«الطوز» الصحراوية تحاصر سعد ولا تأتي ببهاء
هتاف دهام
أكد التحوّل السعودي منذ وفاة الملك عبد الله وتسلُّم الملك سلمان بن عبد العزيز إلى تراجع تاريخ المملكة في لبنان بشكل عام، وتراجع دعمها للحريرية السياسية بشكل خاص.
انتهى زمن غنج الشيخ سعد على يد الملك عبد الله مع وفاة الأخير. ضعف الاحتضان الرياضي» لابن بيت الوسط، مع قرار الثنائي ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان التوقف عن دعمه مالياً وسياسياً إلى أجل غير مسمّى.
أعادت المملكة تقييم سياستها في لبنان. كان لبنان استثماراً خاسراً بالنسبة لها. فشل معتمدوها المستقبل و14 آذار في أن يكونوا بمواجهة حزب الله. كلّ المليارات المدفوعة من السعوديين بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بلغت في انتخابات 2009 وحدها 3 مليارات دولار، لم تعطِ مفعولاً.
قرّرت الأسرة المالكة إضعاف الشيخ سعد. فهل سيكون ذلك مقدمة للتخلي عنه، بعد تسلّمه عرش الحريرية بقرار سعودي وفرنسي عبّر عنه الملك عبد الله والرئيس الفرنسي جاك شيراك؟
ما مدى استعداد الحريري نفسه للتخلي عن دوره لشقيقه بهاء بموافقة العائلة التي استُبعد الأخير منها أساساً لإكمال المسيرة الحريرية؟ ما مدى صحة الظنون التي تقول إنّ رئيس التيار الأزرق قد يصل إلى حدّ الانسحاب من المعترك السياسي، إذا لم تشاركه العائلة في تحمّل الأعباء المالية لمهمته في حفظ الإرث الحريري؟
سطع نجم الإبن البكر مجدّداً مع تمويله الحملة الانتخابية البلدية لوزير العدل أشرف ريفي، لكن ذلك لا يعني وفق مصدر كان مقرّباً من الرئيس الراحل رفيق الحريري، أنّ بهاء في وارد التعاطي السياسي، والوقوف موقف الندّ مع شقيقه.
لا ينكر المصدر لـ «البناء» التناقضات العميقة بين الشقيقين، ووضع سعد غير المريح سعودياً. لكنه يجزم أنّ بهاء أبعد ما يكون عن تولي رئاسة التيار. العمل السياسي لا يستهويه.
تتعذّر على الحريري مقابلة المسؤولين السعوديين. لم يتلقَّ أيّ جواب عن طلبه الاجتماع بالملك سلمان بن عبد العزيز. أولياء العهد منفتحون على قيادات سنية أخرى، صقور في تيار المستقبل، وآخرين يتراوحون بين الوسطيين والمؤيدين لفريق 8 آذار. كلّ ذلك على حساب «الإبن المدلل».
الجيل الجديد في المملكة غير معني بما يصيب سعد من أزمات. تركت الرياض «سعودي أوجيه» تنهار. أقفلت الحنفية المالية التي كانت تضخ الدولارات للحريري. هناك توجه من محمد بن سلمان لوضع اليد عليها.
لم يقدم السعوديون لرئيس تيار المستقبل أيّ «شيك أمل» يبني عليه للمرحلة المقبلة. لا يتردّد أحد القريبين من النائب الحريري في قول إنّ الرجل ينفق من جيبه على الإرث السياسي لوالده. نال كلّ واحد من الورثة حصته، وأدار ظهره. الرياض قطعت يدها عن الدعم. صحيح أنّ الرئيس الراحل لم ينفق دولاراً واحداً من جيبه، وأنه كان أحياناً يمرّ بأزمات مالية جراء تأخر التحويلات السعودية، لكنه لم يعان يوماً ما يعانيه اليوم الإبن. يتحمّل الأخير تبعات كلمة الجزار تلفظ بها في جلسة خاصة مسجلة أيام لجنة التحقيق الدولية ضدّ محمد بن نايف، وفي الوقت نفسه تحمّله الإدارة الحالية مسؤولية فشل مشروعها في لبنان.
ربما تكون الانتهازية السعودية وراء صمّ الحريري أذنيه في المستقبل القريب قبل نهاية العام وتبنّي انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية لقاء عودته للسلطة.
أضاء أصابيعه العشرة. نصّب نفسه ولا يزال المدافع الأول عن الرياض في وجه الجمهورية الإسلامية وحزب الله. كلّ ذلك ذهب أدراج «الطوز» الصحراوية.
لا يتوقف المعنيون في المملكة عند ما يقوله ولا يعيرونه أيّ اهتمام. فضلاً عن هذا فإنّ كثراً من المنضوين تحت جناح «الزرق» نهاد المشنوق، فؤاد السنيورة وأشرف ريفي يهيّئون أنفسهم لترؤس التيار ويروّجون لذلك على عتبات قصور آل سعود.
بالتأكيد، لا يعني السلوك السعودي مع الشيخ سعد، فتح الأبواب أمام الشيخ بهاء. لا تربط الأخير بالأسرة الحاكمة أية علاقة ودية. لم يضع بهاء نفسه في الموقع الذي يريد أن يستمرّ فيه للحفاظ على علاقات سياسية مع الأمراء. اهتمّ بمشاريعه وشركاته في الأردن وغيرها. خرج من دائرة رهان أن يكون قائداً سياسياً.
لكن ذلك، لا يعني أنّ رئيس شركة الأفق للتنمية والتطوير هورايزن المالكة الكبرى لشركة العبدلي في الأردن غير شامت بمأزق شقيقه. تاريخ الإطاحة بارتدائه عباءة والده خلفاً له، ولّد حقداً لا يزال كامناً عنده منذ لحظة توريث أخيه.
ظهرت على السطح تمايزات منذ لحظة تقاسم الإرث بين الأشقاء والسيدة نازك، بعد محاولة رئيس التيار الأزرق احتكار إدارة التركة وتبديدها. تطوّرت مشاريع رجل الأعمال الحريري الاقتصادية في لبنان والدول العربية والأوروبية. باع حصته في أوجيه الى رئيس تيار المستقبل مقابل شيكات تلكأ الأخير في تحويلها سيولة حتى اليوم.
ما زاد الطين بلة ترشيح الحريري لجمال عيتاني لرئاسة بلدية بيروت، رغم اتهام بهاء له باختلاس أكثر من 20 مليون دولار في مشروع العبدلي في الأردن. دفعت التراكمات بين الأخوين دخول «المليادير» على خط التناقضات والتصدعات داخل تيار المستقبل. فدعم الوزير ريفي شخصياً ومادياً في الانتخابات البلدية في طرابلس. هكذا أسقط رئيس التيار الأزرق عن سابق إصرار وتصميم.
منذ أن وصلت الأزمة الحريرية إلى المأزق الوجودي، ومنذ أن حقق «اللواء» مكاسب كبيرة في عاصمة الشمال، متوعّداً الحريري بلوائح نيابية على مساحة الوطن، بدأت تمرّر تسريبات أنّ أحد الحلول لمشكلة بيت الوسط تكليف بهاء بسداد ديون الحريري كلها في السعودية وأن تؤول إليه زعامة البيت.
هذا الطرح، وفق مقرّبين من الحريري غير واقعي. ليس أكثر من محاولة إثارة غبار لا يعبّر عن واقع. هناك أزمة علاقات شخصية ومصلحية متعدّدة داخل قريطم، لكن «الشيخ الأزرق» لن يُخلَع عن كرسيه ولن يركب حريري آخر مكانه. مهما ساءت ظروفه فلديه الحدّ الأدنى من القاعدة الشعبية ولو حصراً بقيادة بيروت وصيدا، بعدما أصبحت طرابلس شأناً آخر فمعطيات الحرب السورية خلقت واقعاً جديداً في المدينة الشمالية.