المصالحة الفلسطينية… مبادرة ومبادرة مضادّة
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
من الواضح أن الأطراف العربية والإقليمية، بمحاورها المختلفة المتقابلة والمتصارعة، تسعي لكي يكون أي ترتيب، أو مصالحة فلسطينية تتم، تخدم مصالحها وأهدافها وأولوياتها في المنطقة والساحة الفلسطينية. وهي تنطلق بمبادراتها تلك، ليس حبا لا بفلسطين ولا بالشعب الفلسطيني وبمصالحه العليا. فما أن طرحت «الرباعية» العربية مبادرتها، القائمة على خارطة طريق لترتيب البيت الفلسطيني، كما قيل، ترتيب أوضاع حركة «فتح»، أولاً. وبعدها أوضاع السلطة. ومن ثم المنظمة. ومن بعد ذلك، التحرك السياسي والمفاوضات على أساس المبادرة العربية. هذه المبادرة، استشعرت السلطة الفلسطينية وقيادة حركة «فتح» منها، أنها تريد أن تفرض عليها شروطا وإملاءات وتتدخل في شؤونها الداخلية، بدف العمل على إيجاد ترتيبات سياسية لمرحلة ما بعد الرئيس عباس، تخدم أهدافها ومصالحها وتؤمن لها وجود قيادة فلسطينية تتفق معها في الرؤيا والموقف. ولذلك، قال الرئيس عباس أن على الذين لديهم امتدادات عربية في الساحة الفلسطينية والشأن الفلسطيني، قطعها قبل أن يقطعها. ويبدو أن الجهد والمسعى الرباعي العربي، أمكن صده من قبل حركة «فتح» والسلطة الآن. لكن لا أعتقد بأن حركة «فتح»، بواقعها الراهن ومحاورها وتكتلاتها، قادرة على الصدّ والتصدي لهذه المشاريع مستقبلاً، خصوصاً لأن ترتيب البيت الفتحاوي والفلسطيني، بات مطلباً داخلياً، قبل أن يكون عربياً واقليمياً. طبعاً مع اختلاف المنطلقات والمصالح والأهداف.
لم يمرّ وقت طويل، حتى إستشعرت قطر وتركيا، بأن مشروع «الرباعية» العربية يستهدف تطويق حليفتهما حركة «حماس»، تلك الحركة التي تتقاطعان معها في الفكر والمصالح والأهداف. إذ أن قطر وتركيا تتوليان مسائل الإعمار ومشاريع التنمية والإغاثة، في القطاع. ولذلك، يجري الحديث، الآن، عن طرح مبادرة سياسية جديدة للمصالحة بين «فتح» و«حماس» برعاية قطرية. وهذه المبادرة، تأتي في إطار التصدي لمبادرة «الرباعية» العربية وإجهاضها. وأنا أرى أنها تندرج في إطار المشاغلة والمناكفة السياسية، وترك الساحة الفلسطينية تائهة في زحمة المبادرات.
شعبنا الفلسطيني، صغيره قبل كبيره، يدرك بأنّ المصالحة الفلسطينية، ليست بحاجة إلى أيّ عاصمة عربية أو إقليمية، لكي ترتب أوضاعها وأوراقها وبيتها الداخلي. فهناك أكثر من مبادرة طرحت من فصائل وقوى وشخصيات فلسطينية، تحتاج فقط إلى إرادة سياسية ونضج قيادي وتغليب المصالح العليا للشعب الفلسطيني، على المصالح الفئوية والتنظيمية ونبذ الصراع على سلطة «منزوعة الدسم»، يسيطر الإحتلال على فضائها وبرها وبحرها. ولسنا بحاجة إلى أن نكون جزءا من المحاور والصراعات العربية والإقليمية. تلك العلاقات والتدخلات التي انعكست سلباً على شعبنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني، وحتى على وجودنا في تلك الدول. فنحن شعب واقع تحت الإحتلال، بحاجة إلى أن تقف إلى جانبنا كلّ الدول العربية والإقليمية. ويجب أن نعمل على أن نكون طرفاً جامعاً وموفقاً بين تلك الأطراف، لكي تشكل السند والداعم لنا.
أما إذا استمرينا في رهن أوراقنا ومصالحتنا إلى قوى عربية، أو اقليمية، فلا أعتقد بأننا سنصل بقضيتنا ومشروعنا الوطني إلى بر الأمان، لأن كلّ طرف يتدخل في شأننا الداخلي، سيعكس وجهة نظرة ومصلحته، قبل مصلحة الشعب الفلسطيني. وهذا لا يقرّبنا من المصالحة، بل يبعدنا عنها كثيراً، فالجميع بات يدرك بأنّ بقاء الحالة الفلسطينية ضعيفة ومنقسمة على ذاتها، ليس فقط يشجع العدو على اللعب على هذا الوتر والقول بغياب الشريك الفلسطيني، بل هذا يجعله «يتغوّل» و«يتوحش» على شعبنا وحقوقه المشروعة. ويكثف ويصعّد ويزيد من حجم ووتائر استيطانه، بشكل كبير جداً، في القدس والضفة الغربية، لتصل الأمور حدّ السعي لضمّ الضفة الغربية إلى دولة الكيان وطرح المشاريع السياسية التي تعود بالضفة الغربية إلى عهد روابط القرى البائدة ونظام «المخترة»، من قبل وزير الدفاع الصهيوني المتطرف ليبرمان، أو ما يسمى بسياسة «العصا والجزرة» والثواب والعقاب. وخلق أجسام فلسطينية محلية، يجري التفاوض معها، كبديل عن السلطة الفلسطينية. وما نشهده اليوم، من عمليات قتل وإعدامات ميدانية بحق أطفالنا وشبابنا، في ظلّ حالة من الإنسداد للأفق السياسي، وعدم قدرتنا على رسم وبناء استراتيجية فلسطينية موحدة، للمواجهة والتصدي لهذا الإنفلات والعربدة الصهيونية، سببه المباشر ضعفنا وإنقسامنا.
علينا أن نعي جيداً بأنّ التطورات العربية والإقليمية والدولية، تسير بوتائر كبيرة جداً. وحين توفر أيّ مناخ وإنفراج لحلول سياسية تقودها روسيا وأميركا في المنطقة، ستكون الساحة والقضية الفلسطينية جزء منها. ولذلك، في ظلّ شرذمتنا وإنقسامنا، لن نكون قادرين على مواجهة ودحر أية مشاريع سياسية، قد تشكل خطراً على قضيتنا وحقوقنا الوطنية وثوابتنا، خصوصاً أننا نرى أن الحالة العربية «مندلقة» على التطبيع، بشكل غير مسبوق، مع دولة الاحتلال. وبالتالي، لم تعد قضيتنا بوصلتها ولا جوهر اهتماماتها وأولوياتها. ولذلك، يجب أن نحصن أنفسنا بوحدتنا وإنهاء انقسامنا، لكي نمنع اختراق ساحتنا من أية مشاريع سياسية مشبوهة، أو حلول سياسة قد تفرض علينا، تفكك مشروعنا الوطني وتنهي قضيتنا وتقودنا نحو كارثة حقيقية.
الحلول لخلافاتنا وتحقيق المصالحة، لا يتم طبخها، أو استيلادها في العواصم العربية والإقليمية. وأي عاصمة عربية تقدم لنا العون والمساعدة، على قاعدة مصلحتنا الفلسطينية أولاً، نحن سنقدرها ونحترمها. ونرى بأن ذلك ما يمليه الواجب الوطني والقومي عليها. أما أن تربط تلك المساعدة، أو العون بأجندات ومصالح. وأن نكون جزءاً من محاور وتكتلات، فهذا يحتم علينا أن نبتعد عنها، فالضرر الواقع علينا سيكون أضعاف الفائدة المتحققة منها والتجارب أمامنا كثيرة ومؤلمة: تدخلاتنا في الشأن المصري والسوري وغيرها، تركت نتائج وخيمة على شعبنا ووجودنا.
ولسنا بحاجة لمبادرات للمصالحة من أي عاصمة عربية أو إقليمية، بل إذا ما امتلكنا إرادتنا، فنحن قادرون على تحقيق المصالحة وإستعادة وحدتنا.
Quds.45 gmail.com