مختصر مفيد
مختصر مفيد
مصر تستعدّ لدخول مرحلة جديدة على المستوى الإقليمي سواء في الأزمة اللبنانية أو في الأزمة العراقية، ولكن خصوصاً في العلاقات السعودية ـ السورية التي تشكّل محور الأزمات الأخرى، خصوصاً في ملفّ العلاقات الإيرانية بالخليج التي يبدو أنّ الرئيس المصري مصرّ على حشرها في كلّ ملفّ وكلّ نقاش، إثباتاً لدول الخليج بأنّ مصر ملتزمة أمنهم وستقوم باللازم لطمأنتهم ممّا يسمّونه الخطر الإيراني. ومصر تعرف أكثر من غيرها أن مفتاح الاطمئنان يتمثل بالسياسة، فلا قوّة مصر ولا قوّة أميركا وحلف الأطلسي تجلبان الاطمئنان من أزمة سعودية ـ إيرانية، وأخرى بحرينية ـ إيرانية أو ثالثة كويتية ـ إيرانية. لأنّ الأزمة سرعان ما تصبّ الزيت على نار النسيج الداخلي في البلد المعنيّ، إذ إنّ واحداً من مكوّناتها يتأثر بالتوتر مع إيران طالما أنّ السعودية والخليج، في كلّ تأزّم مع إيران، تستحضر البعدين الديني والطائفي. والاطمئنان عندما يصير مطلوباً من بعد داخلي لا يأتي إلا بالسياسة، وأصل السياسة في صناعة الخلاف، وبالتالي الاطمئنان يكون بالمواقف التصادمية التي لا تزال مستمرّة إزاء ما يجري في سورية، وما دُبّر لها وضدّها بمالٍ خليجي وإرهاب مستورد من قبل الخليج أو مصدّر من سجونه عبر صفقات التراضي. وتبدو المهمة المصرية صعبة ومعقّدة لأنّ مصر لا تزال متردّدة في دقّ باب دمشق منعاً لإحراج السعودية وإغضابها، بينما الموازنة المصرية تحتاج مالاً سعودياً كثيراً. والمدخل اللبناني الذي أراده وليد جنبلاط تشجيعاً على الإقدام هو الأعقد، لأن بوابته السورية مباشرة.
الخطوات التي نجح الجيش العراقي بإنجازها في جبهات القتال ضدّ «داعش»، خصوصاً في «سليمان بيه» ووصولاً إلى تكريت، تعني أنّ استرداد زمام المبادرة لم يعد بعيداً عن مطال يديه، وتشارك ذلك وتزامنه مع الإعلان عن تقديم التشكيلة الحكومية الجديدة لرئيس مجلس النواب، يعنيان أنّ الزمن العراقي المقبل هو بالحدّ الأدنى زمن زوال الخطر عن بغداد بعدما استدعت إزالة هذا الخطر عن أربيل تدخلاً استثنائياً ولو لمدّة محدودة، الطيران الحربي الأميركي. وهذا يعني دخول المنطقة في «ستاتيكو» لا يتحمّله تركيب «داعش» وطبيعة تكوينه، خصوصاً أنّ ما تشهده دير الزور من تقدّمٍ للجيش السوري والعشائر والأكراد في وجه «داعش»، ينقل جيش «الخلافة» إلى الدفاع بعد الهجوم، فيصير باب الأمل الوحيد لبقاء جذوة الانتصارات حيّة، بدء روزنامة نقل الحرب إلى الأردن. إذ لا شيء يوحي بالأمل من لبنان، إلّا إذا صارت المعلومات التي تتحدّث عن انتفاضة مهيّأة في مكّة والمدينة مع نهاية موسم الحج وحلول عيد الأضحى حقائق. في هذه الحال، سيكون التغيير الكبير قد وقع، وتكون المنطقة قد دخلت مرحلة جديدة مختلفة تماماً.
توهّمت الحكومة اللبنانية أنّ التفاوض مع «النصرة» و«داعش» يمكن أن يجلب الحرّية للعسكريين المخطوفين، على خلفية أنّ رعاة «داعش» الدوليين والإقليميين هم حلفاء لفريق رئيسيّ في الحكومة، وسيضعون ثقلهم لمنع العبث بالاستقرار اللبناني، لأنه خطر يتعدّى حدود لبنان. حاول الرعاة تلبية الرغبة اللبنانية، وثبت أنّ إغراء لبنان الذي جعله في مكانة العشيقة للغرب والحكام العرب في الخليج، جعله مشروع سبي مستحقّ وحلال لدى «النصرة» و«داعش». وتوضّحت صورة المفاوضات المذلّة والمهينة التي قبلتها الحكومة، لينكشف ما هو أخطر، فقد أصيبت وحدات عسكرية وأمنية كثيرة بجرثومة «داعش»، طالما أنّ التمييز سيحصل بين مكوّنات الجيش والأجهزة على أساس طوائف الجنود والضباط، وهذا يعني أنّ هناك من سيكون مطمئناً لمصيره، وهناك متوسّط القلق، وهناك القلِق وهناك من سيقاتل بكلّ همة، وهناك قتال بنصف همّة أو قتال اللاقتال. هذا ما لم ينجح التسلّل في إحداث اختراقات تصيب الجسمين العسكري والأمني على قاعدة النجاح بتكتيكات التقسيط والتجزئة في الإفراج عن المخطوفين ووفقاً لسجلاتهم الدينية والطائفية. بينما تعلم الحكومة ألّا شيء يخيف «النصرة» و«داعش» ويفتح باب الرضوخ لتفاوض سلس وهادئ إلّا بدء التنسيق العسكري بين الجيشين اللبناني والسوري، وإحكام الطوق عبر حدود البلدين. والحكومة لا تجرؤ على الإقدام خشية أن تغضب السعودية.
في الاجتماع الأخير للعاملين في السلك الدبلوماسي الروسي الذي ينعقد كل سنيتن مرّة، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنّ روسيا في حالة حرب لم تعرفها منذ الحرب العالمية الثانية. وإنّ محاولات لمقايضتها بين الرضى بدور إقليميّ لا يتعدّى حدود القرم والبلقان والقوقاز، والتخلّي عن التصرّف كدولة عظمى في قضايا العالم، خصوصاً الشرق الأوسط، أو مواجهة أزمات داخلية متعدّدة الوجوه مالياً وأمنياً واقتصادياً وسياسياً وسط ضغط إعلاميّ مكثّف. وأبلغ بوتين دبلوماسييه المنتشرين بين الإدارات المركزية في موسكو وبين عواصم العالم أنّ كبرياء روسيا وكرامتها الوطنية في الميزان، وأنّ قرار الفوز بهذه الحرب لا تراجع عنه، وأنّ الوضع الدولي يسمح بذلك إذا ثبت الروس وراء قيادتهم وتمكّنت القيادة من الاستثمار على مكانة بلادها وقدراتها العسكرية والاقتصادية، وعلى حجم الدول التي تتطلّع إلى نهاية حقبة الهيمنة والتحكّم الأميركيين في العالم. وعرض بوتين لتجربة الأزمة السورية كمثال ليقول إنّ دولة بحجم سورية لم تتكلّف روسيا لمساندتها سوى الموقف. صمدت وحدها في وجه قدرات مالية واستخبارية هائلة. وإنّ الصمود الروسي الأخلاقي في وجه الإغراءات المالية من جماعة أميركا لثنيها عن موقفها كما تصدّيها للتهديدات صنعا لها مكانة في وجدان الشعوب لم تنله في الحقبة السوفياتية. ودعا بوتين سفراءه لشرح مخاطر السياسات الأميركية الاستئثارية واستنهاض قوى عالمية هائلة القدرة يضمن تغييراً في النظام العالمي.