حكومة «المصلحة الوطنية» أم «حكومة المصلحة الداعشية»!؟

يوسف المصري

أمّ الأخطاء الرسمية التي ارتكبت خلال معالجة أحداث عرسال، تتمثل بنزوع الدولة لاعتبار أن الجهة التي عليها حصراً اتخاذ القرار في شأنها هو «الجزء السني داخل المكون الحكومي». بهذا المعنى فإن قضية عرسال منذ نشوئها حتى الآن، تمت مواجهتها بوصفها قضية سنية وليست قضية وطنية لبنانية بامتياز.

وهذا التوجه لم يربك فقط القرار السياسي الرسمي في البلد، بل قاد إلى أخطاء سياسية في المعالجة جعلت الجيش اللبناني يدفع ثمنه شهداء وجرحى ومخطوفين ترتكب بحقهم اليوم الجماعات التكفيرية ممارسات متوحشة.

يقول مصدر مطلع إنه لو ترك الأمر للجيش لكان سار بموجب المنطق العسكري وفق واحد من خيارين ١- إما الدخول إلى البلدة بقوة وبشكل عسكري لا يراعي إلا موجبات الخطة العسكرية لإخراج الإرهابيين منها، وللحؤول دون تمكينهم من تحقيق أي مكاسب سوى جر الهزيمة ورائهم ٢- أو الخروج من البلدة وتحاشي نشر قوات صغيرة ومتفرقة فيها لتحاشي وضعها في موقع تكون فيه لقمة سائغة للإرهابيين.

لكن الجيش ربما بسبب ضغوط سياسية، انتظر القرار السياسي الوطني ليتحرك باتجاه أحد السيناريوين، غير أن انتظاره طال، ولم ينته إلى الخاتمة المرجوة. والسبب في ذلك غياب القرار الوطني الرسمي واتجاه الدولة لاعتبار قضية عرسال بمثابة قضية سنية، يتوجب على ممثلي السنة داخل الحكومة التعامل معها وفق اعتبارات حسابات ٨ و ١٤ آذار العقيمة.

ويبدو أن رسالة داعش لم تصل بعد إلى بعض القوى داخل الحكومة اللبنانية، وهي أنها عدو للجميع وهي حينما تتمكن لا ترحم أحداً بغض النظر عن هويته وطائفته.

وحتى الآن، وعلى رغم اتضاح خطأ الحكومة السلامية الجسيم التي نظرت لملف غزوة الإرهابيين على عرسال بوصفها مسألة سنية وأن على الدولة التعاطي معها بالاستماع لما تريده السنية السياسية في البلد، وليس عبر الإنصات لموجبات الأمن الوطني على رغم ذلك فإن ممارسة هذا الخطأ نفسه مستمرة من خلال تطبيق معاييره على تداعيات غزوة عرسال الخاصة بمعالجة سبل إطلاق مخطوفي القوى الأمنية اللبنانية. وكان تنظيم داعش هو وحده من يعتبر لبنان بلداً واحداً ودولة واحدة وعدو واحداً، فيشن عليه سياسة عدوانية شاملة، من دون تمييز.

آراء دبلوماسية

ومن وجهة نظر أوساط دبلوماسية غربية مقيمة في لبنان وثابرت على معاينة ما يحدث في عرسال في شكل دقيق، فهناك عدة ملاحظات يجب التنبه إليها، أبرزها أنه قياساً بما حدث في الموصل من انهيار سريع للجيش العراقي أمام هجمة داعش، فإن الجيش اللبناني أبدى صلابة بوجهها وأقله لم ينهار، على رغم ميوعة القرار السياسي. وتلفت ثاني هذه الملاحظات إلى خطورة التعامل بميوعة سياسية تجاه ما يحدث في عرسال، كون منطقتها بتقسيمها الديني والمذهبي والسياسي، حساسة جداً ولدرجة تجعلها قابلة للاشتعال في حال تمادى الداعشيون في التفاعل فيها مستندين إلى ميوعة سياسية لبنانية في مواجهتهم.

وبرأي هذه الأوساط الدبلوماسية فإن على لبنان التنبه لعدة أمور إضافية، منها أن داعش يستخدم ضده «إرهاب الذبح» وذلك لتطويع قراره السياسي وهز معنويات جيشه، وهو الأسلوب ذاته الذي يستعمله ضد الولايات المتحدة الأميركية وذلك لنفس الأهداف… فداعش يقسم العالم في هذه المرحلة – وفقاً لمعلومات استخباراتية – إلى ثلاثة دوائر: دائرة غير معادية يبرم معها صفقات تجارية على صلة ببيع نفطه وتحويل الأموال. وأبرز مثل على الجهات الموجودة في هذه الدائرة هي تركيا التي تبيع النفط الداعشي المنهوب من العراق وسورية عبر شركة يرأسها نجل الرئيس التركي أردوغان. الدائرة الثانية هي دائرة الأعداء القريبين وساحتهم تمتد من العراق إلى سورية وهي بطور التوسع لتشمل جزءاً من شمال لبنان وصولاً إلى السيطرة على ميناء طرابلس. وحتى تحقيق هذا الهدف فإن لبنان الآن يقع في الدائرة الثالثة الذي يمارس ضدها داعش «إرهاب الذبح» بقصد إخضاعها لمطالبها السياسية واللوجستية منها. وتوجد الولايات المتحدة ضمن هذه الدائرة ومطلوب منها بحسب داعش وقف قصفها المساند لقوات البيشمركة والجيش العراقي كمقابل لتوقفها عن ذبح الرهائن الأميركيين. وأيضاً مطلوب منها وقف الضغوط على تركيا الخاصة ببيع نفطها عبرها. أما ما يريده داعش من لبنان فهو لائحة طويلة من المطالب وعلى رأسها تطويع القرار السياسي. والواقع إن تصرف الحكومة اللبنانية خلال أحداث عرسال انطلاقاً من أن هذا الملف هو قضية سنية يلبي عن قصد أو غير قصد هدفاً يريده داعش وهو شل الإرادة الوطنية اللبنانية الشاملة في مواجهتها بغض النظر عن أسباب ذلك.

ولا يبدو حتى الآن أن الحكومة السلامية تعي هذه الوقائع. وأكثر من ذلك فهي لا تدرك أنها انزلقت لحرب شاملة كونية يوجد للبنان مساحة فوقها. باختصار كما تتصرف هذه الحكومة حتى الآن لا يظهر أنها حكومة المصلحة الوطنية بل حكومة الانصياع للمصلحة الداعشية، بغض النظر عن نوايا رئيسها وأعضائها. فقديماً قيل: الطريق إلى جهنم مملوءة بالنوايا الحسنة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى