مختصر مفيد سورية فرضت مفهومها للحرب وستفرض مفهومها للسلام

مَن يعُد بالذاكرة إلى السنة الأولى من الحرب على سورية فسيقع على توصيفين متقابلين لما يجري واحد يقول إن المضمون الرئيسي لهذه الحرب هو التحدي الذي يفرضه الوجود المتنامي للإرهاب تحت ظلال تشكيلات المعارضة التي ترفض تمييز نفسها عن الإرهاب بداعي أن الأولوية هي لما تطرحه من أهداف يختصرها سعيها لتسلّم الحكم بدعم خارجي، وما يتضمّنه من سعي لتغيير موقع سورية في صراعات المنطقة وفي مقدّمتها الصراع مع إسرائيل. والتوصيف الثاني يقول إن في سورية ثورة شعبية تقودها معارضة مدنية تتعرض للقمع والعنف ويفترض تقديم الدعم لها لتتمكن من تحقيق أهدافها ومحورها إسقاط النظام وأن ما تمكن تسميته من ظواهر إرهابية ليست إلا اعراضاً جانبية مرافقة للصراع الرئيسي وستزول بزواله ونجاح هذه «الثورة».

إلى جانب المواجهة بين هذين التوصيفين كان توصيفان آخران يتقابلان هما كيفية النظر للملف السياسي الداخلي في سورية ومكانته في الحرب، بين توصيف أول يرى أن القضاء على الإرهاب يستدعي فتح المجال لحوار سوري سوري لصياغة تفاهم وطني ينطلق من التشارك في الحرب على الإرهاب، ويضع تصوراً متفقاً عليه لإصلاح سياسي يجسده دستور جديد تضعه حكومة موحدة تشارك فيها المعارضة الوطنية، تمهيداً لاستفتاء على الدستور والاحتكام إلى صناديق الاقتراع ليختار السوريون مَن يمثلهم في المناصب السيادية. وبالمقابل توصيف ثانٍ يقول برفض الحل السياسي السلمي ويُصرّ على حل عسكري تقوده الدول الأجنبية، على الطريقة الليبية، وينتهي بتسكيل مجلس حكم انتقالي على الطريقة التي شهدها العراق بعد الاحتلال الأميركي، وما يعنيه كل ذلك من وضع سورية تحت الفصل السابع وسلب سيادتها، وإعادة صياغة دولتها الوطنية، وفقاً للوصفتين اللتين رعى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا إحداهما وفقاً لتجربته في العراق، ويمجد الثانية كمصدر إلهام وفقاً لخبرته في لبنان، والقصد إعادة تنظيم للدولة على أساس طائفي، وما تتضمنه من تهديد لوحدة سورية.

خلال سنوات الحرب انتقل العالم كله، وفي طليعته الذين يخوضون الحرب على سورية وفي مقدّمتهم واشنطن من إنكار وجود خطر يمثله تمدّد الإرهاب وتجذره في سورية، إلى التسليم باعتباره أولوية، وانتقلوا ايضاً من إنكار الحل السياسي أو محاولات تضمينه مصطلحات وشروطاً تجعله مشروع حرب، حتى سلّموا أخيراً بالحل السياسي، وفي الشأنين يستعيرون التعابير التي كانوا يعتبرونها دليلاً على غربة المقاربة التي تقدّمها الدولة السورية عن الواقع.

يخرج الأميركيون من مفهوم حرب السيطرة بعد صمود أسطوري لسورية، ليخوضوا اليوم حرب الحصص والمصالح والخطوط الحمراء، التي يحاولون فرضها على الدولة السورية التي اكتشفوا أن كل قوتهم لم تنفع لإسقاطها، ليربطوا الاعتراف بشرعيتها مجددا، بشروط تبدأ من السعي للحصول على امتيازات أمنية تقول غارة دير الزور إنهم سيبقون الإرهاب قادراً على الصمود ما لم يتمّ قبولها، مثلها امتيازات نفطية واستراتيجية في البلد الذي يشكل قلب الشرق الأوسط، ويربطوا كل خطوة في المسار الجديد لهم، بثمن ورسالة، والثمن بعض من سيادة أو وحدة سورية او كرامتها، والرسالة بعض من دمها.

مثلما صمدت سورية في حرب البقاء ستصمد في حرب البناء، ومثلما فرضت مفهومها للحرب ستفرض مفهومها للسلام.

ناصر قنديل

ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى