مبادرة 14 آذار ولدت ميتة… وجنبلاط يفتح الباب اللبناني لمصر
كتب المحرر السياسي
إنجاز تشكيلة الحكومة العراقية العتيدة، وتقديمها من رئيسها حيدر العبادي إلى رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، يعني أنّ خطوة من خطوات التسويات الإقليمية سلكت طريق التنفيذ، ووفقاً للمعلومات الواردة من صنعاء فإنّ خطوة ليست بعيدة ستبصر النور في اليمن على رغم مسافة التفاوض الواسعة بين الطرفين المتقابلين، رئاسة هادي منصور المدعوم من السعودية، والتيار الحوثي الذي جمع وراءه قوى وشارع المعارضة، والمنتمي إلى خيار المقاومة، كما أكدت التحركات المليونية التي نظمها لدعم المقاومة في غزة.
لبنان لا يزال بعيداً عن زمن التسويات، ومبادرة قوى الرابع عشر من آذار لم تنجح بلفت الأنظار للتعامل معها كمبادرة، فقد فقدت قيمة حبرها بعدما بدا أنها ولدت ميتة، ودفنت ترشيح قائد القوات من دون أن تتمكن من توريط أيّ من قوى الثامن من آذار، بتلقفها إيجاباً والوقوع في فخ مبادلة العماد ميشال عون بسمير جعجع.
غياب فرص التوافق الإقليمي من دون المرور بدمشق يعني بقاء الأزمة عالقة، لذلك كان توجه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط إلى القاهرة القادرة على التحدث مع الجميع، خصوصاً سورية والسعودية، طرفي المعادلة الإقليمية المعنية بالرئاسة اللبنانية، كما تفيد تقارير المحادثات السعودية – الإيرانية الأسبوع الماضي.
مصر ليست جاهزة للمبادرة من دون ضوء أخضر دولي وأميركي تحديداً، يرافقه طلب وترحيب سعودي، ولكن لا يبدو أن هناك مشجعين للقاهرة لكي توسع قنوات التعامل مع دمشق، ليبدأ الحوار فعلياً.
المناخ الإقليمي المتأخر عن صنع مناخات التسوية، يظهر اليوم في مجلس الوزراء انقساماً بين محاولة تمرير صفقة التبادل مع «جبهة النصرة»، والدعوة إلى حفظ وحدة المؤسسات العسكرية والأمنية وعدم نقل جرثومة التفكك إليها، بعدما بدأت التسويات المشابهة تخلق في المؤسسات العسكرية والأمنية تفاوتاً في منسوب التفاعل مع قرارات المواجهة مع «داعش» و»النصرة»، وفقاً للانتماءات الطائفية والمذهبية في بعض الوحدات.
كباش حول صفقة التبادل
في هذا الوقت، تتجه الأنظار إلى جلسة مجلس الوزراء اليوم التي ستبحث في الوضع الأمني عموماً وفي قضية العسكريين المخطوفين خصوصاً على خلفية ما يطرح من إجراء صفقة مع المجموعات الإرهابية تقوم على إطلاق سراح العسكريين المحتجزين لدى تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» في مقابل الإفراج عن عدد من الموقوفين الإسلاميين المتطرّفين في سجن رومية.
وتوقّعت مصادر مطلعة أن تشهد الجلسة نقاشات ساخنة حول صفقة التبادل في ضوء الانقسام داخل الحكومة من موضوع إطلاق سراح موقوفين كانت لهم باع طويلة في الاعتداء على الجيش وتفجيرات إرهابية في عدد من المناطق. ولاحظت المصادر أن هناك صعوبة بخروج الجلسة بقرار سياسي يوافق على إجراء الصفقة، أولاً، لأن هناك أكثرية في الحكومة تعترض على فتح بازار التفاوض مع الإرهابيين لما لذلك من تداعيات على معنويات المؤسسة العسكرية، وفي الوقت ذاته يفتح شهية الإرهابيين على تكرار أعمال الخطف، وثانياً، لأن اعتراض وزير واحد سيؤدي إلى إسقاط أي توجّه لإطلاق سراح موقوفين متطرفين. إلا أنّ المصادر أوضحت أنه في حال اتخاذ قرار إجراء المبادلة، فالموضوع يحتاج إلى مخارج قانونية تتم عبر القضاء المختص وهو الأمر الذي يستغرق بعض الوقت.
إلا أن وزير العدل أشرف ريفي أعلن أمس أنه طلب من القضاء الإسراع في بت ملفات الموقوفين الإسلاميين وإصدار «أحكام عادلة ومنصفة وغير جائرة».
وتمنى وزير العمل سجعان قزي في اتصال مع «البناء» أن «تحصل المحاكمة اليوم قبل الغد، ولا سيما أن المحاكمة موعدها محدد قبل أحداث عرسال»، مشيراً إلى أن «مأخذ حزب الكتائب الأساسي كان على المماطلة في محاكمة الموقوفين، فيما كان من المفترض العمل على الاستجواب والتحقيق وصولاً إلى إصدار الأحكام الصارمة على من تثبت عليهم التهم وتبرئة الأبرياء». وشدد على ضرورة عدم الرضوخ إلى ضغوط «داعش» و»النصرة» أو من يقف خلفهما.
مصادر أمنية
وأكّدت مصادر أمنية لـ «البناء» أن لا علاقة لقيادة الجيش من قريب أو بعيد بالاتصالات التي يُحكى عنها لإجراء تبادل بين العسكريين وبعض الموقوفين، معتبرة أن هذا الأمر «موضوع سياسي تقرّره الحكومة اللبنانية». وأشارت إلى أن الحكومة وُضعت في كل الظروف التي تحيط بموضوع العسكريين المخطوفين والأوضاع الأمنية في منطقة عرسال وجرودها. وأكدت أن الوضع الأمني هناك تحت السيطرة والجيش يتابع الأمور في المنطقة لحظة بلحظة.
داعش» يمهل الحكومة 72 ساعة
وفي هذا الإطار، تستمر «هيئة العلماء المسلمين» في تعليق وساطتها مع المسلحين الإرهابيين، وأكدت مصادرها لـ»البناء» أن الأشخاص المخولين في الهيئة بعملية التفاوض لا يتواصلون مع أحد من «داعش» و»النصرة»، وأن التفاوض لاسترداد جثة الرقيب الشهيد علي السيّد كان إنسانياً لا أكثر.
وعلمت «البناء» أن تنظيم «داعش» أعطى الوسطاء من مشايخ في هيئة العلماء مهلة 72 ساعة اعتباراً من مساء الثلاثاء الماضي، على الحكومة أن تعلن خلالها تجاوبها مع شروطه لإطلاق عدد كبير من العناصر الإرهابية الذين ينتمون إليه من سجن رومية. وأنه في حال عدم الموافقة على هذه الشروط، فسيعمد إلى تصفية أحد الجنود على غرار ما حصل مع الشهيد السيد. وكشفت معلومات لـ»البناء» أن المهلة تنتهي بعد وقت قليل من جلسة مجلس الوزراء اليوم.
بدوره، أعلن قيادي في «جبهة النصرة» لوكالة «الأناضول» أن الجبهة ستبث شريط فيديو للعسكريين اللبنانيين المسيحيين وهم جورج خوري وبيار جعجع وجورج خزيئة. كما أشار إلى أن الجبهة ستبث خلال ساعات فيديو قال إنه يظهر مشاركة «حزب الله» في معركة عرسال.
من ناحية أخرى، رأى مصدر مطلع على ملف الموقوفين الإسلاميين لـ»البناء» أن هذا الملف ولا سيما ملف موقوفي 2007 يحوطه الظلم والمماطلة في المحاكمة. وأعطى المصدر مثالاً على المماطلة في إصدار الأحكام، أن رئيس المحكمة العسكرية العميد الركن خليل إبراهيم في الجلسة المخصصة لاستجواب 3 أشخاص موقوفين في إحدى القضايا وهم من طرابلس، لم يستجوب إلا موقوف واحد وأرجأ الجلسة إلى بعد أربعة أشهر. واعتبر أن المماطلة في محاكمة الموقوفين الإسلاميين وإصدار الأحكام لن يقبل بها تنظيم «داعش».
وأمس أزالت القوى الأمنية شعارات تحريض طائفية وتهديدات ضد اللبنانيين وضعها إرهابيون من «داعش» على الجدران في بلدة غزة البقاعية. بينما دهم الجيش شقة في الزاهرية في طرابلس عثر فيها على متفجّرات ومستندات مهمة. فيما قتل المدعو علي طلال النمل في العراق أثناء قتاله مع «داعش»، وهو ثالث لبناني من طرابلس يقتل في المعارك الدائرة في العراق.
إلى ذلك، ودّع الشمال أمس الشهيد السيد في موكب مهيب ووسط أجواء من الحزن والغضب وشعارات الموت لـ «داعش « و «النصرة». وأكد ممثل وزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي في التشييع في بلدة فنيدق العميد وليد الكردي «أن دماء شهدائنا الأبرار التي حمت لبنان من الفتنة والضياع في مواجهة الإرهاب الغادر، هي أمانة في أعناقنا جميعاً، تستصرخ فينا بذل المزيد من الدماء والتضحيات، ليبقى لبنان واحداً موحداً سيداً حراً مستقلا».
حراك غير معلن لبري وجنبلاط
سياسياً لم يطرأ جديد على ملف الاستحقاق الرئاسي سوى التراشق الإعلامي بين «التيار الوطني الحر» من جهة وفريق 14 آذار من جهة أخرى، على خلفية ما سماه الأخير «مبادرة» لحلحلة هذا الموضوع. فيما أكدت مصادر عين التينة لـ»البناء» أن حراكاً غير معلن يقوم به رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط مع المعنيين في الداخل والخارج للوصول إلى رؤية معينة حول الاستحقاق الرئاسي.
بري: مبادرة رفع عتب
وأكد بري بحسب ما نقل عنه زواره لـ»البناء» أن مبادرة فريق 14 آذار هي مبادرة الرفع عتب. ورأى في تحديد هذا الفريق لبعض الأسماء للتواصل مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، وأسماء أخرى مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، عدم جدية في التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي باعتباره أن المبادرة لو كانت جدية لكان فريق 14 آذار شكل لجنة مشتركة. وتوقف بري عند تمسك 14 آذار بالمهل الدستورية، سائلاً كيف يستقيم هذا التمسك بالدستور وهذا الإصرار مع التوجه لعدم إجراء الانتخابات النيابية والسعي للتمديد التعطيلي. وقال: «إذا أراد أحد أن يلعب على حافة الهاوية… فأنا لها».
وكشفت مصادر مطلعة لـ «البناء» أن الحديث قد بدأ يأخذ مداه من أجل تحقيق معالجة شاملة وعدم الاقتصار على مبادرات جزئية أو المساعي لحل الموضوع الرئاسي. وأفادت المعلومات أنه في ضوء فشل تحرك جنبلاط، وما صدر عن 14 آذار حول ما سمي مبادرة وردّ عون، فإن الأجواء توحي بأن الاستحقاق الرئاسي سيبقى مفتوحاً لفترة طويلة، ما يفترض الالتفات إلى القضايا الأخرى بدءاً من موضوع تسليح الجيش وانتهاءً باستئناف عمل مجلس النواب وحسم الخيارات بالنسبة للانتخابات النيابية.
14 آذار تدور حول نفسها
من جهتها، استبعدت مصادر في 8 آذار أن تنتهي الاتصالات التي ستقوم بها لجنة 14 التي جرى تشكيلها من قبل فريق 14 آذار مع الأطراف السياسية الأخرى إلى أي نتائج طالما أن الهدف الوحيد من ذلك محاولة تسويق الفريق المذكور مبادرته التي تنطلق من سحب ترشيح كل من عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لأن المقصود منها إحراج الأول ومحاولة تحميله أزمة الفراغ الرئاسي.
قزي: الجميل غير قابل للطرح في البازار
وأكد الوزير قزي لـ»البناء» أن مبادرة 14 آذار من شأنها أن تفتح الحوار بين 8 و 14 آذار وتنقل الاستحقاق الرئاسي من المتاريس إلى صندوق الاقتراع، وأشار إلى أن اللجنة ليست مخولة طرح الأسماء فمهمتها تقتصر على معرفة استعداد القوى للتحاور والاتفاق على الأسماء، ولفت إلى أن اسم رئيس حزب الكتائب أمين الجميل غير قابل للطرح في بازار التفاوض.
إلى ذلك، شدّد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال استقباله النائب وليد جنبلاط والوفد المرافق أمس، على ضرورة تقوية الجبهة اللبنانية الداخلية حفاظاً على وحدة واستقرار لبنان. أما جنبلاط فأكد «محورية الدور الذي تقوم به مصر في المنطقة على الصعيد السياسي»، خصوصاً في ما يتعلق بـ»نشر الفكر الإسلامي المعتدل، ومكافحة التطرف والإرهاب».