تقرير
تطرّقت صحيفة «كومرسانت» إلى الأوضاع السياسية في الأردن مشيرة إلى أن الإسلامويين يشنّون هجوماً على النظام العلماني للملك عبد الله الثاني.
وجاء في المقال: بدأ رئيس وزراء الأردن هاني الملقي تشكيل حكومة جديدة، بعد إجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة يوم 20 أيلول الجاري، والتي شارك فيها الإسلامويون بشخص حزب «جبهة العمل الإسلامي» للمرة الأولى منذ عام 2007، حيث حصلوا على 16 مقعداً من مجموع 130. وهذه هي الحبكة الرئيسة للحملة الانتخابية، لأنّ «جبهة العمل الإسلامي» تبقى القوة الرئيسة المعارضة في المملكة.
وبحسب الخبراء الذين استطلعت «كومرسانت» آراءهم، فعلى رغم أن هذا لا يعني تسلُّم الإسلامويين السلطة في المملكة، فإنهم نتيجة توسّع شعبيتهم يستطيعون التضييق على الأحزاب الموالية للملك عبد الله الثاني ومحاولة فرض إرادتهم السياسية على النظام العلماني.
إن ما يؤكد ازدياد نشاط الإسلامويين في المملكة، اغتيال الكاتب الأردني المسيحي المعروف ناهض حتّر 56 سنة نتيجة إصابته بثلاث طلقات نارية أمام قصر العدل، حيث كان خارجاً من المحكمة بكفالة مالية بعد اتّهامه بالإساءة إلى المشاعر الدينية للمسلمين، لنشره في شبكات التواصل الاجتماعي كاريكاتيراً تحت عنوان «في الجنة»، حيث يرقد رجل ملتحٍ في السرير مع امرأتين ويطلب من الله جلب النبيذ له. وقد أوضح ناهض حتّر أنه لم يكن ينوي المسّ بالذات الإلهية، بل كان يحاول فقط السخرية من علاقة مسلّحي «داعش» بالدين.
ومسؤولية اغتيال ناهض حتّر تقع، بحسب شقيقه ماجد، على عاتق وزير الداخلية ووزراء آخرين.
من جانبه، وصف الناطق بِاسم الحكومة الأردنية محمد موماني الاغتيال بـ«الجريمة الفظيعة»، وحذّر من أن كلّ من سيحاول إثارة الفتنة والكراهية في المجتمع سيواجه «قبضة الدولة الحديدية».
وكان ناهض حتّر قد تلقّى عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بحسب أقاربه، أكثر من مئة تهديد بالقتل، وأن بعضهم اتصلوا به هاتفياً وهدّدوه بالقتل إذا لم «تأخذ العدالة مجراها».
أما بالنسبة إلى السلطات الأردنية، فهذه العملية مرتبطة بظاهرة التطرّف، وهي ليست الأولى. ففي حزيران، قُتل ثلاثة من أفراد القوات الخاصة واثنين من المسؤولين في الحكومة الأردنية بعملية إرهابية نفّذت في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين الواقع غرب الأردن. وفي تشرين الثاني عام 2015 أطلق عسكري أردنيّ النار في معسكر للتدريب قرب عمّان وقتل اثنين من المدرّبين الأميركيين ومواطناً من جنوب أفريقيا.
وحتى وقت قريب، كانت المملكة تعدُّ الدولة الأكثر استقراراً في الشرق الأوسط. بيد أن قيادة البلاد متخوّفة من أن يؤدّي توسّع الأزمة السورية وتدفق اللاجئين والمشكلات الاقتصادية إلى تغيّر الأوضاع، لا سيما أن المملكة عضو في تحالف يضمّ 65 دولة يحارب «داعش» في سورية والعراق، وهذا يعني أنها هدف للمتطرّفين.
كما تزداد داخلياً الضغوط على السلطات الأردنية من جانب الإسلامويين. وهذا ما تشير إليه نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت يوم 20 أيلول الجاري، حيث تَنافس 1252 مرشحاً على 130 مقعداً غالبيتهم من المستقلين الذين يمثلون العشائر المحلية.
39 مقعداً حصلت عليها أحزاب الوسط والقوميون العرب واليسار، الذين كانت مطالبهم في الغالب اقتصادية واجتماعية: مثل حماية حقوق العمال، ومكافحة الفساد والبطالة.
لكن ما لفت الأنظار في هذه الانتخابات، يقول مدير «مركز القدس للدراسات السياسية» في عمّان عريب الرنتاوي، هو حزب «جبهة العمل الإسلامي» الجناح السياسي لفرع «الإخوان المسلمين» في الأردن، الذي شارك في الانتخابات البرلمانية للمرّة الأولى عام 2007، وحصل على 16 مقعداً. ويؤكّد الرنتاوي أن الإسلامويين لم يتخلّوا عن فكرة إجراء إصلاحات سياسية، حيث أصبح تعيين رئيس الحكومة من حق البرلمان لا الملك.
ويذكر أن «جبهة العمل الإسلامي» كان لديها منذ تسعينيات القرن الماضي 20 مقعداً في البرلمان، ولكنها رفضت المشاركة في انتخابات عامَي 2010 و2013، ورفضت الاعتراف بنتائج انتخابات عام 2007. ومع بدء «الربيع العربي»، بدأ الإسلاميون بتنظيم التظاهرات محاولين الضغط على الحكومة. وفي عام 2014 سُحب ترخيص «جبهة العمل الإسلامي» بعد صدور قانون جديد للأحزاب السياسية في المملكة، ولكنها عادت بعد سنة إلى ممارسة نشاطها السياسي. ورغم ذلك لم يطرح قادة الجبهة شعارات إسقاط السلطة وتغيير النظام ولم يراهنوا على استخدام السلاح في نضالهم. ويلعب عناصر الجبهة الذين تربطهم علاقات وثيقة بحركة «حماس» الفلسطينية دوراً كبيراً في نشاطها، حيث يشكّل الفلسطينيون، وفق إحصاءات غير رسمية، زهاء 60 في المئة من سكان الأردن، وهؤلاء لا يعدُّون من الموالين للعائلة الحاكمة تماماً، ولكنهم يشكلون الناخبين الأساسيين للجبهة.
من جانبها، تقول مستشارة مدير «المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية» يلينا سوبونينا، إن «جبهة العمل الإسلامي» قرّرت المشاركة في الانتخابات لتعلن عن نفسها من جديد إذ إنها حالياً ليست في أحسن وضع، خصوصاً بعد أن فقد «الإخوان» السلطة في مصر نتيجة الانقلاب العسكري. وبحسب قولها، فإن للإسلامويين شعبية في الأردن، على رغم أن بعض شعاراتهم غريبة جداً. مثلاً، دعا أحد المرشحين لمجلس النواب الناخبين إلى تحرير الأندلس. هذا من جانب يدل على عدم نضوج المرشحين الإسلامويين سياسياً، ومن جانب آخر مثل هذه الشعارات يمكن أن يكون لها صدى بين الناخبين. وعموماً كانت الشعبوية وتبقى السمة المميزة لـ«الاخوان المسلمين».