديون المتراكمة للمصدر الصهيوني من المدينين المحليين.

ما لم يُعرف بعد ما هي آليات تحصيل تلك الديون والتي تبلغ على شركة كهرباء القدس وحدها الشركة العربية مليار وأربعماية مليون شيكل الدولار 3.8 شيكل إلى جانب الديون على البلديات، والمخيمات، وشركات الكهرباء الأخرى.

هل سيتمّ «تأميم» هذه الديون لتقع على كاهل النصف الملتزم من مسددي الفواتير؟ بينما يبقى المتهرّبون والسارقون في مأمن ويهدرون تياراً مجانياً؟ بمعنى أن تتحمّل خزينة السلطة ودافعي الضرائب والملتزمون تسديد فواتير استهلاكهم للكهرباء، والعجز المتراكم على الشركات وامتناع مناطق عن تسديد فواتيرهم وكذلك السرقات ناهيك عن الفاقد الناجم عن قِدم الشبكات في بعض المناطق.

تشريك البنية التحتية بدل فك الارتباط

الأصل في العلاقة مع الاقتصاد الرأسمالي الاستعماري الصهيوني هو فك الارتباط الاقتصادي به، على طريق تجاوز علاقة مركز/ محيط بين الاقتصادين على أساس أبعد من إقتصادي، ايّ التحرّر والتحرير. إنّ فك الارتباط يعني وجوب اتباع سياسات اقتصادية بشكل خاص تنهي التبعية لاقتصاد العدو ومن ثم الانتقال إلى سياسات ذاتية التمحور.

لذا، فإنّ عقد اتفاق باسم السلطة مع الاحتلال يضع السلطة في موقع من يحتكر هذه العلاقة التي قد تؤدّي إلى ضبط تزويد الجمهور بالتيار إذا ما تبنّت سياسة تحصيل الديون من المتهرّبين والسارقين.

ولكن في الوقت نفسه، فإنّ حصر المسألة بيد السلطة سوف يسمح للعدو بالعقاب الكهربائي الجماعي بمعنى أنّ أيّ تخلف في اية منطقة سيسمح للعدو بوقف التزويد كلياً كعقاب جماعي، كما يحصل في مسألة المقاصة حيث يوقف العدو التحويلات عندما يحاول الضغط على السلطة لأيّ أمر كان.

يردُّنا هذا إلى بروتوكول باريس الاقتصادي الذي يربط المحتلّ 1967 باقتصاد الكيان. وهو بروتكول مفصَّل بما يحول دون فك الارتباط مع اقتصاد الكيان سواء في الاستيراد والتصدير، أو التبادل البيني مع اقتصاد الاحتلال وتشغيل العمالة المحلية في اقتصاد الاحتلال، وصولاً إلى الحفاظ على المستوطنات والإقرار بـ «حقها» في التوسع الطبيعي وعدم ممارسة ايّ نشاط يمكن أن يؤثر عليها.

كما أنّ أيّ تعديل في هذا البروتوكول لا يمكن حصوله دون اتفاق الطرفين. والطريف أنّ أكثر من طالب بتعديل هذا البروتوكول هو نفس الشخص الذي وقعه باسم سلطة الحكم الذاتي، وقد كرّر ذلك منذ أيام!

إنّ شبكة الكهرباء هي جزء من البنية التحتية في الاقتصاد للمجتمع. وهي خدمة تستهلكها كافة البيوت. وعليه، فإنّ هذا الاعتماد على الاحتلال في هذه الخدمة يجعله في موقع من يمارس العقوبات على المجتمع من جهة، ومن جهة ثانية، فإنه في حالة ارتفاع نشاط المقاومة يمكن للعدو أن يقوم بعقوبة قطع التيار رداً على القاومة بهدف تحريض المواطنين ضدّ المقاومة عبر إيذاء المواطنين.

وهذا أمر ينطبق على مخطط الكيان في خلق شبكة علاقات في البنى التحتية مع الدول العربية المحيطة بالكيان ايّ دول الطوق لتصبح محيطاً تابعاً للكيان كمركز. ايّ من طوق إلى إكليل أو قلادة من الجواهر!

إثر توقيع اتفاق كامب ديفيد بين النظام المصري في فترة أنور السادات والكيان الصهيوني نشط الكيان في مسألة التطبيع عبر البنى التحتية. كان من بينها المطالبة بوصول مياه النيل إلى فلسطين المحتلة، وبناء طريق دولي يبدأ من حيفا إلى إربد وصولاً إلى أذربيجان.

ولاحقاً، كان الحديث عن تحويل حفرة الانهدام والمقصود الأغوار الفاصلة بين الأردن وفلسطين إلى ما أسماه بيرس «وادي السلام» بحيث تكون فيه مشاريع مشتركة ومطار زراعي. واللافت أنّ هذا المشروع تشتغل عليه اليابان من خلال مؤسسة حكومية يابانية هي «جايكا» وهي المخوّلة حسب تقسيم العمل الإمبريالي بأن تتولى تمويل البنية التحتية في المحتلّ 1967، وتكون الأمور الفنية والثقافية والإدارية حصة الاتحاد الأوروبي بينما الأمور الأمنية هي حصة الولايات المتحدة. وللطرافة كان نصيب هولندا، وهي دولة استعمارية عنصرية عريقة، هو تمويل بناء السجون!

وفي هذا المشروع التطبيعي للبنى التحتية تندرج قناة البحرين بين البحرين الأحمر والميت، وهي مشتركة بين الأردن والسلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني ومصر.

وليس منح جزيرتي تيران وصنافير للسعودية سوى أحد وليس آخر مشاريع ربط البنى التحتية حيث أعلنت السعودية أنها سوف تسمح بعبور الكيان من هذه الممرات مما يعني انخراط السعودية في اتفاق «كامب ديفيد» بطريقة ملتوية.

وعليه، فإنّ اية مشاريع بنى تحتية مشتركة هي تطبيع لهذه البنى أو تنسيق استثماري بنيوي أكثر خطورة من التنسيق الأمني.

فإذا كان التنسيق الأمني محصور في مطاردة المقاتلين، فإنّ البنى التحتية تشمل «المجتمع/ات» ككلّ وتجعلها في ارتباط «مصلحي» مع الكيان مما يجعل فك الإرتباط مكلفاً لمن اعتاد عليه وقد يقود إلى معارضة المعتمِد للمقاومة ليس لموقف لا وطني، بل نظراً لما قد يقع عليه من عبء.

بكلام آخر، إذا ما وضعنا في الاعتبار أنّ عدة أنظمة عربية قد أقامت علاقات اعتراف وتطبيع مع الكيان، وأنّ قوى سياسية عربية قامت بذلك أيضاً، فإنّ تربيط البنى التحتية هو مثابة تقييد للطبقات الشعبية بأواصر مع اقتصاد الكيان، أيّ محاولة اختراق القلعة الأخيرة للمقاومة.

بقي أن نشير إلى أنّ تشريك البنى التحتية يعني تمكين الكيان من التوسع الاقتصادي والخدمات طالما حالت المقاومة دون توسعه الجغرافي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى