العلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية» تصل إلى مرحلة المحاسبة ٣
هذه حلقة ثالثة وأخيرة عن حوارٌ خاص مع المبعوث الأميركي السابق الخاص مارتن إنديك حول حلفاء «إسرائيل» الجدد، انفجار غزّة، وانكفاء واشنطن بعد انهيار محادثات السلام.
كتب دايفيد روثكوبف
ما الذي يعنيه كلّ ما ذكرته حول هذه المتغيّرات في ضوء عملية السلام؟
– هناك طرق عدّة نستطيع من خلالها تفسير ما قلته. أحدها، يتمثل في أخذنا الوضع في غزّة بعين الاعتبار، كذلك تركيبة الحكومة «الإسرائيلية»، تركيبة الحكومة الأميركية، عدم التقدّم في مسار المحادثات، لا سيما إزاء ضعف أبو مازن مقابل قوة حماس. أما الطريقة الأخرى، فالقول إنّ طبيعة التفاعل ستتغيّر في بعض النواحي الأساسية، كما حصل على مدى العقدين الماضيين في ما يتعلق بعملية السلام.
وأستطيع التفكير هنا بمسألتين. إحداها أن الفلسطينيين يحرزون تقدّماً في ما يخصّ الدعم الدولي للاعتراف بفلسطين دولة مستقلّة ـ إذ يصرّحون: سنتعامل مع كلّ هذه القضايا على أننا دولة مستقلة. أو بدلاً من ذلك، فإن للتحالف الائتلافي بين «الإسرائيليين»، والمصريين، ودول الخليج، والأردنيين، والروس، والهنود وغيرهم ـ بمن فيهم الصينيين ـ في وجه التمدّد الإسلامي المتشدّد، الأولوية على باقي القضايا في السنيتن المقبلتين بما فيها قضية حماس. وفيما لو نجحنا في القيام بذلك، نكون قد نجحنا في إيصال أصوات القوى السنّيّة المعتدلة في المنطقة بما فيها السلطة الفلسطينية.
ربما هناك بعض الأمور الأخرى أيضاً. هل نستطيع القول إننا بلغنا مرحلة التحوّل هذه؟
– أرى أنه من الصعب قول ذلك، من خلال خبرتي على مدى أكثر من 35 سنة من مراقبة العلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية» وقدرتها على إعادة إحياء ذاتها. وإذا ما عدنا إلى ما قبل حرب 1973، وارتفاع حدّة التنافس في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط، ومقاتلة «إسرائيل» على الخطوط الأمامية وإسقاطها الطيّارين السوفيات الذين قادوا طائرات الميغ المصرية فوق قناة السويس، أصبحت بهذا «إسرائيل» حليفاً أساسياً للدفاع عن الحرية خلال الحرب الباردة.
بعد حرب 1973 أصبحت الولايات المتحدة و«إسرائيل» حليفتين في الجهود الرامية إلى تعزيز السلام والهيمنة الأميركية في المنطقة. واستمرّ الأمر على هذا المنوال إلى أن أصبحت «إسرائيل» حليفتنا في الدفاع عن الغرب ضدّ الإرهاب. وما انفكّت العلاقات بين البلدين تتسع وتزداد عمقاً على المستوي الاستراتيجي. والآن، وكما اقترحت في سؤالك، قد يكون هناك عدد من المبرّرات لنوع العلاقة الجديدة بين البلدين. فالولايات المتحدة تنسحب تدريجياً من الشرق الأوسط، وتسعى إلى أن تعتمد «إسرائيل» ومصر والمملكة العربية السعودية نهج التوازن البحري وأن يكون في مقدور هذه الدول التحوّل إلى ركائز في محاولة لبناء نظام جديد في المنطقة الغارقة في الفوضى. ولا يبدو أن هذه الرؤية تتبلور حالياً، خصوصاً لناحية تعثّر المفاوضات مع إيران أو لناحية التوتر مع مصر، أو عدم رغبتنا في التدخل في سورية. لكنني أعتقد أن كلّ هذا قد ينتهي مع الوقت، ما يعطي الولايات المتحدة مبرّراً جديداً لعلاقتها المستقبلية مع «إسرائيل».
ويستطيع أيّ مراقب أن ينظر بعين العقل إلى هذه الرحلة الطويلة من تاريخ العلاقة ويقول إن كلّ شيء يبدو أنه يسير على ما يُرام. غير أن الأمر لن يكون كذلك بالنسبة إلى «إسرائيل» نفسها، التي يبدو أنها ترتاح لعلاقاتها الاستراتيجية، لكن هذا لن يساهم في حلّ مشكلاتها الوجودية: فأين ستذهب بحوالى 2.6 مليون فلسطيني تتحمّل هي مسؤوليتهم؟ وإذا لم تجد الوسيلة لحلّ هذه القضية والمعضلة الوجودية، وإذا نجحت في السيطرة على هؤلاء في الضفة الغربية، فسيكون عليها أن تقرّر عاجلاً أفضل من آجلاً إذا ما كانت بحق، دولة ديمقراطية أم يهودية، لأنها ـ على الأرجح ـ لن تكون الإثنتين معاً.
لقد شهدتّ على ذلك خلال المحادثات. فالجيل الجديد الذي نما وكبُر لا يفقه سوى واقع الاحتلال «الإسرائيلي» أرضَه، لن يقبل بفكرة حلّ الدولتين، كما أنه لن يؤمن بإمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلّة. هؤلاء يريدون حقوقاً متساوية مع «الإسرائيليين». لهذا، ستجد «إسرائيل» نفسها أمام معضلة حقيقية. إنها فقط مسألة وقت فقط. وبغضّ النظر عن قوّة العلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية»، فلن تنجح هذه العلاقات في حلّ تلك المعضلة إلّا إذا قرّرت «إسرائيل» نفسها أهمية إيجاد حلّ لها.
ستفعل الولايات المتحدة خيراً إذا لم تجد حلولاً لهذا الصراع. فمع مرور الوقت، وسيطرة بعض القضايا الأخرى على أجندة اهتماماتنا وتحوّلات المنطقة، قد يكون السبب الحقيقي الوحيد الذي يدفعنا إلى المضيّ قدماً في العمل على حلّ الأزمة الفلسطينية ـ «الإسرائيلية»، قلقنا بشأن مستقبل دولة «إسرائيل».
من الصعب علينا مناقشة ما إذا كانت أميركا ترى أنّ لديها مصالح استراتيجية لحلّ الأزمة «الإسرائيلية» ـ الفلسطينية. إنها واحدة من مشكلات متعدّدة، لكنها ليست الأهم أو الأكثر صعوبة. قد نترك «إسرائيل» تتعامل مع الوضع هذا منفردةً، لكننا أصدقاء حقيقيون ولا نفعل ذلك. لذا، عندما يقرّر الرأي العام «الإسرائيلي» أنه عليه مواجهة معضلته، عندئذٍ سيعرف أن الولايات المتحدة متواجدة دوماً لمساعدته، وأن العلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية»، ستكون من الأهمية بمكان كي تشكل لهم جداراً آمناً يساعدهم في هضم مشاكلهم بطريقة أفضل.
يبدو ممّا تقوله أنّ هذه المهلة ضرورية لجعل «إسرائيل» تفكّر بحلّ لما تقوم به، وما هي أهدافها، وأيّ الحلول هي بصددها. لكن من الواضح أنّه ما من شهية لدى «إسرائيل» للجلوس مع الذات ومحاسبة النفس. فنحن على جبهة ركود قوية، ونتعامل في أماكن أخرى مع قضايا متعدّدة، ريثما توضع هذه القضية على نار حامية.
– حسناً، يرى الرئيس أنه من الأهمية بمكان أن يكون هناك مهلة. وقد تبنّى هذا الاعتقاد على رغم الاستثمار الكبير للوقت ولطاقة وزير الخارجية، فضلاً عن تعبئة موارد البنتاغون لحماية أمن «إسرائيل»، وبذل مجهود دبلوماسي كبير بوساطة الولايات المتحدة لمحاولة تحقيق انفراجات لم نكن نستطيعها من قبل. وإذا قال آينشتاين يوماً: الجنون هو أن تقوم بالفعل نفسه مرارً وتكرارً متوقعاً الحصول على نتائج مختلفة في كلّ مرة»! فأعتقد أنّ الرئيس الأميركي ووزير خارجيته يواجهان الكثير في عالم مليء بالتحدّيات، ومن غير المستحسن القيام بمحاولات يائسة، إلّا في حال تغيّر شيء ما في السبل التي تقودنا إلى أن نؤمن بإمكانية النجاح.
أعتقد أنّ السبيل الوحيد للتغيير سيكون في احتمال أن يطرق كلّ من «الإسرائيليين» والفلسطينيين باب الرئيس الأميركي قائلين له: نحن جاهزون، نريد حلّاً فورياً لأزمتنا». بدلاً من انتظار أن تقرّع الولايات المتحدة أبوابهم من جديد طالبة إليهم أن يقوموا هم بذلك.
ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق