خيارات الحريري مفتوحة وفرنجية ليس الأخير
محمد حمية
لن يخرج الدخان الأبيض من المجلس النيابي ولن يبصر رئيس الجمهورية النور اليوم في الجلسة 45، كما لم ينجلِ الغبار الذي يظلل حركة الرئيس سعد الحريري الرئاسية التي بدأها بلقاء الوزير سليمان فرنجية ويستكملها بلقاءات مع القيادات السياسية الرئيسية والمعنية بالشأن الرئاسي، إلا أن أي حديث عن ترشيح الحريري للعماد ميشال عون لم يُسِر به رئيس المستقبل لرئيس المرده خلال لقاء بنشعي، بحسب ما أكدت مصادر مطلعة لـ «البناء»، والتي أشارت إلى أن «الحريري أبلغ فرنجية أنه سيقوم بجولة اتصالات ولقاءات لاستطلاع آراء القيادات الرئيسية والمعنية بالشأن الرئاسي لخلق جو جديد بعد انسداد الأفق أمام انتخاب الرئيس، كما أبلغ الحريري فرنجية بأنه سيبقى على تواصل معه وسيضعه بحصيلة المشاورات والاتصالات التي سيقوم بها، كما أكد لفرنجية استمرار تبني ترشيحه للرئاسة وأن همه إنهاء الشغور الرئاسي وجهوده ستنصب على خلق ديناميكية معينة تساهم في ذلك وأن «كل خطوة على صعيد الرئاسة أو أي خيار سيتبناه سيكون بالتنسيق مع فرنجية».
وتلفت المصادر الى أن «المحطة الأولى للحريري كانت عند فرنجية للتعبير عن استمرار العلاقة الشخصية والسياسية بينهما»، وتؤكد أن «فرنجية لا يزال مرشحاً للرئاسة ولا يزال يحظى بدعم الرئيس بري والنائب وليد جنبلاط، لكن كيف تتطور الأمور أمر آخر، وحينها يتخذ فرنجية الموقف المناسب».
وتستبعد المصادر حصول تطور مفاجئ يوصل عون الى رئاسة الجمهورية في هذه المرحلة وتعزي السبب الى أن «الملف الرئاسي لم ينضج بعد بمعزل عن المرشحين».
على الرغم من أن بيان كتلة المستقبل أمس، لم يحمّل مسؤولية التعطيل لعون، كما لم يأت على ذكر تمسك الكتلة بترشيح فرنجية بخلاف البيانات السابقة، إلا أن أي موقف رسمي لم يتم تداوله في الاجتماع حيال ترشيح عون، فمصادر كتلة المستقبل تشير لـ «البناء» الى أن «الحريري لم يبلغ كتلته بأنه سيرشح عون للرئاسة بل أبلغهم بأنه سيجري مروحة من الاتصالات واللقاءات وعلى أساسها سيتخذ القرار المناسب الذي يصب في هدف ملء الشغور الرئاسي»، موضحة أن «الأمر ليس بيد الحريري وحده أو بيد فرنجية بل هناك أطراف أخرى يعارضون وصول عون ومستمرون بترشيح فرنجية كالرئيس بري والنائب وليد جنبلاط»، مشددة على أن «لدى الحريري نية جدية بتسريع انتخاب الرئيس»، معتبرة أن فرنجية ليس الخيار الوحيد أو الأخير الذي يملكه الحريري فأمامه خيارات أخرى منها ترشيحه لرئيس وسطي في حال تعذر وصول فرنجية، كما أن عون يمكن أن يكون أحد الخيارات إذا ما أثمرت مشاورات الحريري.
في ظل هذا المشهد الضبابي تطرح تساؤلات عدة حول الظروف والمتغيرات الداخلية والخارجية التي استجدّت لتعدّل في موقف الحريري من انتخاب عون وماذا عن موقف السعودية؟ وهل تركت للحريري حرية اتخاذ القرار؟
المصادر نفسها ترى أن «الحريري قدم الكثير من التنازلات ودفع أثمانها في شارعه وتياره، فهو تنازل ورشح شخصية من 8 آذار والتنازل أكثر من ذلك باتجاه تسمية عون يحتاج الى قرار مصيري من الحريري، الأمر الذي يستدعي مشاورات داخل الكتلة والتيار وإقناع الشارع وأطراف سياسية أخرى». ونفت المصادر وجود أي انقسام داخل الكتلة «بل تعدد آراء. وهذا أمر صحي وديمقراطي وهناك جو عام معارض لوصول عون، لكن أي قرار يتخذه الحريري والكتلة الجميع سيلتزم به، كما التزموا بتبني ترشيح فرنجية»، وشددت على أن «انتخاب رئيس للجمهورية إن كان عون أو غيره مرهون بنتائج المشاورات التي يقودها الحريري مع الأطراف».
وعن موقف الحريري في حال تقدمت المفاوضات بين الرابية وبيت الوسط في تذليل العقبات أمام التسوية أجابت المصادر: «لا يمكن استباق الأمور، وحتى الآن مرشحنا فرنجية».
وعن سبب رفض المستقبل لوصول عون الى الرئاسة، توضح المصادر أن «جنرال الرابية ذهب بعيداً في الهجوم على تيار المستقبل ورئيسه الممثل الأول للسنة في لبنان، فضلاً عن تصريحات وزير الخارجية جبران باسيل الطائفية ما أحدث «نقزة» لدى الطائفة السنية من عون، فكيف إذا وصل الى قصر بعبدا؟». وتضيف المصادر أما إذا حصل توافق على عون من قبل بري وجنبلاط وكل الأطراف وذلل عون هواجس الحريري والسنة، وهذه فرضية، لكن عند تحققها سيتخذ الحريري الموقف المناسب».
أما مصادر التيار الوطني الحر فتشير لـ «البناء» إلى أن «الخلاف بين عون والحريري هو في النهج والممارسة والسلوك على صعيد إدارة الدولة ومؤسساتها والرؤية الإصلاحية، وتوضح أن ذريعة وجود عون والحريري معاً في الحكم يعطل البلد ويشل الدولة لن يكون سبباً في أن نلغي أنفسنا أو نتخلى عن حقوقنا وفي مقدمها تمثيلنا في قانون الانتخاب ورئاسة الجمهورية. فالأمر يتوقف على المشاريع التي يحملها الحريري على الصعيد السياسي والاقتصادي والمالي والأمني، فإذا كانت لحل أزمات لبنان وبناء دولة وتأهيل ماليتها واقتصادها فهذا ينجح تجربة الحريري عون، أما إذا كانت مزيداً من التمادي في نهب الدولة وتهديم مؤسساتها فبالتأكيد لن تنجح». وأيدت المصادر ما قاله بري عن السلة المتكاملة للحل، لكن إذا لم نتفق على الحل الكامل فيمكن الاتفاق على نصف حل».
وأوضحت مصادر نيابية في كتلة التنمية والتحرير لـ «البناء» أن بري أعلن انحيازه جهراً الى الوزير فرنجية، ولم يخف ذلك فلا إكراه في السياسة كما لا إكراه في الدين، ولكن بري لا يحبذ انتخاب أي رئيس من دون السلة المتكاملة التي تسهل حكم الرئيس وتنجح العهد وتحل المشاكل بسلاسة وسهولة أكثر»، وشددت على ضرورة الاتفاق على قانون الانتخاب والرئاسة وشكل الحكومة والوزراء ليس لمصلحته الشخصية أو مصلحة حزبه أو طائفته، بل لمصلحة لبنان وانتظام الحياة السياسية فيه وكي لا يجهض العهد قبل ولادته».
وترى المصادر أن «المستقبل أيضاً لديهم الكثير من الأسئلة قبل موافقتهم على انتخاب عون لا سيما موقفه من اتفاق الطائف ورئاسة الحكومة والوزراء والحقائب»، وتضيف إذا كانت كل هذه الحوارات لم تحصل فكيف سينتخب عون في جلسة اليوم أو في الجلسة التي تليها؟
وتلاحظ أوساط مراقبة تربط بين تطور الوضع في المنطقة لصالح محور المقاومة، وخصوصاً في سورية بعد التقدم الكبير الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه في حلب، وبين عودة الحريري الى لبنان ووضع خيار عون على الطاولة، وتسأل: إذا كانت الولايات المتحدة تقدم التنازلات في سورية واليمن وغيرها من الساحات في المنطقة، فلماذا استغراب أي تنازل من السعودية والحريري في لبنان؟