مصر إلى أين؟
ميسم حمزة
إنّ ما يميّز مصر عبر التاريخ، أنها كانت قائدة، لا رائدة، فمن شبه الجزيرة العربية وصلتها الدعوة الإسلامية ومن تونس، جاء الفاطميون إلى مصر المحروسة ومنها انطلقوا وتوسعت دولتهم، فأخذت مصر دورها الريادي.
واليوم، تعيش الأمة واقعاً أليماً، في ظلّ غياب المرجعية الرسمية العربية والحروب التي تفتك بمجتمعاتنا العربية والمشاريع الغربية الهادفة الى تمزيق جسد الأمة وجعلها أمماً متقاتلة، في ما بينها، لتؤمّن، بذلك، حماية أمن الكيان الصهيوني. هذه الأمة، علّقت آمالاً كبيرة على مصر العروبة في عهد جمال عبد الناصر، التي أقامت الوحدة مع سورية، في محاولة لاستعادة دور العرب الريادي وحملت شعار الوحدة العربية وقضايا الأمة واحتضنت القضية الفلسطينية.
ومصر التي لعبت دوراً ريادياً في حياتنا العربية، شهدت ثورتين تاريخيتين: الأولى ثورة 23 تموز/ يوليو 1952، التي أعادت مصر إلى موقعها العربي ودورها التاريخي وساهمت في تجديد العمل القومي العربي والثانية، ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، التي رفضت الإبقاء على اتفاقية «كامب ديفيد» التي حملت لمصر والعرب العار، لا سيما أنّ هذه الاتفاقية، لم تخرج مصر من دائرة الصراع العربي – الصهيوني فحسب، وإنما أساءت إلى دور مصر انتقاماً من ثورة تموز/ يوليو.
واليوم، مصر عقب الثورة الأخيرة وتسلّم الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعاني من تباين في المواقف، ما بين الدور الإيجابي والدور السلبي. فمن جهة، لم تتخلص مصر من اتفاقية «كامب ديفيد» وقام وزير خارجيتها بزيارة «إسرائيل»، في تأكيد على أنّ «كامب ديفيد» ما زالت تحكم مصر، وتضع قيوداً على عملها العربي وعلى إمساكها بالملفات الأساسية ومن بينها الأمن القومي العربي. وتخلي مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، للسعودية، الذي اعتبره البعض تخلياً عن السيادة المصرية، هو محاولة لتوسيع «كامب ديفيد».
إلا انّ مصر، في المقابل، تعقد الاتفاقيات مع روسيا، ويؤكد رئيسها، السيسي، بأنّ مصر تسهم، بقوة، في الوصول إلى تسويات في سورية واليمن وليبيا، من منطلق الحرص على الأمن القومي المصري والعربي. وإنّ الموقف المصري، تجاه الأزمة السورية، يتأسّس على خمس محدّدات رئيسة، هي: احترام إرادة الشعب السوري، إيجاد حلّ سلمي للأزمة، الحفاظ على وحدة الأرض السورية، نزع أسلحة الميليشيات والجماعات المتطرفة وإعادة إعمار سورية وتفعيل مؤسسات الدولة.
ما يجري في مصر والمواقف المتباينة، يطرح العديد من التساؤلات، منها: مصر اليوم إلى أين؟ هل سيكون النظام الحالي امتداداً للنظام السابق، نظام حسني مبارك، أم سنشهد ولادة نظام جديد، فيه شيء من ملامح نظام القائد جمال عبد الناصر، فتعود مصر إلى استعادة دورها الريادي في المنطقة، أم تبقى محكومة باعتبارات إقليمية ودولية واوضاع داخلية واتفاقيات تكبّل قرارها؟
تساؤلات ستجيب عنها الأيام المقبلة، لكن… مهما حملت الأيام المقبلة من أحداث، إلا أننا سنبقى نشدّد على ضرورة عودة مصر إلى موقعها، كي تستقيم الحياة العربية، وأن تعود إلى دورها الريادي، الذي عهدها به العرب أيام القائد جمال عبد الناصر، لأنّ ذلك، هو قدر مصر وذلك، ما نؤمن به كعرب. ويبقى أن تمارس مصر دورها، على هذا الأساس.
وكلنا أمل بأن تستعيد مصر دورها الريادي العربي، لأنّ خروجها من دائرة الصراع، فتح المجال للفراغ الذي عملت الجماعات التكفيرية والغرب على ملئه. وأن يتمّ العمل على تسريع خطوات التلاقي بين الأمة، خصوصا جناحيها: مصر وسورية، في مواجهة مشتركة لهذه المجموعات، لاجتثاثها من مجتمعاتنا العربية وبعدها التفرّغ لاستعادة فلسطين المحتلة، قضيتنا المركزية.