أديسيات
كان «فلان» أحد أكبر رجال الأعمال في البلد. كان يعمل في تجارة المواد الغذائية وصناعتها، إضافة إلى الاستيراد والتصدير وإبرام عقود النفط والغذاء العائدة لدولة جارة.
ولكون «فلان» هذا هو نجل الضابط والمسؤول الكبير «أبو فلان»، فقد كان لديه أسطول من السيارات الفارهة بلوحات مدنية وعسكرية، وعدد لا بأس به من العناصر المفروزين لخدمة منزله ومكاتبه ومصانعه.
ذات يوم، عندما كنت أحتسي الشاي مع الشباب بحكم صداقتي للمسؤول عن هؤلاء العناصر كانت خدمتي العسكرية في الشارع نفسه الذي يقع فيه منزل هذا الفلان وكنت أزور «المحرس» بين الفترة والأخرى، وصل «فلان» بسيارته عائداً من معمل المرتديلّا الذي يملكه. وترجّل ودخل إلى المنزل بعدما قال لصديقي: «ثمّة كرتونتان من علب المرتديلّا في صندوق السيارة، خذ كرتونة لك ووزّع محتويات الأخرى على العناصر».
وهذا ما تمّ، وبما أنّني قد حضرتُ القِسمة، عرض عليّ صاحبي أن آخذ بعض العلب من حصته، فرفضت.
قال لي: إنه مُنتَج عالي الجودة ولذيذ الطعم، ويُصنع بمواصفات عالمية وبمراقبة صحية دورية.
فسألتُه: هل رأيت طوال خدمتك في هذا المنزل دخول علبة واحدة من هذا المُنتَج إليه؟ هل يُطعم أولادَه منها؟
أجابني بعدما استفاق من صدمة السؤال: بصراحة… لا، لم أرَ أيّ علبة تدخل المنزل!
«فلان» هذا هو الآن أحد الشخصيات «المُعارضة للنظام الفاسد القمعي الدكتاتوري». وما زال هذا «الفُلان» يوزع مُنتجاته «الثورية» و«العقائدية» على الأغبياء الذين لم يسألوا أنفسهم السؤال الذي سألته لصاحبي منذ أكثر من عشرين سنة: هل رأيتم «الثورة» دخلت بيته؟ هل أرسل أولاده لقتال «النظام» كما يُرسل أولادكم؟ أم هم الآن في جامعات أوروبا أو في منتجعاتها؟
أديس ديرمنجيان