هل تسمعون صوت الجبير: سيرحل الأسد بالقوة؟
ناصر قنديل
– تبتلع التشكيلات المعارضة السورية ألسنتها عندما يكون المطلوب منها أن تقول الحقيقة، وتتوجه نحو أسيادها من واشنطن إلى أنقرة والرياض خصوصاً لتسألهم، لماذا قمتم بتوريطنا برفع سقوف الشعارات فوق قدرتنا على التحقيق، ثم انسحبتم ووقفتم تتفرّجون علينا نحترق، وتتفرّغ للعويل والبكاء والحديث عن اللاتوازن في المشهد العسكري، وعن آلة الجيش والنظام وقدرتها الحربية وقدرة الحلفاء ووقوفهم معه بقوة، عكس حلفائها المتردّدين، والخائفين من التورّط في حرب لا يريدون تحمّل تبعاتها، وتتناسى كم من الأكاذيب ردّدت من قبل، وكم أضاعت من فرص كانت تشكل أمنيات لمعارضات غيرها أشدّ قوة وأوسع تمثيلاً.
– تتناسى تشكيلات المعارضة السورية أنها روّجت مراراً لتداعي الدولة والجيش في سورية، وعن رئيس يحزم حقائبه للرحيل، وأنها سوّقت مراراً معادلات تتحدث عن بيع وشراء في كلّ من موسكو وطهران، وعن تغييرات قريبة يتخلى بموجبها الحلفاء عن الرئيس والقيادة في دمشق، بقوة الاحتكام للمصالح التي تمثلها العلاقة بالغرب وحكام الخليج، كما تتناسى هذه التشكيلات أنها ردّدت كالببغاوات ما سمعت في واشنطن وباريس ولندن وأنقرة والرياض والدوحة وهي ترفل بالمال والمتاع، عن أيام الأسد المعدودة، وعن عاصفة الجنوب وعاصفة الشمال واقتراب ساعة الدخول إلى دمشق ليصلّي الفاتح رجب أردوغان كما وعدهم في المسجد الأموي، بعدما يستقبلون بالزغاريد سعد الحريري في مطار دمشق مشاركاً بالاحتفال قبل عودته عبر دمشق إلى بيروت.
– تصبّ تشكيلات المعارضة الصماء العمياء الخرساء، غضبها على النظام والجيش والرئيس، الذين لا تجرؤ على القول إنّ ما تتهمه بفعله اليوم لم يدخل خارج نطاق أوصاف القتل والإجرام التي أطلقتها عليهم مبرّرة ثورتها المستمرة حتى الشهادة أو النصر، فلم تبق لها حجة في كلّ ما يمكن قوله اليوم من أوصاف تبرّر عبرها الفشل، لأنّ الثورة التي تقول إنها تقاتل نظام قتل وإجرام، لا تستطيع الادّعاء أنها تفشل وتهزم، لأنها لم تضع في حسابها القتل والإجرام، فبماذا عساها تبرّر ما آلت إليه حالها، غير الغباء والعمى والاستسلام لقيادة الأجنبي بلا إقامة أدنى حساب للوقائع، ورؤية الممكن والتروّي في التطرف، إلى حيث لا قدرة على مواصلة السير.
– لا تعترف تشكيلات المعارضة اليوم أنها أخطأت في قراءة الموقف الروسي الذي توقعت مراراً تخليه عن سورية رئيساً وجيشاً وقيادة، وروّجت وبنت أوهاماً وأحلاماً، على وقوع تلك اللحظة التي لا تنفك تبتعد، حتى يصير خطاب هذه المعارضة عن روسيا أنها العدو الأول، كذلك لا تعترف هذه التشكيلات الساذجة بسذاجتها عندما تخيّلت أن تتخلى إيران عن حليفها في سورية، وتتجاهل أنها لم تتوقف عن الرهان على انعطاف في موقف إيران طلباً لودّ دول الخليج وواشنطن من خلفها، خصوصاً في حمأة التفاوض على الملف النووي الإيراني. ولا تعترف هذه القيادات المعارضة بأنها سوّقت وروّجت لمشاركة مقاتلي تنظيم القاعدة، قبل أن تنفصل تشكيلات النصرة وداعش عن جسمها العسكري وتستقلّ بمشروعها الخاص، وتستولي على تشكيلات ما أسمته المعارضة بجيشها الحرّ، ولا تجرؤ على الاعتراف أنها طوال خمس سنوات كانت مجرد مطية غبية لكلّ من دول الغرب والخليج وتركيا و«إسرائيل» من جهة، وبردعة تمتطيها تشكيلات القاعدة وتستخدمها لتوسيع نفوذها في الجغرافيا وبين الناس، حتى صارت هذه المعارضة أشبه بالشبح الذي يصنعه الفلاحون لحماية حقولهم من الوحوش، مجرد خشبة تلبس ثوب رجل، يسمّونه في القرى بـ «خيال الصحراء».
– تواجه تشكيلات المعارضة اليوم ساعة حقيقة، من دون أن يخرج بين صفوفها من يسأل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي صار فيلسوف المعارضة وأستاذها، عن شعاره الشهير «على الأسد أن يرحل وإلا فسيرحل بالقوة»، وتسأله: أما آن أوان هذه القوة يا سيد جبير؟ ولا مَن يقول للجبير من بين صفوف هذه المعارضة، ما دمت قد بشرتنا بالخطة «ب»، فماذا تنتظر قبل أن نحتضر حتى تضعها قيد التنفيذ، أم الخطة «ب» هي خطة الأخذ بالخاطر في جنازة المعارضة، قبل الدفن أو ربما بعده؟ ولا من بين صفوف هذه المعارضة من يسأل ما دمنا وما دام حلفاؤنا دون مستوى المواجهة العسكرية الكبرى التي تستحق الآن، فلماذا رفعنا السقوف إلى أعلى من العالية، وسحبنا السلالم التي صعدنا عليها ورميناها من الجهة المقابلة إلى البحر، فلا عاد بمقدرونا النزول، ولا البقاء فوق السطوح العالية، ولا من يقدّم لنا قارب نجاة نقفز إليه؟
– لو كان بين قادة هذه المعارضة رجل واحد فيه بقايا فروسية، أو سيدة واحدة فيها بقية باقية من أخلاق، لانتفضا للسؤال ماذا لو عُرض على المعارضة اليمنية المقاتلة ما عُرض علينا، وهي معارضة ثبتت عسكرياً بوجه آلة الموت السعودية، وليس لها حدود جوار تلجأ إليها وتستمدّ العون بالمال والرجال والعتاد والسلاح عبرها، وسقف ما ترتضيه حلاً سياسياً يعترف بشراكتها في حكومة موحّدة تحضر البلاد لانتخابات، وقد عرض مثله مراراً على المعارضة السورية، فأصرّت على ما لم تسبقها معارضة على القول به، بين ثنائية الحلّ العسكري الذي تبكي عجزها عن تحمّل نيرانه اليوم، وحلّ سياسي يبدأ برحيل الرئيس الذي لا تجرؤ على مواجهته في صناديق الاقتراع، ولا تملك القدرة على إسقاطه بالقوة، لا بقوتها، ولا بقوة حلفائها، ولا شركائها في تنظيم القاعدة، وقد اجتمعوا ثلاثتهم لسنوات وفشلوا.
– أيّ شاب سوري صدّق قادة هذه المعارضة، وليس مرتزقاً اليوم، ولا وحشاً مغمّسة يداه بدم الأبرياء، يسأل هل نتذرّع لتبرير الفشل بصدق روسيا وإيران مع حليفهم وكذب حلفائنا علينا، أم بأننا قلنا عن النظام بأنه قاسٍ وكنا نعلم أنه ليس كذلك فحجتنا اليوم أننا لم نتوقع قسوته، أم حجتنا أننا جئنا بقوة تحالف الأميركيين وتنظيم القاعدة وقد انكسر التحالف بينهما فوقعنا في البئر، أم أننا أضعنا فرص الحلّ السياسي عبر حوار ينتهي بحكومة فانتخابات، وتمسكنا بحلّ عسكري، كان النظام هو الأقدر عليه ويرحمنا باستئخاره فظننا رحمته ضعفاً وبطرنا وتمادينا، ولما دقت الساعة بدأنا الصراخ والعويل والبكاء؟
– يستحق قادة المعارضة السورية بلا استثناء… لعنة التاريخ والرجم كالزاني والزانية، فقد زنوا بعروسنا يوم عرسها، وباعوها في سوق النخاسة، وخرّبوا أجمل وأعظم وأهمّ وأقوى وأنقى بلاد العرب.