العراق وفيدراليوه… حتى أنت يا بروتس!
نظام مارديني
بعدما عشنا أوهام حروب الهويات العربية الكبيرة المدمّرة، ها نحن نعيش الآن أوهام حروب الهويات العرقية والمذهبية الصغرى، وبين أوهام «القومية» الكبرى و «القوميات» الصغرى، ستشتعل حروب أهلية هنا وهناك وبمستويات ميدانية مختلفة.. الكل يفهم خصمه بشكل جيد ويحرك رقع الشطرنج كما يريد أمام الطرف الآخر وبعلمه تماماً، لينتظر خصمه يقوم بفعل مضادّ ثم يفكر بالردّ، وكأن قدر سورية الطبيعية الهلال السوري الخصيب أن تحترق بنفطها الغزير، وتغرق بأنهارها المقدّسة الهادرة!
وهكذا بين أوهام «القوميات» العنصرية الكبرى و «القوميات» العنصرية الصغرى، يدخل العراق في متاهة التقسيم، وكأن سرعة التأثر لإرادات القوى الكبرى شيء مألوف في الحالة العراقية.. تُشعرك متغيّرات الأحداث أن بلاد ما بين النهرين الخاصرة الضعيفة لسورية الطبيعية، أنه يشبه لبنان، تنعكس فيها بشكل مباشر أية انفعالات تبديها المحاور الأخرى، خصوصاً مع وجود قوى عراقية لا تتردّد في اعلان ولائها لهذا الطرف الخارجي أو ذاك.
فمثلما «القوميات» الوهمية الكبرى كانت ضحايا السراب، جاءت «القوميات» الصغرى أيضاً ضحايا للسراب.. لذلك فإن خلاص الجماعات ليس في أن تكون داخل فيدرالية الدولة – المقبرة.
وما يزيد من تعقيدات هذا المشهد الدعوات المتكررة لرئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني الهروب إلى الأمام من خلال النفخ في بالون الانفصال بهدف صرف الأنظار عن المشكلات الداخلية للإقليم وخلق أزمة مع مجتمعه العراقي.
ورغم أن الحزبين الكردستانيين، «الاتحاد الوطني» و «التغيير»، موقفهما واحد من الانفصال، إلا أنهما يعتبران البرزاني يعبث بهذه الورقة المصيرية ويستخدمها للمزايدات سياسية، وهو يعرف أن خطوة الاستقلال لم تحُن بعد!
ربما واقع العراق يشبه كثيراً واقع يوليوس قيصر روما، إذ قاد الطمع والجشع، وحب السلطة والثروة، أقرب المقرّبين من القيصر للتخطيط من أجل التخلّص منه واغتياله، فحتى لا يُتهم شخص واحد بقتله اتفق على أن لكل واحد من قاتليه طعنة يجب أن يطعنه إياها فيتفرّق دمه. كان آخر من طعنه أحبّ أصدقائه إليه ومحل ثقته، والشخص الأقرب إلى قلبه «بروتس» حتى قيل إنه كان ابناً له لكثرة ما أغدق عليه، ومنحه من الأوسمة والمناصب. نظر حينها «يوليوس قيصر» في عيني صديقه، وقال له: «حتى أنت يا بروتس»؟ فأجابه «إني أحبّك لكني أحب روما أكثر»، فكان جواب قيصر له: «إذاً فليمُت قيصر».. هذا هو واقع العراق الآن فهو يطعن بفيدراليات، الكرد والسنة والشيعة، وكل فيدرالية تقول إنها تحب العراق ولكنها تحبّ عرقيتها أو مذهبها أكثر، حتى لكأنك تسمع صوتاً خفياً يردّد، إذاً فليمت العراق!
لعل صرخة النائبة الكردستانية العراقية، تافكة أحمد، تلخص مأزق «الفيدراليات» الثلاث عندما كشفت كيف طردتها حركة التغيير بسبب تمسكها بوحدة العراق وترابه، وقالت «سأبقى على هذا المسار، ولن أتخلى عن وحدة العراق وترابه من شماله إلى جنوبه»..
ورغم ذلك فسيبقى «حديث التقسيم مفتوحاً مثل حكايات السينما، فيه الكثير من الوهم والمغامرة، والنيات الخبيثة»، كما يقول الباحث العراقي علي حسن الفواز.
الموّال العراقي جارح.. الحقيقة العراقية موجعة حتى القتل أيضاً!