صناعة المدافئ في راشيا: مواجهة الصقيع بإبداع أقرب إلى النحت
شبلي أبو عاصي راشيا
صناعة المدافئ في راشيا، ليست وليدة اليوم، لعلها شارفت على بلوغ عامها المئة. هذه الصناعة، استخدمها المواطن «الريشاني» في الثلاثينات من القرن الماضي، لكن بوسائل قديمة، إذ كانت الغاية منها توليد الدفء والحرارة، لاتقاء برودة الطقس وصقيع الثلوج، التي تغطي الأودية والمرتفعات وكلّ القرى والبلدات، في قضاء راشيا.
مع مرور الزمن، تمكن المواطن «الريشاني» من تطوير هذه الصناعة وإضافة تقنيات حديثة لها، وشكلاً هندسياً جميلاً يجمع الروعة بالإبداع حتى أصبحت مدينة راشيا اليوم، مركزاً أساسياً في لبنان لصناعة «الصوبيات» و«الوجاقات» يقصدها آلاف اللبنانيين من جميع المناطق، خصوصاً في شهري أيلول وتشرين الأول، من كلّ عام، لشراء ما يستعدّون به لفصل الشتاء، من «صوبيات» ريشانية مشهورة، ومونة بيتية تصنع طبيعياً في راشيا والقرى المجاورة لها، خصوصا العسل، الألبان، الأجبان، الدبس والحبوب على أنواعها.
هذه الصناعة الجميلة، من أهمّ ما أنتجه المواطن الريشاني، من حيث التصميم والإبداع والأناقة والجمال والنوعية والجودة، في التصنيع والسرعة في الاشتعال وتوليد التدفئة، فإزداد الطلب عليها، حسب رغبة الزبائن، في شكل المدافئ وأحجامها وقياساتها.
صناعة المدافئ تلقى اهتماماً زائدا من قبل الصناعيين في راشيا. عن هذا الجانب يتحدث الصناعي الشهير بفنه، الشيخ يوسف القضماني، قائلا: منذ أكثر من أربعين عاماً، أعمل في هذه الصناعة الجميلة، صناعة المدافئ . وهذا العمل توارثته عن الأهل، لأنّ عمر هذه الصناعة، في راشيا، يعود إلى ما قبل الثلاثينات من القرن الماضي. يضيف: نعمل وفق مفهوم يقول، إنّ الإتقان في العمل هو أساس النجاح والتركيز على اللمسات اليدوية هو فن وإبداع أشبه ما يكون بالنحت والرسم.
يتابع: نحن في مصنعنا لا نقوم بعمل الزخارف، ولا نلتفت للأشكال النظرية، وإنما نعمل على بقاء القديم وندخل إليه التطوير المناسب.
خلال جولتنا على بعض المصانع في راشيا، التي يزيد عددها على العشرة مصانع، مختصة بصناعة «الصوبيات»، وتشغّل عشرات العمال، وتصنع سنويا أكثر من 15000 مدفأة، على اختلاف انواعها وأحجامها وقياساتها، لاحظنا أنّ العديد من الزوار، من مختلف المناطق: من البقاع والشمال وجبل لبنان وغيرها، قدموا لشراء حوائجهم الشتوية من راشيا. خصوصاً أنّ موسم الشتاء على الأبواب. والمواطن اللبناني يواجه ظروفه الاقتصادية الصعبة، في حركة لا تهدأ، لتأمين الضروريات: للمدارس وهمومها والمونة البيتية والتدفئة المازوت أو الحطب ومتطلباتها، استعداداً لفصل الشتاء، في حين أن الدولة غائبة وغير آبهة بحياة الناس وهمومها وهي تتلهى، فقط، بالصفقات والسمسرات، التي تتناقلها ألسنة كل المواطنين.