أوباما و«فانتازيا» مواجهة «داعش» حتى إشعار آخر
تصدّر «داعش» وتهديداته المرتقبة اهتمامات نخب مراكز الابحاث الاميركية، بالتزامن مع قرب انتهاء فصل العطل الصيفية واحتفالات عيد العمال، المسمّى عيد العمل في اميركا، بخلاف دول العالم قاطبة التي تحييه في الاول من ايار من كل عام.
يستعرض قسم التحليل المرفق التصريحات الاميركية القلقة من تجسيد مخاطر تنظيم الدولة الاسلامية، وامكانية شنه هجمات داخل الاراضي الاميركية. القلق الرسمي والتشاؤم الشعبي له ما يبرره عند الاخذ بعين الاعتبار انخراط «بضع مئات» من الاميركيين في القتال ضمن صفوف «داعش»، وربما اضعاف ذلك العدد من المؤيدين والمناصرين في اميركا. بعض الساسة استغل فرصة التهديد لاثارة عدم قدرة الدولة الأميركية التحكم بحدودها المشتركة مع المكسيك، التي حمّلها حاكم ولاية تكساس مسؤولية دخول عناصر «داعش» الى الأراضي الأميركية.
أيضاً سيتناول قسم التحليل جهود الولايات المتحدة لمكافحة تمدّد «داعش» وضرورة لجوئها في نهاية المطاف، رغم النفي والتردد والتأجيل، للتنسيق المباشر او غير المباشر مع الحكومة السورية في هذا الصدد.
هاجس «داعش»
انضم معهد الدراسات الحربية الى الدعوات المطالبة بعدم الاستخفاف بقوة وبأس الدولة الاسلامية، اذ ان مخططها في بسط نفوذها على اراضي سورية يرمي الى تحقيق «السيطرة على وادي نهر الفرات الاستيلاء على البنية التحتية الحيوية للنفط توفير حرية الحركة والمناورة لعناصره عبر الاراضي الكردية في سورية طرد ما تبقى من قوات الجيش السوري من قواعدها شرقي سورية والاستيلاء على خطوط امداد حيوية تمتد على طول الحدود التركية.» واوضح ان «داعش» يمضي في انجاز تلك الاهداف «بالرغم من الغارات الجوية التي يتعرّض لها في شمال العراق ولقصف مستدام من سلاح الجو السوري».
حذر معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى من تداعيات سيطرة قوات «داعش» على مطار الطبقة العسكري مما يؤشر على «طبيعة وحجم القوى المطلوبة لوقف اندفاعه…» واضاف ان انتهاج الدولة السورية سياسة «التخلي عن بعض مواقعها المعزولة امر مسلم به… وتقاتل قواتها على جبهات اخرى ضد وحدات متعددة من المتمردين،» معربا عن اعتقاده بقرب «خسارة الدولة السورية لمحافظة دير الزور واضطرارها لمقاتلة الدولة الاسلامية في مناطق اكثر قربا الى مراكزها».
اعتبر معهد بروكينغز ان ظاهرة الدولة الاسلامية هي «ثمرة للحرب الباردة في الشرق الاوسط،» التي يكمن جذرها في «فشل السلطات الرسمية بسط سيطرتها على حدودها وبلادها، وعدم توفير الخدمات المطلوبة لمواطنيها، واخفاقها في بلورة هوية سياسية مشتركة باستطاعتها تشكيل ارضية لمجموعة سياسية» متجانسة. واوضح ان «انهيار سلطات الدولة… في سورية والعراق امتدّ ايضا الى لبنان واليمن وليبيا وربما بعض مناطق في مصر» مما دفع التيارات المحلية الى ملء الفراغ السيادي».
وجه معهد ابحاث السياسة الخارجية نقدا لاذعا يرد فيه على «نبرة الخطاب الدونية للرئيس اوباما… فيما يخص الغارات الاميركية بأن المقاتلات الجوية لا تتبع سلاح الجو العراقي.» وطالب الكاتب الولايات المتحدة الاستعانة باسلحة جوية اخرى «عربية وتركية للقتال في العراق… اذ ان الجولة الراهنة تنطوي على الفوز بعقول العالمين العربي والاسلامي».
مصر
دان معهد كارنيغي حملة الدولة المصرية «لمكافحة الارهاب التي اسفرت عن ابعاد وتغريب مواطنيها، لا سيما التجاوزات المتعلقة بالاعتقالات الشاملة… وغياب المساءلة لمنفذي اعمال القتل، واستثناء معظم الاسلاميين من الحياة السياسية والمناصب العامة، والاساليب البشعة المستخدمة لتهميش منطقة سيناء.» وحث المعهد الادارة الاميركية على بذل مزيد من الجهود «للنظر بتلك القضايا خشية إسهامها في تغذية ومفاقمة الارهاب بوتيرة أسرع من مواجهته».
تناول معهد كاتو البعد الاقتصادي في الصراع الجاري راهناً في المنطقة العربية، معتبراً ان «جذر مشاكل المنطقة تعود الى إسراف السلطات الرسمية في تطبيق السياسات الاشتراكية… وينبغي لفت الانتباه الى الفوائد العائدة على تطبيق برامج كبرى من الخصخصة» التي اوجزها في «الشكل الذي تتخذه الخصخصة وضروريته للفوائد الاقتصادية وضمان تأييد الشعب للاصلاحات… اعتماد الشفافية في تطبيق عملية الخصخصة… اهمية الملكية والادارة الخاصة للقطاع المصرفي كي تضمن نجاح اعادة الهيكلة… ينبغي ان تشكل الخصخصة جزءا من برنامج اشمل للاصلاحات الذي من شأنه توسيع نطاق الاقتصاد الليبرالي وفتح ابواب المنافسة في اقتصاديات منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا».
افغانستان
حذرت مؤسسة هاريتاج دول حلف شمال الأطلسي، التي تعقد مؤتمر قمة لها في بريطانيا الأسبوع المقبل، من تكرار تجربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان وانهيار أركان الدولة «عقب وقف المساعدات المالية». وقال موضحا انه عندما قررت «روسيا وقف تمويلها لنظام الرئيس محمد نجيب الله عام 1992، توقف سلاح الجو عن طلعاته نظرا لعدم توفر الوقود، وارتفعت نسبة فرار الجنود الى 60 في المئة احتجاجا على عدم تلقيهم رواتبهم ونقص المواد الغذائية» مما اسس الارضية «للفوضى» في افغانستان «واسهم في تسلّم طالبان مقاليد البلاد عام 1994». وحث دول الحلف على «استيعاب تلك الدروس وعدم فك ارتباطها من افغانستان في هذه المرحلة الهامة».
التحليل «داعش»: لغز وهاجس
اقرار الرئيس اوباما بخطورة «الدولة الاسلامية» وما تشكله من تهديد لمصالح الولايات المتحدة ينطوي على البعد السياسي يرافقه عامل الخطر الفعلي، على الرغم من تصريحاته السابقة المغايرة لذلك. وأتى اقراره ثمرة لجملة تصريحات تحذيرية لمسؤولين حاليين وسابقين في الحكومة الاميركية، كان آخرهم المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، مايكل مويل، اذ قال: «يتوفر لدى قيادة وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزيري الخارجية والدفاع، كل الأدلة بأن «داعش» يمثل خطراً على الولايات المتحدة على وجه الخصوص، لأن المجموعة قد جذبت اهتمام الكثير من الغربيين للانضمام إلى صفوفها».
كما جاء اقرار اوباما ترجمة حية لتوقعات المراقبين بانه سيتخذ قراره النهائي لتوسيع ساحة الحرب ضد قوات «داعش» نهاية الاسبوع الجاري، بعد طول تردد وتحذير الساسة والاجهزة الأمنية من «عدم توفر معلومات استخبارية دقيقة عن الاهداف المحتملة، والخشية من تفعيل سورية لدفاعاتها الجوية، فضلا عن احتمال توفر اسلحة مضادة للطائرات بين ايدي داعش».
وعليه، العامل السياسي يطغى على تصريحات الرئيس اوباما الذي «اضطر» لتعديل سياسة ادارته بشأن «داعش» في اعقاب مقتل الصحافي جيمس فولي وجز عنقه على ايدي الدولة الاسلامية. اوباما ادان عملية القتل من مقرّ اجازته السنوية، ومضى يستأنف ممارسة لعبة «الغولف» المفضلة لديه. وحصد اثر ذلك سلسلة انتقادات شديدة تتهمه بعدم المبالاة وتقليص مهام منصب الرئاسة، وذهب آخرون الى «عدم اكتراثه بخطورة تنظيم الدولة الاسلامية على الداخل الاميركي،» وخاصة في ظل تصاعد تصريحات مسؤولين عسكريين وسياسيين، آخرهم كان حاكم ولاية تكساس، ريك بيري، الذي اطلق صيحة تحذير بأن «اعضاء «داعش» رسوا على الاراضي الاميركية عبر الحدود المشتركة مع المكسيك».
في خطابه الاخير، رد اوباما على خصومه الداخليين بأن بلاده «لا تمتلك استراتيجية» واضحة المعالم بشأن «داعش»، داعيا الى بلورة تحالف دولي واقليمي «لتوفير الدعم الجوي المطلوب» في ملاحقة «داعش» كلمة السر لشد الرحال الى الاراضي السورية. ما يعزز هذه الفرضية «الصراع الجاري داخل اوساط الادارة المختلفة بغية التوصل الى تعليل قانوني يخوّل الولايات المتحدة وحلفاءها شن غارات جوية داخل اراضي دولة لم تفصح حكومتها عن موافقتها للقيام بذلك.» جدير بالذكر ان الصلاحيات الدستورية الممنوحة للرئيس تخوّله شن عمليات عسكرية على امتداد 90 يوما من دون الحاجة للتوجه الى الكونغرس طمعا في اصطفافه خلف تلك السياسة. بل اوضح اوباما في هذا الشأن انه «من السابق لاوانه طرح خطة عسكرية امام الكونغرس اذ انها غير موجودة».
يتضح من تصريح الرئيس اوباما الاخير انه ينوي السير بحذر شديد من مغبة التهور او الانزلاق الى مغامرة عسكرية تتدحرج وتنمو، والتركيز على ما يمثله «داعش» من خطورة على الوضع الدولي، والتخفيف بالمقابل من خطورته على الداخل الاميركي، الأمر الذي يعكس حالة التخبط كما جاء في تصريحات قادة الاجهزة الأمنية الداخلية وتقييمها لطبيعة المخاطر.
للدلالة على حالة التخبّط المشار اليها نورد ما جاء على لسان مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي، يوم الجمعة 22 آب الجاري، بأن كليهما لا تتوفر لديه معلومات محددة او موثقة من تهديدات ارهابية لـ»داعش» ضد الاراضي الاميركية. بالتزامن مع تلك التصريحات صدر ارشاد عن الاجهزة الأمنية موجه لقوى الأمن واجهزة الشرطة الداخلية يعرب فيه عن «قلق المسؤولين الاميركيين من امكانية لجوء مؤيدي «داعش» إلى شن هجمات في مناطق اخرى من العالم دون سابق انذار».
الاجهزة الامنية المختلفة رفعت درجة تأهبها ولاحقت منذ زمن الجاليات والتجمعات الاسلامية داخل الاراضي الاميركية، واعربت وزارة الأمن الداخلي عن قلقها من «الجاذبية التي تشكلها المجموعات المسلحة في سورية بالنسبة للمسلمين الاميركيين،» والذي جاءت ترجمته فعليا على ضوء مقتل مسلم اميركي الجنسية من اتباع «داعش» في سورية، دوغلاس ماكين، وتوارد انباء عن مقتل اميركي آخر هناك. يذكر ان بضع مئات من الاميركيين يشاركون المسلحين في سورية ويخشى عودتهم لبلادهم لمزاولة نشاطاتهم ضد الولايات المتحدة.
تعرّض الرئيس اوباما الى سلسلة انتقادات جراء استخفافه بتهديد «داعش» لاميركا سابقا بتوصيفه للتنظيم مقارنة بالقاعدة بأنه مجموعة لاعبين هواة، وتنبيه البعض إلى ان العدد الاكبر من مؤيدي التيارات الدينية المتطرفة ما زالوا يقيمون في الاراضي الاميركية. وقالت وزارة الخارجية انه ليس بوسعها تحديد دقيق لعدد الاميركيين الذين انخرطوا في القتال مع «داعش»، لكنها استطاعت التعرف على 12 منهم. ما تبقى من الارقام يقع ضمن باب التخمين والذهاب لتقدير اعداد المنتسبين بالمئات، نظرا «لقدرة الاستخبارات الاميركية المحدودة داخل سورية».
جدير بالذكر انه بالاضافة الى اعداد المنتسبين من الاميركيين لصفوف «داعش» هناك فريق آخر ينضوي تحت لواء «جبهة النصرة » واشارت شبكة سي بي اس للتلفزة الاميركية ان عددا غير معروف من الاميركيين انضم ايضا للقتال في صفوف «الجيش السوري الحر» لم تشأ وزارة الخارجية الاقرار باعدادهم الحقيقية، بينما تتنامى مشاعر القلق لدى الاجهزة الأمنية الاخرى لتتبع تحركات مناصري الدولة الاسلامية، الذين «يشكلون مصدر التهديد الاكبر » وقدرت اعدادهم بنحو 7،000 عنصر اجنبي يقاتلون في سورية بالاضافة الى نحو 400 عنصر حامل لجواز السفر الاميركي يؤيدون التنظيمات المسلحة في سورية.
واوضح مسؤول اميركي لصحيفة «واشنطن تايمز» ان الولايات المتحدة «تدرك وجود بضع مئات من حملة جواز السفر الاميركي منخرطون في صفوف الدولة الاسلامية في سورية او العراق ومن العسير التثبت من بقائهم في سورية ام انتقالهم الى العراق».
اوساط وزارة الدفاع رسمت صورة اشد سوداوية للمخاطر التي تشكلها «المجموعات الارهابية وما تمثله من مستويات لم نعهدها من قبل.» يذكر ان شابا اميركيا بلغ من العمر 22 عاما، من سكان ولاية فلوريدا، نفذ عملية انتحارية في سورية في شهر أيار من هذا العام ووجهت تهمة التآمر الشهر الماضي لامرأة اميركية من ولاية كولورادو بعد عرضها مساعدتها «لمنظمة ارهابية اجنبية في اعقاب اعتراف ادلت به لمكتب التحقيقات الفيدرالي بأنها كانت تنوي التوجه لسورية لمقابلة رجل ادعى انه محارب في صفوف «داعش». كما ترصد السلطات الأمنية وسائط التواصل الاجتماعي، بمختلف تنوعاتها، وتتبع ما ينشر عليها من ادبيات تفيد بتواجد عناصر «داعش» في مدن اميركية مثل شيكاغو ولاس فيغاس. وتيقظت الاجهزة تلك الى المظاهرات الحاشدة التي شهدتها مؤخرا مدينة فيرغسون بولاية ميزوري، والتي رفع فيها احدهم شعار «داعش هنا».
واوضح وزير العدل الاميركي، اريك هولدر، المخاطر امام مؤتمر دولي في النرويج الشهر الماضي، ان الأمر ينطوي على «ازمة عالمية بحاجة الى حلول دولية. اذ حولت الازمة السورية المنطقة الى مهد للتطرف العنفي». وأنب المجتمع الدولي على مهادنته لاولئك «وليس بوسعه الركون جانبا وترك الظاهرة تستشري وتصبح وجهة لتدريب مواطنينا ليعودوا في اعقاب ذلك لشن هجماتهم ضدنا».
مسؤولون اميركيون عدة انضموا لحملة التهويل من مخاطر شن «داعش» هجمات في الداخل الاميركي، اذ حذر عضو لجنة القوات المسلحة الجمهوري في مجلس الشيوخ، جيم اينوفي، الادارة الأميركية والأجهزة الأمنية المتعددة من «سعي داعش الحثيث لتطوير قدرته ويظفر بتفجير مدينة اميركية بأكملها». واضاف ان الولايات المتحدة «أضحت في وضع اشدّ خطورة اليوم عليه عما عهدناه في السابق» محملاً المسؤولية لتوجهات الادارة في تقليص ميزانيات وزارة الدفاع.
الناطق باسم البنتاغون، الادميرال جون كيربي، اوضح ايضاً خطورة تنظيم «داعش»، بالتوازي مع تصريحات وزير الدفاع تشاك هيغل. وقال كيربي لشبكة سي ان ان للتلفزة «هناك خشية حقيقية من استيعاب اولئك «داعش» دروس ما تدربوا عليه… والعودة للبلاد وشن هجمات ارهابية».
في سياقٍ موازٍ، اوضح عدد من جنود القوات الخاصة الاميركية والذين شاركوا في العدوان الاميركي على العراق ان الهوية الاسلامية المتشددة لـ«داعش» لن تقف حائلا او عائقا امامه لعقد تحالفات مع قوى لا تشاطره عقيدته المتطرفة طمعا في تعزيز فعاليته القتالية. وزعم احد عناصر وحدة «القبعات الخضر» في القوات الخاصة ان «داعش» يسخر الاموال التي استولى عليها من البنوك والمصارف لاستقطاب كفاءات تقنية من خارج صفوفه خاصة أطقم الصيانة الخاصة بإعادة تأهيل المعدات العسكرية التي استولى عليها من القوات العراقية والسورية. واضاف ان «داعش» اصبح محطة يقصدها ضباط سابقون في الجيش الوطني العراقي، منهم من كان عضو في حزب البعث الحاكم، مما وفر لـ«داعش» مهارة عسكرية معتبرة.
التهويل من تواجد «داعش» داخل الاراضي الاميركية ربما فيه بعض المبالغة لاسباب واعتبارات محلية بحتة. بيد ان الاجهزة الأمنية «الساهرة» على حماية أمن البلاد تذهب لتحديد بعض الاهداف المرشحة لهجوم «داعش» الذي «سيسعى لاستهداف اكبر تجمع عام لتحقيق اقصى قدر من الدعاية على غرار امثاله في الهند وكينيا». وقد تشكل «الملاعب الرياضية والاسواق التجارية والمطارات والمدارس والفنادق والمستشفيات ودور العبادة» اهدافا موآتية.
التهويل من «داعش» وحشد الجمهور لتأييد جولة اخرى من حرب عدوانية ذهب لابعاد متطرفة في توقعاتها ايضاً، ومضى بعض المسؤولين، ومن ضمنهم السيناتور جيم اينوفي، الى التحذير من امتلاك «داعش» تقنية قنبلة إشعاعية ينوي تفجيرها في اميركا «مستغلا توفر بعض المواد المشعة لديه والتي سرقت مؤخرا من مختبر ابحاث عراقي للطاقة النووية».
مستقبل قاتم للعراق وسورية تعود للصدارة
بعدما تحقق للولايات المتحدة إقران العراق بـ»داعش» ومشتقاتها من التنظيمات المسلحة، تمضي قدما في استمالة «زعماء العشائر السنية والاكراد» لتحقيق اهدافها في تقسيم وتشظي العراق، التي تبنّتها بشكل رسمي على لسان نائب الرئيس جو بايدن. واوضحت اسبوعية «نيوزويك» 28 أب، على لسان الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، باتريك سكينر، انه ربما يترتب الأمر على «قطع واشنطن تعهدا للاكراد بدعم استقلالهم عن الحكومة المركزية في بغداد… ويتعيّن على ادارة الرئيس اوباما الاقرار بأنّ جغرافية العراق التي رسمتها بريطانيا في القرن الماضي لم تعد موجودة الآن، اذ أضحى ثمة مجموعة خطوط رسمت على الخريطة». واضاف سكينر اننا امام «لوحة تضمّ انهيار دولتين».
في الشق القانوني البحت، تتيح المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة استخدام الدول القوة العسكرية كحق مشروع للدفاع عن النفس، كما باستطاعتها طلب المساعدة المسلحة من دول اجنبية لذات الغرض، كما في حال العراق. في هذا الصدد حذرت الحكومة السورية، على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم، بانها ستعتبر اي تدخل عسكري اميركي في اراضيها «عمل عدائي» ان لم يتم بالتنسيق والاستشارة مع بلاده.
واوضح استاذ القانون الدولي في جامعة نيويورك، رايان غودمان، مأزق الولايات المتحدة لشن غارات جوية دون الحصول على موافقة سورية قد ينطوي على تعقيدات جمة. وعليه، يفيد الضالعون بالقانون الدولي ان الولايات المتحدة تواجه معركة شاقة مع حلفائها لاقناع بعضهم بالارضية القانونية للقيام بطلعات جوية فوق الاراضي السورية.
بالاضافة للعامل القانوني، الذي لا تعيره اميركا كثيرا من الاهتمام كما يشهد احتلالها للعراق، فان تأكيد الرئيس اوباما على عدم نيته التوجه للكونغرس للحصول على تفويض باستخدام القوة «بعد» ربما جاء لاعتبارات داخلية وانتخابية بحت، وتنفس بعض المشرعين من الحزبين الصعداء لحساسية ودقة تأثير مثل هذا الأمر على التوازنات الانتخابية المقبلة.
لافروف: الغرب قصير النظر
على المستوى الدولي، اتهم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الغرب بازدواجية المعايير وقصر النظر لرفضه التعاون مع سورية في مكافحة الارهاب.
تجليات السياسة الاميركية المقبلة في الاقليم مع الافتراض انها ستهدف الى القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية تستدعي بروز طرف او اطراف اخرى «من قوى السنة» لملء الفراغ الناجم عن غياب «داعش»، وما اصرارها على انشاء تحالف اقليمي من السعودية ودول مجلس التعاون الا دليل على مراميها في المدى المنظور «لانشاء كيان سياسي من السنة باستطاعته ادعاء تمثيل طائفته وتمكينه عسكريا للتصدي للدولة الاسلامية والقاعدة والنظام السوري والشيعة» ايضا.
وهذا ما يفسّر إصرار السياسة الاميركية على إفساح دور اكبر لإقليم الأكراد في العراق، عززته بإعلانها عن توريد الأسلحة له مباشرة، فضلاً عن نشرها لنحو 150-300 عنصر من قواتها الخاصة في كردستان، التي بفضلها استطاعت قوات البيشمركة الكردية تسندها الغارات الجوية الاميركية في التصدي لقوات «داعش».
لا يبدو اوباما مستعجلا لمواجهة «داعش» ابعد من المسرح العراقي في المدى المنظور، وكان لافتاً في تصريحه الاخير ان يعود الى نغمة تعزيز ما اسماه بالقوى المعارضة المسلحة المعتدلة في سورية لكي لا يكون الخيار بين النظام و»داعش». اوباما نفسه اعترف منذ اشهر قليلة بان الحديث عن وجود معارضة معتدلة هو نوع من الفانتازيا ضرب من الخيال. كما انه يدعو الآن الى تشكيل تحالف دولي واقليمي لمواجهة «داعش» يكون عماده الاقليمي الدول التي شجعها لـ3 سنوات خلت على تسليح ودعم الجماعات المسلحة في سورية لإسقاط النظام، ويتهمها الآن بأنها عملت على تحقيق مصالحها الخاصة بدعم هذه الجماعات وعليها ان تكون جدية في مواجهة التطرف.
لا تبدو هذه الدول المعنية مستعدة للتراجع عن مغامراتها او اوهامها في مقاربتها للوضع الراهن في سورية رغم شعورها بخطر «داعش» الداهم على ابواب عروشها، وطالما ان مساعي تشكيل تحالف لمواجهة خطر «داعش» يستثني إيران وسورية من دائرته سيبقى أقرب الى الوصف الذي أطلقه اوباما نفسه ضرباً من ضروب الفانتازيا.