الحكومة تهتزّ على حبال التفاوض حول الصفقة مع «أبو طاقية»

كتب المحرر السياسي

كشف الأميركيون أوراقهم بعد أشهر من التفاوض والتصعيد المزدوجين في محوري الاشتباك الدولي الإقليمي مع موسكو وطهران، فبعدما حاولوا زرع الشكوك بين الحليفين، وتقديم الإغراءات لكل منهما على حدة لكسبه وتحييده عن جبهة التحالف مع الآخر، وصلت في توقيت واحد رسالة موحدة للعاصمتين، الحلف يتسع لواحد روسيا أو إيران، وواشنطن لن تتساهل مع ولادة حلف دولي يشبه حلف وارسو بوجه حلف الأطلسي، وهي تقدر أوزان الدول وأحجامها ومستعدة للتعامل مع كل دولة على حدة على هذا الأساس.

قالت واشنطن لموسكو مستعدون لصفقة حول أوكرانيا تحقق المصالح الروسية بالبقاء في القرم، وتأمين الحدود الأوكرانية الروسية كجزء من الأمن القومي لروسيا، بصيغة فيديرالية تضمن لذوي الأصول الروسية السلطات المحلية في شرق أوكرانيا، كما قالت واشنطن لطهران مستعدون لتفاهم يطاول اليمن والعراق ويعترف بالمصالح الحيوية لإيران فيهما، ولا مانع من أن تكون إيران راعية الأمن في الخليج بما فيه أمن الطاقة وتدفق النفط والغاز، لكن الأهم في ما قالته واشنطن لموسكو وطهران، أنها في الأزمة السورية تعتمد سياسة مثلثة الأضلاع، واشنطن ليست نشطة ومتحمسة للمواجهة مع الرئيس بشار الأسد، وبالمقابل ليست مستعدة لتطبيع علاقاتها معه، لكنها مستعدة لتنسيق موضعي في الحرب على داعش، وفي لبنان والبحرين تقترح واشنطن تفاهماً سعودياً إيرانياً، يشارك فيه الفرنسيون في لبنان والبريطانيون في البحرين.

ختام الرسالة أن واشنطن تريد حليفاً من اثنين لشراكة طويلة الأمد، والمكان يتسع لواحد فقط روسيا أو إيران، ومن يقدم العرض الأفضل يفوز بالمقعد، وجاءها الجواب مكرراً من موسكو وطهران، نحن لا نبحث عن صفقة بل عن حلول لنزاعات وتصحيح لمسارات، ونظام دولي قائم على القانون لا على القوة، وحلول سياسية بدلاً من الحروب، والمطلوب لهذا الغرض مراجعة أميركية لسياسة الاستفراد والتهرب من استحقاقات الإنصاف، طهران ليست بوارد مقايضة موقفها مع سورية وقوى المقاومة بحل يرضيها في العراق واليمن، وموسكو ليست مستعجلة لحل في أوكرانيا إذا كان الثمن خروجها عن أخلاقياتها بالسلوك كدولة عظمى.

عادت العلاقات إلى نقطة البداية التفاوضية، باستثناء التفاهمات الموضعية، كحال السعي لتبريد الجبهات في أوكرانيا منعا لانفجار طائفي كبير يهز أوروبا، وتشكيل حكومة عراقية جامعة تمنع تمدد داعش على خلفية حرب أهلية طائفية.

هذا الجمود المستحكم دولياً وإقليمياً، وما رتبه من حماوة عسكرية على الجبهات السورية شمالاً وجنوباً، وشرقاً ووسطاً، لم يتسثن لبنان من تداعياته، فكادت الحكومة تترنح على حبال الرقص التي يحركها من عرسال «أبو طاقية» ومن القلمون «أبو مالك»، تحت شعار التبادل لحل قضية العسكريين المخطوفين.

الحكومة: تباينات حول قضية العسكريين

في الأثناء، طغت قضية العسكريين المخطوفين على جلسة مجلس الوزراء أمس، وشهدت تباينات في الآراء حول طريقة التعاطي مع هذه القضية لتأمين عودة العسكريين إلى أهاليهم سالمين ورفض مقايضتهم بموقوفين متهمين بالاعتداء على أمن الدولة والجيش في تواريخ مختلفة. وبعد نقاشات مستفيضة خلص المجلس إلى التأكيد «أنّ موضوع تحرير المخطوفين لا يمكن أن يكون موضع مقايضة، بل يمكن أن يكون موضع تفاوض عبر قنوات دولية استعملت وستستعمل من أجل تحرير المخطوفين».

وعلمت «البناء» أنه جرى نقاش مطول حول الخيارات المطروحة لإطلاق العسكريين وظهر التباين أحياناً حول مسألة الموقوفين الإسلاميين، لكنه ظل تحت سقف التضامن الحكومي بحسب ما أبلغ أحد الوزراء «البناء».

وقالت مصادر رئيس الحكومة تمام سلام لـ«البناء» إن الأخير مهتم في هذا الموضوع إلى أقصى درجات الاهتمام وإن هناك سباقاً مع الوقت لإيجاد الحل وتحقيقه خوفاً من أي انعكاسات أمنية أكثر على الساحة اللبنانية، لافتة في هذا المجال، إلى الحركة الكثيفة للمسلحين، دخولاً وخروجاً، من عرسال. وشددت على أن العمل جار ليل نهار في هذا الموضوع الذي هو الشغل الشاغل للحكومة. ولفتت إلى أن الاتصالات الدولية التي أجراها سلام شملت تركيا وقطر. وتقرر في الجلسة ضم وزير المال علي حسن خليل إلى اللجنة الوزارية المكلفة متابعة الاتصالات في شأن العسكريين والتي هي برئاسة سلام وعضوية وزراء الدفاع والمالية والداخلية والخارجية والعدل. واعتبرت مصادر رئيس الحكومة أن خليل يزيد من رصيد اللجنة وثقلها، مشيرة إلى قدرته على التحرك مع أطراف معينة.

وفي حين لم تستعمل الدولة بعد أي وسيلة ضغط تجاه الخاطفين، أشار وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ»البناء» إلى أن الحكومة ستلجأ إلى كل الوسائل المتاحة لإطلاق سراح العسكريين وهي كثيرة، معلناً أن الحكومة ستبعث برسالة للجهات الخاطفة لن تكشف عنها إلا في الوقت المناسب لنجاح الخطة، وشدد على أن أي عمل سيقوم به الخاطفون ضد العسكريين سيتحملون مسؤوليته، رافضاً حصر التفاوض في هذه القضية بدولتين ومؤكداً أن «الحكومة لن تتقيد بالتفاوض مع تركيا وقطر فقط».

وأوضح أن البيان الذي صدر عن مجلس الوزراء صاغه الوزراء خليل، محمد فنيش، رمزي جريج، نهاد المشنوق وجبران باسيل مجتمعين.

الوفد القطري في عرسال

وليلاً أفادت معلومات عن وصول الوفد القطري المفاوض إلى عرسال للقاء الجهات الخاطفة للعسكريين غداً في القلمون.

لكن عضو «هيئة علماء المسلمين» الشيخ حسام الغالي أكد لـ«البناء» أن الأمور تتجه إلى المزيد من التعقيد في قضية العسكريين، جراء زيادة الشروط التعجيزية للخاطفين، موضحاً أن «جبهة النصرة» أصبحت تطالب أيضاً بالمقايضة بموقوفين إسلاميين في سجن رومية، وقال: «هؤلاء لا يفهمون بمنطق الدولة والقضاء». وأشار الغالي إلى أن اتصالات الهيئة المباشرة مع المسلحين مقطوعة، لكنها لا تزال تتواصل معهم بطريقة غير مباشرة عبر المشايخ السوريين للتوصل إلى حل لهذه القضية. ورأى الغالي في البيان الصادر عن مجلس الوزراء بياناً ملغوماً مشيراً إلى أن البيان لا يرفض المقايضة بالكامل، ومستنتجاً أن «هناك شيئاً ما يطبخ تحت الطاولة»، ورأى أن اليومين المقبلين سيكونان الأصعب في المفاوضات.

وعن إعدام المواطن كايد غدادة من بلدة عرسال على يد داعش، لفت الغالي إلى أن بعض شباب عرسال يعتبرونه خائناً ومخبراً عند حزب الله. وكان «داعش» خطف غدادة من عرسال منذ أقل من أسبوع.

استعدادات عسكرية وحشود

في غضون ذلك، استمر الاحتقان الأمني مسيطراً على بلدة عرسال. وتوقعت مصادر مطلعة أن يشهد الوضع الأمني في عرسال تغييرات ميدانية جذرية، وتطورات دراماتيكية، فمصادر في قيادة الجيش تؤكد أن الجيش استكمل جاهزيته وهو قادر على احتواء أي هجوم، وكل ما يشاع عكس ذلك ليس إلا مجرد تهويل وحرب نفسية، لأن المسلحين باتوا مجموعات مشردة ومحاصرة في منطقة جبلية، وتحركاتهم محاولة للهروب إلى الأمام.

وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي وثيقة أمنية مسرّبة تشير إلى عدد من السيارات التي قد تكون معدة للانفجار في لبنان بعد حوادث عرسال. وتظهر الوثيقة 3 سيارات وأرقامه، وهي: نيسان باترول ستايشن لون كحلي رقم 618252 صنع 2007. نيسان باترول ستايشن لون كحلي رقم 618253 صنع 2007. نيسان باثفيندر ستايشن لون أبيض رقم 611055 صنع 2006. كما توافرت معلومات عن وجود سيارتي نيسان باترول لون بني من دون لوحات في محلة وادي حميد عرسال، ويمكن أن تكون إحدى السيارات المذكورتين أعلاه.

من جهة أخرى، أكدت معلومات واردة إلى استخبارات الجيش من الاستخبارات الفرنسية، أن تنظيم داعش» ومعه «جبهة النصرة»، و»لواء فجر الإسلام»، و»ألوية الحبيب مصطفى»، أنهوا حشد حوالى 2000 مقاتل، في منطقة فليطة، وفي الجرود الشمالية القريبة من عرسال، بغية البدء بمعركة القلمون، وشكل تنظيم داعش قيادة ميدانية لإدارة المعركة.

وتحدثت المعلومات عن استعدادات لحزب الله بالتعاون مع الجيش السوري من جهة الحدود السورية تتضمن وحدات نخبة مجهزة بأسلحة نوعية بعضها يظهر للمرة الأولى في الميدان بينما يتولى الجيش اللبناني الجهة المقابلة.

بري: الوضع لم يعد يطاق

سياسياً بقيت كل الملفات الخلافية وعلى رأسها الاستحقاق الرئاسي، جامدة، فيما تواصل تقديم الترشيحات إلى الانتخابات النيابية، وكان أبرزها أمس لرئيس المجلس النيابي نبيه بري وقسم من كتلته.

وقالت مصادر بري لـ»البناء» أن هذا أمر طبيعي وينسجم مع موقفه الذي أكده مراراً برفض التمديد للمجلس خصوصاً أن هذا المجلس الممدد له لا يزال معطلاً. وأشارت إلى أنه كان أوعز إلى نواب كتلته بتقديم ترشيحاتهم وفعلاً قدم عدد منهم طلبات الترشيح والآخرون سيقدمونها الأسبوع المقبل.

من جهة أخرى، علمت «البناء» من مصادر مطلعة أن بري أبلغ زواره قبل مغادرته لبنان أمس في زيارة خاصة، «أن الوضع لم يعد يطاق ولا يجوز الاستمرار على هذا المنوال من الانحدار». وقال: «لقد حاولنا وقمنا بما يمكن أن نقوم به في أكثر من ملف ولا سيما الاستحقاق الرئاسي والآن علينا أن ننتظر ماذا سيفعلون». ولمس الزوار منه «أن ليس هناك في الأفق أي شيء إيجابي في هذا الخصوص».

إلى ذلك،علمت البناء أن نواب تكتل التغيير والإصلاح سيتقدمون الأسبوع المقبل بترشيحاتهم للانتخابات النيابية، وأشارت مصادره لـ»البناء» إلى أنه على رغم أن القانون الحالي سيعيد التركيبة نفسها والانقسام العامودي الحاصل إلا أننا نرفض التمديد ونشدد على ضرورة أن يمارس الشعب حقه في الانتخابات النيابية والرئاسية.

وفيما أكد حزب الله أن نواب كتلة الوفاء للمقاومة سيقدمون ترشيحاتهم قريباً من دون تحديد تاريخ معين، أكد وزير العمل سجعان قزي لـ»البناء» أن قرار تقديم نواب حزب الكتائب ترشيحاتهم سيبحث في الاجتماع المقبل للمكتب السياسي، وأوضح النائب جوزف المعلوف لـ»البناء» أن القوات اللبنانية لم تتخذ أي قرار بعد في هذا الشأن، داعياً إلى ضرورة العمل على إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً. وأشار إلى أن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع سيتناول في خطابه غداً السبت الملف الرئاسي كأولوية ولا سيما بعد المبادرة التي قدمها فريق 14 آذار مجتمعاً، بالإضافة إلى التحديات في المنطقة في ظل ظهور تنظيم «داعش». وإذ تمنى المعلوف على فريق 8 آذار الانفتاح على المبادرة، أشار إلى أن الاتصال مع القيادات السياسية سيكون تحت سقف البرلمان للذهاب إلى مرشح توافقي يتلاقى مع تطلعات فريق 14 آذار.

في مقابل ذلك، أكد النائب الأسبق لرئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي لـ»البناء» أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون يقول: «أعطوني قوانين انتخابية تعيد إنتاج الدور المسيحي وفق اتفاق الطائف من دون أن أكون أنا رئيساً للجمهورية، أما أن لا تفعلوا ذلك والإتيان برئيس شبيه الرئيس ميشال سليمان يتم خلال وجوده ضرب الدور المسيحي، فلن أقبل بهذا الأمر».

في سياق آخر، كشف وزير التربية الياس بو صعب أن باب التسجيل في المدارس الرسمية قد أقفل، باستثناء الطلاب اللبنانيين، مشيراً إلى أن لبنان يعيش كارثة حقيقية بعدما تبين أن هناك 400 ألف طالب سوري في البلد، مع العلم أن الطلاب اللبنانيين المسجلين العام الماضي في المدارس الرسمية بلغ 275 ألفاً.

وأعلن بو صعب في حديثٍ عبر الـLBCI أنه يتم درس خطة لتمكين جميع الطلاب السوريين والأجانب من الدخول إلى المدارس، وذلك بجمع مبلغ 600 مليون دولار بالتعاون مع الأمم المتحدة، لتستطيع الدولة إضافة عدد المدارس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى