الخيارات المرة لأوباما!
سومر صالح
بحسرة الخاسر وألم الجريح وتردد الحائر وغصة الفاقد كبريائه يطلب أوباما من وكالات الأمن القومي، البحث عن البدائل المتاحة لإدارته، لمواجهة روسيا في سورية. وبدقة أكثر، احتواء تداعيات ما حدث في أعقاب انهيار اتفاق جنيف 9/9/2016 وقرار المحور الروسي السوري، البدء بتطهير أحياء حلب الشرقية، في نسفٍ كامل، ليس فقط لأسس اتفاق جنيف الكاستيلو ، بل لخطٍ أحمر، حاولت الولايات المتحدة الدفاع عنه لآخر لحظة، بتحويل القسم الشرقي لمدينة حلب، إلى كانتون آمن، خصوصا لحركتي «نور الدين زنكي» و»فتح الشام» الإرهابيتين، تحت ذريعة حماية المدنيين. يمكن معه لاحقاً، أن يتلاقى مع الطموحات التركية بغزو مدينة الباب، في الريف الحلبي وتحويل تلك المنطقة الجغرافية، عبر اتفاق جنيف ذاته، إلى منطقة «آمنة»، يحظر على الطيران السوري التحليق فيها. لكن المفاجأة السورية، كانت بقرار الحرب، مهما تعقدت الأحداث بعدها. نسفاً لواحدة من أهم منصات العدوان الأميركي على سورية، هي مبدأ الخطوط الحمر الأميركية، بحد ذاته، والذي بات لا يساوي تكلفة التصريح عنه إعلامياً. ومع هذا النسف، تيقن أوباما أنّ عرش الأحادية القطبية ومبدأ استخدام القوة، أو التهديد بها، كرأس حربة للإستراتيجية الخارجية الأميركية، سقط، مهدداً بسقوط النظام الأميركي العالمي برمته. وأن عليه الاستعداد للمرحلة المقبلة، دولياً، أو مواجهة تداعيات الحدث في سورية، خصوصا، معارك القسم الشرقي من حلب. ومن هنا، كان الطلب لوكالات الأمن القومي، بحث البدائل وتقييمها لمواجهة مفاعيل انهيار المسلحين في حلب ومفاعيل النصر السوري، الذي سيهز العالم ويزلزل أركان القرار الدولي 2254 ويسقط منه أيّ محاولة لإحياء اتفاق جنيف الأول 2012 . ومعه تعالت أصوات «البننتاغون» إعلامياً، متمسكاً بمبدأ الضربة النووية الأولى، في حال اندلعت الحرب. لعله يحافظ على بقايا الهيبة الأميركية، التي أصابها التصدع، بفعل الفشل في سورية والفشل في تحطيم صورة القوة العسكرية الروسية وفاعليتها في سورية.
وتأسيساً على ما تقدم وبحدود تواضع المعطيات المتاحة، سنحاول إيضاح وتبيان أبرز الخيارات المتاحة أمام الرئيس أوباما، في مواجهة مفاعيل صعود نجم القوة الروسية، انطلاقاً من سورية. وتوضيح محاذير هذه البدائل الأميركية، التي تصنف، عموما، ضمن أربعة اتجاهات رئيسية: الاتجاه الأول: هو دبلوماسي تراجعي. والاتجاه الثاني: دبلوماسي تصادمي. والثالث: عسكري غير مباشر. أما الاتجاه الرابع: فهو عسكري غير تصادمي، لأنه باعتقادنا، لا خيار تصادميّ مباشر متاح في حسابات الإدارة الأميركية، لمواجهة روسيا وحتى سورية، بمعنى شن عمليات عدائية ضد القوات السورية. لا سيما أن تصريحات الخارجية الروسية، بأنّ حدثاً كهذا سيزلزل «الشرق الأوسط»، مازال صداه في آذان صقور الولايات المتحدة. والعين شاخصة على «إسرائيل» وآبار النفط، التي سيصيبها الزلزال المدمر حتماً. ومع نفي هذا الخيار، نبدأ مقاربة البدائل الأميركية. ونبدأ بالخيار الدبلوماسي التراجعي. ويعني محاولة الإدارة الأميركية العودة إلى إحياء اتفاق 9/9 في جنيف وانسحاب الجيش السوري إلى خطوط 18/9 مع تعهد واشنطن الإيفاء بتعهداتها، خصوصاً الالتزام ببدء مركز التنسيق الروسي – الأميركي لضرب «جبهة النصرة». لكن يبدو أن هذا الخيار فاقد الصلاحية الزمنية، لسببين: الأول، أنّ قرار تحرير أحياء حلب الشرقية، هو قرارٌ ثابت لدى القيادة السورية. والسبب الثاني: أنّ الولايات المتحدة، لا تملك الوقت الكافي للبدء بعملية فصل «جبهة النصرة «عن الفصائل الأخرى، في لحظة تعنتٍ تركيّ، سيعرقل هكذا فصام حتماً، للضغط على الولايات المتحدة لتحقيق أكبر قدرٍ من المكاسب في الشمال السوري.
ولا ننسى أنّ هكذا قرار، من أوباما، سيلقى معارضة شديدة من تحالف «البنتاغون» ـ المخابرات، اللذان يعارضان أيّ تنازلٍ أميركيٍّ لروسيا. لذلك، هذا البديل غير مجدٍّ، شكلاً ومضموناً. وبالانتقال إلى الاتجاه الثاني، أي الخيار الدبلوماسي التصادمي من المحتمل أن يشمل هذا الخيار حزمة من العقوبات المالية والاقتصادية ضد روسيا وتكثيفاً للاجتماعات الدولية، ذات الصبغة الإنسانية، في مجلس الأمن، لإظهار روسيا بموقف المعرقل للجهود الدولية لإنهاء المأساة الإنسانية، مترافقا مع حملة إعلامية لـ»شيطنة روسيا» أمام الرأي العام الدولي، تكون في خاتمة، هذا الاتجاه التصادمي، محاولة ضم ممثلين عن المعارضة السورية، كوفد مراقب غير عضو في اجتماعات الأمم المتحدة. ونعتقد أن هذا الخيار مرّ عليه الزمن، لا سيما أن القرارات الدولية، برمتها، تشير إلى المعارضة السورية بوصفها طرفا داخليا في الأزمة، وليس ممثلاً عن شعب. ويبقى ما دونه، في هذا الاتجاه، أمرا واردا في بدائل أوباما، مع التأكيد على محدودية التأثير على قرار الرئيس بوتين، خصوصاً العسكري، في سورية. وبالانتقال إلى الاتجاه الثالث وهو العسكري غير مباشر، فإنه يتضمن ثلاثة مسارات، الأول: إحياء النسخة السورية لـ Operation Cyclon أي تزويد فصائل معارضة إسلامية الطابع، صواريخ «ستنغر» وأنظمة دفاع جوي، على شاكلة النموذج الأفغاني. وهو أمرٌ محدود التأثير، تجاوزته القدرة القتالية العالية وقدرة المناورة للقاذفات الروسية الحديثة، المزودة بأجهزة تشويش لمثل هكذا تكنولوجيا. والمسار الثاني: تكثيف تكتيك paramilitary officer أي الضباط شبه العسكريين الاميركيين، الذين يتولون قيادة غرف العمليات وتدريب الفصائل الإرهابية وطرق الإمداد اللوجستي. والمسار الثالث: هو الأخطر وهو دعم عمليات تقويض الاستقرار الداخلي، عبر أسلوب التفجيرات الإرهابية في سورية وحتى روسيا. وهو ما هددت به إدارة أوباما علناً. إضافةً إلى عمليات التخريب الاقتصادي، عبر التلاعب بسعر الصرف. ويبدو أنّ هذه الخيارات تلقى دعماً من تحالف «البنتاغون» والمخابرات المركزية الأميركية. لكن هذه الخيارات، حكماً، ستضع كل الفصائل التي تسمى «معارضة أو إسلاموية» على مقصلة قاذفات «السوخوي» الروسية، باعتباره الردّ الواقعيّ على إجراءات واشنطن التصعيدية.
وبالانتقال إلى الاتجاه الرابع، العسكري غير التصادمي، فيدور حول إمكانية دعم واشنطن للقوات التركية، جوياً ومخابراتياً، للوصول، ليس فقط إلى مدينة الباب، بل إلى مدينة الرقة، أيضاً، بما يضع روسيا وسورية في تصادم مع الولايات المتحدة، بالإنابة التركية. لكن هذا الخيار سيفجر الغضب الإيراني ومن المحتمل أن يتعرض اتفاق 14/7/2015 النووي بين الغرب وإيران، إلى نكسة في ظل التصعيد الدولي ضد الحليف السوري، بما يهدد وحدته الجغرافية وهو خط احمر إيراني. ومع تصريحات ملك الأردن الأخيرة، حول تغير قواعد الاشتباك مع «داعش»، يمكن وضع احتمال الدعم الأميركي لعملية عسكرية عربية، بواجهة أردنية في الجنوب السوري، لمحاربة «داعش» ضمن الاحتمالات الواردة. وهو ما سيلقى الرد الإيراني المشابه والوارد سابقاً.
إذاً، بالمحصلة، لا يوجد خيار أميركي ناجع بلا تأثيراتٍ كارثيةٍ على الإدارة الأميركية، يمكن الاستعانة به في مواجهة روسيا، في ظل المعطيات الراهنة. وحتى حزم الإجراءات الاقتصادية والمالية العقابية ضد روسيا، لن تكون مجديةً رغم أهميتها كبديلٍ لاوباما، لأنّ تأثيرها ليس آنيّا، بل على المدى المتوسط والبعيد. وهو ما لا يحتمله الواقع الميداني لحلفاء واشنطن في الأزمة السورية. فإلى ذلك الحين، تكون طائرات «السوخوي» الروسية قد حولت تجمعات حلفاء واشنطن إلى أثر بعد عين. فأيّ كؤوس العلقم سيتجرع أوباما جراء سياسات خاطئة اتبعها في سورية، منهياً دورتين من الحكم بواقع مزرٍ للولايات المتحدة!؟ ومنهياً «سقطة» حيازة جائزة نوبل للسلام، بكارثة إنسانية في سورية، كل قطرة دم أريقت فيها، هي في عنق أوباما وحلفائه المستعربين والمتصهينين.