جنبلاط في مصر: هل لا يزال السيسي يفضّل قهوجي؟
يوسف المصري
طرق النائب وليد جنبلاط باب القاهرة الموجودة في هذه اللحظة على مسافة قريبة من ثلاثة مواقع مؤثرة في الوضع اللبناني: الموقع الأول يتمثل بقرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من السعودية المعتبرة أحد طرفي معادلة الحل الإقليمي في لبنان، والمقصود بالطرف الثاني إيران.
وتستطيع مصر أن تلعب الدور الذي كانت باريس تتحفز لأخذه، وهو التبرع بأداء دور جسر التفاهم حول استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وليس التصالح حول ملف الساحة اللبنانية. المقصود هنا إبرام انفراج سعودي إيراني في لبنان جزئي ويخدم التوجه لضمان عدم انهيار الحد الأدنى من الاستقرار فيه المطلوب دولياً.
هل يقبل السيسي بهذا الدور؟ أغلب الظن أنه يريد أقله ضوءاً أخضر دولياً بهذا الاتجاه، علماً أن مصر لديها «إمكانات وإشكالات» بخصوص ملف التوسط بين إيران والسعودية. تتمثل الإمكانات بعلاقتها القوية مع السعودية وأيضاً بجو مقبول من العلاقة مع إيران. أما الإشكالات فتتعلق بأن علاقة القاهرة بواشنطن لا تزال غير مستقرة، إضافة إلى أن السعودية قد لا تشجع أن تلعب مصر تحديداً دور الوسيط بينها وبين إيران، لأنها تسعى لجعلها طرفاً معها بمواجهة الأخيرة.
الموقع الثاني الذي يشجع جنبلاط على الحديث مع مصر في شأن لبنان، يتمثل بأن السيسي هو صاحب مشروع مقاتلة الإرهاب التكفيري على كل الجبهات العربية. وهو صاحب نظرية أن على الدول العربية وأحزابها المحسوبة على الاعتدال الإسلامي تغليب هدفها المشترك لمقاتلة التكفيريين واجتثاثهم أمنياً وفكرياً، على خلافاتها السياسية.
ويمكن لجنبلاط في هذا المجال الاستثمار في الرؤية المصرية غير السلبية لحزب الله. فهو من وجهة نظر القاهرة، ليس حزباً دينياً كالإخوان المسلمين مثلاً الذي تضعه القاهرة في لائحة القوى التكفيرية المطلوب مقاتلتها، بل تعتبره حزباً لبنانياً. إضافة إلى أن مصر ليس لديها عقدة كتلك التي تنتاب السعودية من قتال حزب الله في سورية. وتقول مصر بحسب مصادر مقربة منها، إنه طالما الدولة السورية قابلة بقتال حزب الله على أرضها، فإن القاهرة لا تجد نفسها مضطرة لمطالبة الحزب بالخروج من سورية، خصوصاً في وضع تقوم فيه دول بمطالبة الأطلسي بالتدخل عندها.
الموقع الثالث الموجود فيه السيسي وله صلة بأوضاع لبنان أيضاً هو دعوته لإطلاق مشروع الاعتدال الإسلامي والمقصود هنا الاعتدال السني ومنحه أسباب القوة السياسية والدينية لكي ينجح في منع التكفيريين من التسلل إلى مجتمعاتنا. وضمن هذا السياق جاءت مبادرة سفارة مصر في بيروت لإنهاء الخلاف السياسي السني حول دار الفتوى والمساعدة على انتخاب مفت جديد. وقامت مصر في إطار مسعاها الآنف للاتصال بكل القوى ذات الصلة بصراع دار الفتوى، بما فيها السفارة السورية وقوى في ٨ آذار وأيضاً بطيف واسع من الشخصيات والقوى السنية، ودعتهم جميعاً لتناسي خلافاتهم السياسية لمصلحة دعم الاعتدال السني ووحدته داخل دار الفتوى من أجل تحقيق هدف عزل السلفيين المتطرفين والإخوان المسلمين بداخله.
وبعد نجاح مبادرتها التي تتوجت بانتخاب المفتي عبد اللطيف دريان، بإجماع أصوات الإسلام المعتدل بكل أطيافه السياسية، تم طرح سؤال عما إذا كانت هذه المبادرة المصرية سيتم استتباعها بمبادرات تالية لحل ملفات خلافية لبنانية أخرى، منها ملف الشغور الرئاسي؟.
وآنذاك أكدت مصادر مصرية أنه ليس في جعبتها أية مبادرة أخرى في لبنان، وأن مبادرتها تجاه دار الإفتاء هي جزء من استراتيجية مصرية على مستوى المنطقة هدفها تحصين المؤسسات الدينية والسياسية الإسلامية السنية بوجه الهجمة التكفيرية الإسلامية، خصوصاً أن مصر تعتقد أن التكفيريين نجحوا في التغلغل داخل مجتمعاتنا ومؤسساتها الدينية والسياسية نتيجة استغلالها للخلافات السياسية الموجودة داخل صفوف القوى الرسمية والحزبية المؤمنة بالإسلام المعتدل.
هل ينجح جنبلاط في تغير رأي مصر أو تطويره لمصلحة قيامها بمبادرة لإنهاء الشغور الرئاسي بعد أن نجحت في إنهاء حالة الشلل في دار الإفتاء ؟؟ ، وفي حال حصل هذا الأمر، فأي رئيس جمهورية تفضله القاهرة؟.
حتى فترة غير بعيدة توافرت معلومات لبيروت تفيد أن القاهرة ميالة لانتخاب قائد الجيش العماد جان قهوجي رئيساً للجمهورية. والسبب برأي مصر هو وجود تفكير دولي جديد بدا يستشعر بالخوف من انتشار الإسلام التكفيري في المنطقة ومن احتمالات تشظياته على دول الغرب نفسها. وعليه غير الغرب من تكتيكاته، فبدل أنه كان يتوسل الأحزاب الإسلامية لإسقاط الأنظمة وضرب جيوشها، بدا يتجه لاستخدام جيوش الدول العربية لضرب الإسلاميين المتشددين. وعليه فإن المرشح الذي يناسب هذا التوجه الجديد في التفكير الدولي هو قائد الجيش قهوجي.
أضف إلى ذلك أن القاهرة المنقادة حالياً من مناخ العسكر المصر على عدم الهدنة مع الإسلام المصري السياسي، يهمها أن يعم توجهها باقي الدول العربية. وتجد بوصول قهوجي من قيادة الجيش إلى قصر بعبدا نوعاً من الامتداد اللبناني لما حدث في مصر بعد إسقاط محمد مرسي وصعود السيسي من صفوف الجيش إلى قصر القبة.
ومقابل هذه المعلومات الآنفة برزت مؤخراً معلومات متحدة تفيد أن القاهرة فعلاً كانت منذ وقت قصير تفضل قهوجي، ولكن مؤخراً برز تعديل على موقفها وذلك للحد الذي أصبحت لا تمانع بوصول جان عبيد إلى الرئاسة، إذا كان الأخير يستطيع أن يحصد إجماع لبناني أكبر حوله كمرشح وسطي. وتلفت هذه المعلومات إلى أن عبيد لم يزر في المنطقة خلال الآونة الأخيرة سوى دولتين هما السعودية ومصر.