ائتلاف أنقرة ـ طهران ـ موسكو… و التكامل الأوراسي!
ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
كتب بيبي إسكوبار في مدوّنته الإلكترونية:
إذاً الرئيس التركي، رجب طيّب أردوغان، على وشك أن يقوم بزيارة إلى طهران علماً أن تاريخ الزيارة لم يُحدّد بعد بانتظار ما سيقرّره التحالف الثلاثي لـأنقرة ـ طهران ـ موسكو في سورية.
وكلّ من قام بالتلميح إلى هذا التحوّل الجيوسياسي الهائل منذ أسابيع مضت، صُنّف على أنه رجل مجنون. فكيف إذا حدث المستحيل؟
أما اللاعب الرئيس في هذه التغيّرات الاستراتيجية، فهي روسيا التي تستخدم المطارات الإيرانية لإرسال الانتحاريين ضدّ «الجهاديين» في سورية، مع التداعيات التي تنشأ عن ذلك وبطريقة مضلّلة أكثر من المعتاد، متجاهلةً الاتهامات التي تطلقها وسائل الإعلام الأميركية باتجاهها.
ثمّ، هناك ما صرّح به رئيس الوزراء التركي بين علي يلدريم، والذي قال في اسطنبول: «إن الأولوية الأكثر أهمية بالنسبة إلينا تكمن في إيقاف شلال الدم الهادر في سورية في أسرع وقتٍ ممكن».
كما أضاف يلدريم أن أنقرة وافقت مع موسكو على أنه يمكن للرئيس السوري بشار الأسد البقاء في السلطة في خلال العملية الانتقالية على رغم أن هذا موضوع للنقاش . فأنقرة تتحرّك بقوة نحو تطبيع العلاقات مع موسكو لما لهذه الشراكة المهمة من تأثير في التحوّل السياسي.
وجاء هذا «التحوّل السياسي» كنتيجة مباشرة للانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، وخصوصاً في ظلّ السكوت المريب من قبل حلف شمال الأطلسي بُعيد إسقاط الطائرة الروسية في 24 تشرين الثاني الماضي.
ويشير عدد من البصريات الدقيقة إلى أن «السلطان أردوغان» بدا مستاءً للغاية بسبب موقف واشنطن من الانقلاب. فهو يدرك جيداً أن كثيرين من أهل السياسة يحتقرونه ويتّهمونه بعدم الجدّية في مكافحة «داعش»، أو في قصف مواقع الأكراد، حلفاء البنتاغون في سورية. فالأحداث الحاصلة أثبتت أن أردوغان قد تجاهل وجود «داعش»، مفسحاً في المجال لتدفّق المقاتلين «الداعشيين» الحمقى عبر الحدود من تركيا إلى سورية، ومستفيداً أيضاً من التجارة والربح في النفط السوري المسروق.
وبالنظر إلى موقف واشنطن، فإن موسكو ـ من ناحية أخرى ـ حذّرت أردوغان من وجود حقائق خطيرة وملموسة على أرض الواقع قبل حدوثها. وبالنسبة إلى أردوغان، فقد اعتبر الأمر شخصياً للغاية حيث يُقال إن الانقلابيين كانوا قد أرسلوا فرقة من الكومندوس لقتله حين كان لا يزال في مرمريس.
وفي زيارة سريعة ومفاجئة قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قبل أسابيع إلى أنقرة، ناقش فيها مع نظيره مولود جاويش أوغلو الخيارات الجدّية والخطيرة للنتائج التي قد تصدر عن ائتلاف أنقرة ـ طهران ـ موسكو ومدى قابليتها للتطبيق في سورية. وبعد مرور أيام قليلة، ذهب جاويش أوغلو في زيارة إلى طهران، واجتمع مجدّداً مع ظريف في لقاء استمرّ خمس ساعات.
إنها معركة صعبة، إنّما قابلة للتنفيذ. فطهران تدرك جيداً من هم ضباط الحرس الثوري، كما تعرف بدقة قدرات مقاتلي حزب الله، والمقاتلين العراقيين والأفغان الذين قتلوا على مسرح الحرب السورية، وأن هذه المشاركة لن تمضي عبثاً. فأنقرة تدرك أنها سوف تبقى إلى الأبد أسيرة هذه الصراعات الإيديولوجية الميتة حتماً.
«كردستان السورية»، أين ولمن؟
إلى ذلك، هناك المسألة الكردية المستعصية على الحلّ. فإيران، على العكس من تركيا، لا تواجه الأكراد الانفصاليين. إن تفاهماً ـ بالحدّ الأدنى بين أنقرة وطهران، بالاستناد إلى موجة الاجتماعات الحالية المباشرة والسرّية عبر الوسطاء، تشير بالضرورة إلى أنها تتمحور برمّتها حول سورية المركزية والموحّدة.
لكن أيّاً من هذا لا يتضمّن «كردستان السورية» ـ أي الدويلة الكردية المستقلة ـ الممكن قيامها جنباً إلى جنب مع الحدود التركية، وهي جزءٌ غير خفيّ من أجندة واشنطن/«تل أبيب» البلقانية. وفي الواقع، فإن المسؤول المباشر عن تأثيرات سياسة البنتاغون، يحتوي على عنصر حاشد للرماد في «إمبراطورية الأنين»، أي انتقام كارتر من السلطان أردوغان في محاولة لجعل هذا الأخير يدفع الثمن غالياً بسبب تقاعسه عن سحق «داعش».
ويقودنا هذا الاستنتاج إلى الهجوم التركي الحالي على جرابلس والذي يتضمّن جميع أنواع الغزو. فهذا هو ـ في الواقع ـ الحصن الأخير والبلدة الأخيرة التي يُسمح عبرها لمقاتلي «داعش»، المرور ذهاباً وإياباً من الجنوب التركي إلى الرقة في سبيل تمكين هؤلاء الحمقى من تهريب الأسلحة وغيرها.
لن تسمح أنقرة مطلقاً لما يسمى بالقوى الديمقراطية السورية بالسيطرة على جرابلس. ففي نهاية المطاف، يقوم بقيادة هذا الجيش ـ المدعوم بالكامل من واشنطن ـ أحد القياديين في وحدات حماية الشعب الكردي، التي تنظر إليها أنقرة على أنه مجرّد امتداد لمتمرّدي حزب العمال الكردستاني.
فلْنتخيّل الإرهاب في أنقرة بسبب وجود وحدات حماية الشعب الكرديّ المتمرّدة في جرابلس، القادرين على تخطّي الحدود التركية الحمراء لذا، فهم بقومون بإغلاق الفجوة القائمة بين الكانتونات الكردية عبر الحدود، مانعين أيّ إمكانية لولادة دويلة كردية أو «كردستان سورية».
ولكن، حتى لو بقيت «كردستان السورية» هي الخطر الأعظم لأنقرة، فهذه الكردستان السورية قد تكون مفيدةً جداً، إذا ما تحوّلت إلى مكبٍ لمقاتلي حزب العمال الكردستاني. كما أنه لا يمكننا القول أن هذا الحزب لا يشكو فهم في نهاية المطاف يسعون إلى قيام دولتهم المستقلّة.
لكن، يبدو أنه ما من أحد يفكر في ما تعتقد دمشق حيال كلّ هذا.
كما أنه ما من أحد، حتى هذه اللحظة، يملك أدنى فكرة عن الجغرافيا الدقيقة لـ«كردستان السورية». فإذا تضمّنت ـ على سبيل المثال ـ مدينة منبج المحرّرة مؤخراً، فإنها ستكون مشكلة كبيرة فمدينة منبج عربية، وليست كردية. وهنا يظهر لنا الأكراد ـ مرة أخرى ـ في حالة من الفوضى، حيث سيكونون مضطرّين إلى اختيار التحالف بين واشنطن وموسكو.
فموسكو، من جهتها، أعلنت بشكل واضح لا لبس فيه، موقفها من «داعش». فالروس متصلّبون لناحية محاربة المسلّحين المتطرّفين بكافة الوسائل المتاحة.
كما يحسب أردوغان بشكل دقيق، أهمية التقارب مع الروس ومدى جدّية موسكو في محاربة «داعش». هذا مع إضافة عنصر جديد، يتمثل في اتهام «داعش» بقصف مدينة عينتاب منذ أيام عدّة.
إذاً، فإن مخطط أردوغان الرئيس في سورية، يتمحور الآن في الخيارات الأخرى المتاحة. فبعد التمكن من عبور جرابلس، تسعى أنقرة إلى إقامة منطقة شبيهة بمخلّفات «الجيش الحرّ» تكون قد سيطرت عليها. لن يستطيع الأميركيون ـ والحال هذه ـ لومه على ما يقوم به، إذ إن هذا سيكون ضدّ مصلحة «داعش» ـ حتى لو كانت هذه الحركة بمعظمها ضدّ «كردستان السورية». فضلاً عن أن الروس لن يحرّكوا ساكناً بدورهم، لأن موسكو تنادي بالوحدة السورية،
هل حصلنا فعلاً على ائتلاف أنقرة ـ طهران ـ موسكو؟
حوّل رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو تركيا من بلدٍ يبلغ معدّل مشكلاته مع جيرانه 0 في المئة، إلى بلدٍ لا يملك سوى المشاكل مع جيرانه. بينما نرى أن بن علي يلدريم براغماتي. لذا، فإنه يرى أن الانفتاح على روسيا أمرٌ حتميّ.
ويقودنا هذا كلّه إلى نهاية هواجس فريق أوباما، «على الأسد أن يرحل». فعليه الآن أن يبقى، ولو إلى حين. فقد أكد يلدريم أن هذه هي السياسة التركية الرسمية الحالية. وعلى رغم أن هذا لا يعني أن أنقرة ـ وواشنطن للسبب نفسه ـ قد تتخلّيان عن فكرة تغيير النظام، بل سوف تبقيان على الضغط ـ غير أننا سنشهد تغييراً في التكتيك.
والحقيقة الكبرى على أرض الواقع، تؤكد على أن لدى السلطان أردوغان ما يكفي من الأميركيين والحلفاء من الناتو بالطبع ، وأنه متمحورٌ في كلّيته نحو روسيا.
وهكذا، لم يصدّق أحد من الأتراك ما أتى به جو بايدن زاعماً شعور بلاده بالذنب حيال الانقلاب العسكري الذي حصل، وللعلم، فإن معظم الأتراك لا يصدّقون ما تقوله واشنطن، كما أن بايدن توسل أردوغان الكفّ عن متابعة عملياته التطهيرية واسعة النطاق.
وبالنظر إلى سجلّ إردوغان المعروف بعدم الانتظام، فإن احتضانه هذا الائتلاف الثلاثي قد يكون لا يزال مجرّد وهم كبير، أو أنه قد يفتح الباب على مصراعيه على ديدان طويلة لم يتمكّن بعد من فكّ لغزها. غير أن هناك إشارات من أن هذا الاحتضان قد يكون حقيقياً.
وكان جاويش أوغلو قد لمّح بالفعل إلى أن أنقرة تسعى جاهدةً إلى الحصول على ترقية عسكرية/تكنولوجية، يستحيل أن تبقى من بعدها في مرمى أنظار حلف شمال الأطلسي. وبكلمات مقتضبة أكد: «للأسف، نحن نرى بلداناً في الناتو متردّدةً قليلاً حيال التغييرات التكنولوجية والاستثمارات المشتركة».
تملك موسكو جميع الأسباب التي تعزوها إلى توخي الحذر تماماً في ما يتعلق بالجوانب التي لا تُعدّ ولا تُحصى، والمرتبطة بتمحور أردوغان. ففي النهاية، يشكل الجيش التركي ـ ولا يزال ـ جزءاً لا يتجزّأ من الناتو على مدى عقود. وعلى ما يبدو، فإن توجهات كلّ من روسيا وأنقرة حيال سورية ما بعد الحرب مختلفة تماماً. لكننا، لو نظرنا إلى مستقبل منظمة شنغهاي للتعاون SCO ، فسوف يبدو الأمر أكثر وضوحاً.
فتركيا هي بالفعل شريكٌ في الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون SCO ، بينما قد تصبح إيران عضواً كامل الصلاحية بدءاً من بداية السنة المقبلة. وتصوّر موسكو بالتأكيد أنقرة على أنها حليف قيّمٌ في العالم السنّي الإسلامي الواسع، وأن دورها هو أبعد بكثير من صدّ الجهاديين السلفيين في سورية. وبما أن أنقرة وطهران تتحاوران بجدّية في موضوع التجارة الأعمال، فإن هذا قد يؤدّي ـ في نهاية المطاف ـ إلى فضح خطير للفجوة المرعبة المزعوم قيامها وحدوثها بين العالمَيْن السنّي والشيعي، والتي هي استراتيجية شهيرة ومعروفة يجري اعتمادها تحت مسمّى «فرّق تسُد»، والتي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية بلا هوادة، وتُجاريها فيها كلّ من «إسرائيل» ومملكة آل سعود.
وانطلاقاً من هذا كلّه، ينبعث تحريض منظمة شانغهاي للتعاون SCO ، والتي تعزّز إمكانية منح واشنطن مهلة كبيرة. تتمحور روسيا ناحية الشرق، وتتمحور تركيا أيضاً ناحية الشرق، إيران موجودة هناك منذ البداية، وكذلك الصين التي يبدو أنها ستشارك الآن بحصّة في مرحلة ما بعد الحرب في سورية، إنها إعادة تشكيل جيوسياسية في جنوب غرب آسيا، ما يؤكد مرّة أخرى على أن ما يحدث واقعُ لا مفرّ منه… التكامل الأوراسي.