الفضائيات الدينية وسيلة للتحضر.. أم أداة للحضّ على المجازر الطائفية؟
نبيل المقدم
لوحظ في الفترة الأخيرة تنامي ظهور الفضائيات الدينية في عالمنا العربي ليس فقط بسبب ان الذين يشاهدون هذه الفضائيات يرغبون بالمتابعة من خلالها ما يجري من احداث في العالم العربي والعالم فقط، بل أيضاً لأن هذه المحطات تقارب في برامجها الشأن الماورائي وهو موضوع فضول دائم لدى المتدينين.
ورغم وجود عدد كبير من الفضائيات الدينية والتي تبث من أنحاء مختلفة من العالم فإن عدد الأشخاص الذين يشاهدون هذا النوع من القنوات في الدول المتقدمة هم قليلون جداً. وذلك ليس بسبب أن المجتمعات في هذه الدول ترذل الإيمان، بل لأن الناس هناك يفصلون بين الدين والحياة اليومية فهم يعتبرون ان العبادة شأن فردي بين الإنسان وخالقه وليس أمراً للاستعراض العام.
اما في العالم العربي فإن هذه الفضائيات تستعمل لغايات سياسية وذلك على قاعدة الاستغلال السياسي للدين.
فمن المعروف عادة أن استنفار الكلام الديني عن فئة معينة يجر الى استنفار مماثل في الجهة المقابلة. فما بالك إذا أتى هذا الكلام من اطراف تتخذ من الدين غطاء لصراعاتها السياسية. وهذا ما يحدث من خلال بعض رجال الدين الذين يذهبون للتذكير بأحداث دينية معينة ليس هناك من إجماع على صحة وقائعها المنقولة والمتواترة أضف الى ذلك قيام تنظيمات حزبية ذات صبغة طائفية معينة برفع يافطات دينية تذكي الأحقاد التي من المفترض أن تكون قد دفنت منذ زمن بعيد. ولا يجوز تحميل الناس اليوم مسؤولية أحداث يتبين من خلال الرجوع الى العقل أنها تحمل الكثير من المبالغات غير العقلانية.
في لبنان، فان معظم الفضائيات الدينية هي فضائيات غير مرخّص لها بالعمل، وهي تنتشر في الكثير من الأحياء والمناطق، وهناك تقصير من الدولة في اللبنانية في ملاحقتها ومنع خطابها المذهبي الأرعن الذي لم يستعمل يوماً إلا في سبيل غايات سياسية واقتصادية. فالحرب الصليبية لم تكن لإخراج مهد المسيح من يد المسلمين كما اشاع الغزاة يومها بل كانت من اجل مكاسب اقتصادية للدول التي شاركت في هذا الغزو. والأمر نفسه موجود اليوم في الاحتقان السني الشيعي والذي يستعمل فيه البعض المحطات الدينية الفضائية ليس لبث خطاب ديني معتدل بل لتأليب الناس على بعضها البعض طائفياً ومذهبياً.
وحتى لا نتّهم بالمبالغة وبإعطاء صورة قاتمة، فإننا نسارع للقول إنه رغم كل شيء فإن هذ الخطاب مازال تأثيره محدوداً على الللبنانيين حتى هذه الساعة وإن كان قد أثر سلباً في بعض النفوس وجعل أصحابها ينحون نحو التطرف الديني.
ولكن هذا لا يعني ان هذا الخطاب غير معرض للنمو والازدهار، وخاصة في ظل تطور الاحداث في العالم العربي في السنوات الاخيرة، بخاصة تلك التي اصطلح على تسميتها بالربيع العربي، والتي لم تحمل معها سوى تفتح البغض والكراهية والنعرات المذهبية بين أبناء الديانة الواحدة والشعب الواحد الى درجة أننا أصبحنا في زمن داعش والنصرة والذي ترتكب فيه المجازر والمعاصي باسم الإسلام.
ومما لا شك فيه إن معظم الفضائيات التي تمارس التحريض المذهبي، هي فضائيات مشبوهة ولا تمتّ الى حقيقة الدين الإسلامي بصلة. ولا يستبعد ان تكون ممولة من أجهزة مخابرات معادية للعرب والاسلام.
فدور هذه الفضائيات المشبوهة هو إيجاد صراع طائفي. وهي استفادت كثيراً من تراجع التيارات القومية في العالم العربي، حيث راح الشباب العربي يبحث عن اتجاهات اخرى، فكان احد ابرز متلقفيه هو التيار المذهبي المتطرف. فبينما كان التيار القومي تياراً جامعاً لكل الطوائف والمذاهب اتى التيار المتطرف ليأخذ هذا الشباب ليس نحو التفرقة فحسب، بل نحو خطاب أخطر يدعو إلى إلغاء الآخر عن طريق القتل والذبح وعدم التماشي مع التطور الحضاري.. مما يُنذر بكارثة اجتماعية وسياسية كبرى في العالم العربي، المستفيد الأكبر منها «إسرائيل».
صحافي وكاتب