طروحات بان كي مون الشيّقة واقتراحات كيري الذكية!
سناء أسعد
من يراقب الأجواء التي سادت في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك يلمس حدة الصراع الدبلوماسي بين روسيا وأميركا، والذي بلغ ذروته وأعلى درجات التوتر في ما يتعلق بالملف السوري… ويتساءل المراقب: صبر مَن سينفد قبل الآخر؟ ومتى ستحين اللحظة التي سيعلن فيها أنه لم يعد هناك من مفاوضات يمكن أن تقدّم حلولاً جدية لإنهاء الأزمة السورية؟ وأنّ كافة المؤتمرات التي تعقد ما هي إلا مضيعة للوقت، ولا سيما بعد الانخراط الدولي والإقليمي بشكل مباشر على الأرض السورية على أكثر من جبهة براً وجواً، بعد فشل أدواتهم وعجزها عن تحقيق أهدافهم وأطماعهم الاستعمارية طيلة السنوات الماضية…
طبول حرب كبرى من نوع آخر على وشك أن تُقرع بسبب قصف قافلة للمساعدات الإنسانية كانت متجهة إلى أحياء حلب الشرقية، وتدور الأسئلة حول هوية مستهدِف القافلة وكيف تمّت عملية الاستهداف؟ أهو بشكل هجوم أم ضربات جوية…؟
واشنطن تصرّ على تحميل مسؤولية ما جرى لروسيا والحكومة السورية… فيما الخارجية الروسية اعتبرت أنّ ذلك الاتهام غايته صرف الانتباه عن خطأ التحالف الدولي بقصف مواقع الجيش السوري بدير الزور… كما أشار المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشنكوف إلى وجود طائرة من دون طيار من نوع «بريداتور» تابعة لقوات التحالف أقلعت من قاعدة أنجرليك في تركيا وحلقت قي أجواء القطاع عند وقوع القصف…
ووسط تراشق الاتهامات وسخرية جون كيري من الرواية الروسية وإحساسه بأنّ لافروف من عالم آخر… يقترح كيري لـ «إعادة المصداقية» لعملية وقف إطلاق النار ووصول شاحنات الإغاثة بسلام وقف تحليق سلاح الجو التابع للجيش السوري فوق مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة… أيّ فرض منطقة حظر جوي…!
الهجوم الذي تعرّضت له قافلة المساعدات الإنسانية أحدث ضجيجاً إعلامياً أكثر مما يستحق ومما هو متوقع مما يثير الشكوك بأنّ هناك ما هو أعظم من غضبهم المزيّف لعدم وصول تلك المساعدات إلى المحاصرين…؟
في حين مطلوب منا أن نلتزم الصمت وننسى دماء شهداء الجيش السوري التي سالت على التراب السوري في دير الزور بأقسى المشاهد وأكثرها فظاعة وإجراماً لمجرد القول إنّ تلك الضربة كانت ناتجة عن خطأ غير مقصود والإسراع لإغلاق ملف تلك العملية التي تثبت الارتباط الوثيق والعميق بين أميركا وداعش أخطر تنظيم إرهابي في العالم، وتكشف زيف ادّعاءاتها الكاذبة في محاربة الإرهاب… فطيلة فترة تحالفها المزعوم لمحاربة داعش لم توجه ضربة للتنظيم كتلك الضربة التي وجهتها للجيش السوري…
موضوع الأزمة السورية واللاجئين تصدّر النقاش السياسي العام في الدورة 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكدت جميع الأطراف أن لا حلّ عسكرياً في سورية واستحالة التسوية بالقوة العسكرية.. ولكن من جهة أخرى تمّ استخدام منبر الجمعية كمنصة لتوجيه الاتهامات الباطلة للحكومة السورية…
فبان كي مون، القلق دائماً، يرى أنّ جرائم بعض الفرق جميلة جداً ومهذبة… وأنيقة وراقية أمام إجرام ووحشية الحكومة السورية المستمرة في إلقاء البراميل المتفجرة على الأحياء وتعذيب آلاف المحتجزين بشكل ممنهج…!
بان كي مون لم يهن عليه أن يصف تلك الفرق بالفصائل الإرهابية متجاهلاً المجازر التي ارتكبتها تلك التنظيمات بمختلف مسمّياتها. وكما يبدو واضحاً فإنّ راتبه التقاعدي من الخزائن الوهابية يساوي ثروة كبيرة ويمكن أن تنقذ العالم العربي من مآسيه وتخرجه من آزماته حتى تحوّل إلى ببغاء يردّد مطلب الجبير وجماعة الائتلاف المعارض ورياض حجاب في ضرورة رحيل الأسد قائلاً إنه «لا يجب اعتماد مستقبل سورية على مصير شخص واحد بعد العنف والاضطراب الذي تشهده سورية…»!
دائماً تطرح الحلول دون اعتماد آلية تجدي نفعاً لتطبيقها على أرض الواقع والتماس نتائجها، بل أكثر ما جاء في مضمون اجتماعات الجمعية العامة هو خطابات التباكي والتذاكي لحلّ الأزمة السورية بطرق فيلسوفية لم نشهدها من قبل.. سواء وفق خطة السلام الأوبامية والتي عبّر فيها اوباما عن أسفه وندمه الشديدين على التدمير الشامل الذي ضرب العالم من كلّ حدب وصوب، أو حسب نظرية هولاند ونقاطه الأربع، أو اقتراحات كيري «الذكية» وأطروحات بان كي مون «الشيّقة»، أو في كواليس الاجتماع المغلق الذي جمع السيسي مع زعماء منظمات يهودية في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة… التي كشفته صحيفة «جيروزاليم بوست» الصهيونية.
الغرب والعربان يتباكون على الوضع المأساوي الذي تعاني منه الدولة السورية، متجاهلين دور بلدانهم في نشوء تلك النزاعات التي تسبّبت في تفاقم الأزمات، وزادت من حجم المعاناة التي يدّعون أنهم يبذلون الكثير من الجهود والمساعي لإيجاد حلول لها، ولإخماد فتيل الحروب التي أشعلوها في المنطقة برمّتها ظناً منهم أنهم قادرون على خلق شرق أوسط جديد على مقاسهم وتفصيلهم… وتلبية رغباتهم الاستعمارية وإنهاء مشروع للمقاومة الذي سيزيل الكيان الغاصب من الوجود…
صرفوا المليارات لتهجير ملايين الشعوب من أراضيها ظلماً وبهتاناً. والآن يريدون صرف المليارات ذاتها لتحسين أوضاعهم مَن يصدق؟