أحقاً «النظام» ديمقراطي في الولايات المتحدة الأميركية؟!
أسامة العرب
أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة برينستون أنّ الولايات المتحدة الأميركية دولة تفتقر كلياً للديمقراطية، وبأنّها عبارة عن شبكة منظّمة يحكمها مالكو الشركات المتعدّدة الجنسية خلافاً لإرادة غالبية الشعب الأميركي. وعموماً، تعتبر الشركات المتعدّدة الجنسيات بأنها المؤسّس الأول للمنظمات الصهيونية الأميركية، ومن الظواهر البارزة بعد الحرب العالمية الثانية، لا سيما أنها تؤثر بشكل كبير في سياسات الدول، حيث تدفع العديد من كبار السّاسة والأحزاب المنظمة لتحقيق أهداف الشركات الخاصة عوضاً عن أهداف دولتهم الوطنية. ولقد تعدّدت تعاريف ومفاهيم تلك الشركات بتعدد جوانبها وأبعادها وأدوارها، وأخذت أنماطاً مختلفة منها ما هو تجاري أو مالي أو مصرفي، ومنها ما هو سياسي أو أمني تتكامل بينها رأسياً وأفقياً. وعلى هذا الأساس فإنّ تلك الشركات تدمج الرأسمال الاقتصادي مع الرأسمال السياسي، لتحقق المنفعة المشتركة لكلّ من رجال الأعمال والساسة في آن واحد.
وقد أعدّت BBC تقريراً أوضحت فيه بأنّ مالكي مئة شركة متعدّدة الجنسية في أميركا يسيطرون على 80 من إنتاج الولايات المتحدة بأكمله، فيما يسيطر مالكو الشركات الخمس الأكبر منها على ثلث ذلك الإنتاج. وقد اكتسبت تلك الشركات رواجاً كبيراً بفعل الثورة التكنولوجية الحديثة وثورة الاتصالات، وقدرة على الإنفاق على أغلب الأحزاب والشخصيات القيادية والأمنية الأميركية. وكثير منها في الواقع مؤسسات قوية جداً وتمتلك موارد تتخطّى أصولها المنقولة وغير المنقولة ما يقارب الـ 28 تريليون دولار أميركي. كما أنها تمارس عملها من خلال شبكة معقّدة من البنى المؤسسية والتنظيمية وفق منظومة متكاملة تضع تحت إدارتها أكثر من ثلث الإنتاج العالمي، كما تستحوذ بفعل عقود الامتياز النفطي ونظام البترودولار على 75 من الموارد النفطية في الدول التي تبسط الولايات المتحدة نفوذها فيها، فيما تحصل الدول المنتجة للنفط حقيقةً على 25 من قيمة مخزون بلادها.
أما على الصعيد الدولي، فقد تجسّدت ممارسة تلك الشركات في سعيها لترسيخ الفكر الاستعماري الذي يؤمّن لها الامتيازات الهائلة، وفي زيادة مديونية أغلبية الدول النامية، وفي هجرة الأدمغة وتعميق الفقر والفجوة الصناعية والتكنولوجية والعلمية بينها وبين الدول المستضعفة. كما يمكن إيجاز أثر تلك الشركات دولياً، بإضعاف سيادة الدول المتعاملة معها وتقليص دورها الاقتصادي والاجتماعي وخلق شريحة اجتماعية طفيلية تعيش على حساب تمويل مديونية دولها. ومؤخراً بات نشاط تلك الشركات يحظى بأهمية كبيرة في العديد من أدبيات السياسة الدولية والاقتصاد العالمي، وفي تقارير العديد من المنظمات الدولية، وعلى رأسها تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD حول الاستثمار العالمي، وذلك نظراً للدور الذي تلعبه في السيطرة على القيادات والأحزاب المنظمة ووسائل الإعلام والأجهزة الأمنية والمؤسسات المالية والمصرفية وصناديق الاستثمار وأسواق العمل ومنافذ التسويق وتدفقات حركة رؤوس الاموال، حتى سلّم الجميع بأن دورها بات ينعكس على مستقبل أغلبية دول العالم.
ففى تقرير نشره موقع «غلوبال ريسرش»، تبيّن أنّ مالكي الشركات المتعددة الجنسية في أميركا هم أنفسهم أعضاء منظمة الأيباك، والذين يقومون بتمويل معظم المسؤولين السياسيين والأمنيين والإداريين الأميركيين، ويراقبون كلّ السباقات الانتخابية، ويضعون تقارير حول كلّ مرشح، ومدى ولائه لمنظمتهم. كما يلعبون دوراً في إيصال أو إقصاء النخبة السياسية والأمنية في أميركا، ابتداءً بأعضاء مجلسي النواب والشيوخ وانتهاءً برؤساء الأحزاب وحتى برئيس الجمهورية. ومن بين أبرز هؤلاء الأخوة كوش، وشيلدون أدلسون، وبول سينغر، ومالكو مؤسسة الخدمات المالية والاستثمارية غولدمان ساكس، وآخرون من أصحاب الشركات. ووفقاً لمقالة نشرت مؤخراً في جريدة «نيو اوبزرفر» بعنوان «هيلارى كلينتون: مرشحة اللوبي الصهيوني» تمّ الكشف بأنّ المموّلين السبعة لحملة كلينتون الانتخابية، جميعهم من صهاينة منظمة الأيباك، ومن بينهم رجل الأعمال الشهير جورج سوروس، الذي تبرّع وحده لحملة كلينتون بما يزيد على 7 ملايين دولار، ورجل الأعمال حاييم سابان الذي وفقاً لمجلة «فوربس»، يحتلّ المرتبة الـ98 في قائمة أثرياء أميركا، ويوصف بأنه صهيوني متعصّب، فقد تبرّع بما يزيد عن 5 ملايين دولار، إضافة إلى المنح التي تبرّعت بها زوجته بشكل منفرد. أما المموّل الثالث لحملة كلينتون فهو عائلة «بريتزكير»، وهي واحدة من أغنى العائلات على مستوى العالم، حيث قامت بمنح حملة كلينتون ما يقارب الـ4 ملايين دولار، هذا عدا أنها سبق أن دعمت في الماضي حملة الرئيس أوباما. وكشفت مؤسسة «جوديشال ووتش» عن وصول قيمة التبرّعات المعلنة لكلينتون حتى الآن إلى ما يفوق عن 500 مليون دولار، أما التبرّعات غير المعلنة فتفوق ذلك بكثير. من ناحية أخرى، لم تشر الصحف الأميركية سوى إلى الدعم المالي الذي قدّمه رجل الأعمال الأميركي اليهودي شيلدون أدلسون للمرشح الجمهوري ترامب، فيما أعلنت حملة هذا الأخير بأنها جمعت حوالي 80 مليون دولار تبرعات في شهر تموز فقط، أما المجموع النهائي فلم تصرّح عنه. ولكن بحسب تقرير أعدّته وكالة «تاس»، فقد تبيّن أنّ المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب قد أنفقا حتى الآن على الدعايات الإعلامية وحملات الترويج نحو 500 مليون دولار، فيما خصص ترامب 140 مليون دولار للدعاية الإعلامية فقط. كما نقلت وكالة «اسوشيتد برس» عن جيسون ميلر المتحدث باسم الحملة الانتخابية لترامب، أنّ 100 مليون دولار من المبلغ الإجمالي قد خُصّص للدعاية التلفزيونية، و40 مليون دولار للدعاية في الإعلام الإلكتروني. فيما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» في وقت سابق بأنّ تكاليف حملة انتخاب ترامب أقلّ بكثير من تكاليف كلينتون، مشيرة إلى أنّ نفقات الأخيرة على الدعاية فقط تجاوزت الـ 300 مليون دولار حتى شهر آب.
إلا أنه وبالرغم من كلّ مليارات الدولارات التي تنفق على الحملات الانتخابية الأميركية، أو تلك التي تنفق على إعداد قادة وحكام ومسؤولي الولايات المتحدة الأميركية، فلا تزال مشاركة الأميركيين في عمليات الاقتراع ضعيفة جداً، وخاصة في انتخابات مثل انتخابات التجديد النصفي التي حدثت مؤخراً. ففي الانتخابات الأخيرة، شارك 36.4 فقط من الناخبين، وهذه هي أدنى نسبة مشاركة منذ 72 عاماً. هذا عدا أنّ 90 من الشعب الأميركي لا يفقه شيئاً في السياسة الخارجية لدولته، كما تمّ تهميش دوره لدرجة أنه لم يعد يكترث سوى بالأمور الاجتماعية والاقتصادية، خصوصاً بعد أن قام رؤساء الشركات المتعددة الجنسية بتملك كافة وسائل الإعلام الأميركية، وباعتماد تكتيكات التخويف وإثارة الرعب في نفوس المواطنين بوسائل خلاّقة، كالترويج مثلاً لامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وإيران لصواريخ نووية، أو الإيحاء بأنّ روسيا احتلت القرم، أو أنّ السوريين واللبنانيين والفلسطينيين يرهبون «الإسرائيلي»، أو أنّ ارهابيّي 11 أيلول كانوا يلبسون طاقيات إخفاء طوال فترة إقامتهم في الولايات المتحدة، أو أنّ تمويل وتسليح الانتحاريين يسقط من السماء!
وبعد استعراض كلّ ما تقدّم، هل يمكن القول بعدها بأنّ النظام الأميركي هو ديمقراطي وأنه حكم الشعب بالشعب ولأجل الشعب؟ أم أنها دولة أرستقراطية إقطاعية تجيد التسويف وتزييف الحقائق؟ وما أدلّ على ذلك سوى قول المدعي العام السابق الأميركي إيريك هودلر: «إن تسريبات المتهم إدوارد سنودن قد أسدت خدمة حقيقية للشعب الأميركي»!
محام، نائب رئيس
الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً