الآرامية… إرث تُبذل للحفاظ عليه جهودٌ حكومية وأهلية

لا يزال أهالي معلولا وعدد من القرى القريبة منها في ريف دمشق يتحدثون باللغة الآرامية التي ورثوها عن أجدادهم منذ آلاف السنين، وحتى الآن هي لغة الطقوس الكنسية لمعظم مسيحيّي المنطقة، فبلغت شأناً كبيراً لم تبلغه لغة أخرى من اللغات القديمة.

الآرامية كانت محطّ الاهتمام بها مجدداً بعدما استعادت مدينة معلولا حيويتها بعد فترة وجيزة من إعادة الجيش العربي السوري الأمن والاستقرار إليها في نيسان 2014، رغم ما لحق بها من دمار وتدنيس وخراب ممنهج على يد التنظيمات الإرهابية المسلحة.

وتنوعت الجهود الرامية إلى الحفاظ على اللغة الآرامية التي حظيت باهتمام مؤسسات أهلية ركزت في برامجها على توسيع تعليم هذه اللغة بكل لهجاتها وحروفها السورية الأصلية وإعداد الدراسات التوثيقية لها منها المؤسسة السورية العالمية لحماية اللغة الآرامية «آراميا» في بلدة معلولا، التي أحدثت مؤخراً بحسب مديرها جهاد زخور، الذي رأى أن اللغة الآرامية هي الثروة الوطنية والإرث العالمي، فهي بحاجة إلى عناية واهتمام استثنائيين لإبقائها حية.

الدكتورة سامية الشاعر مسؤولة العلاقات العامة في مؤسسة «آراميا» توضح أن تراجع اللغة الآرامية كان بعد توقف دورات تعليمها في معهد اللغة الآرامية في بلدة معلولا منذ عام 2009، وعدم وجود المراجع الكافية لهذه اللغة، وقلة الفعاليات والأنشطة الثقافية والاجتماعية المقامة باللغة الآرامية في البلدة.

وحول سبل الحفاظ على اللغة الآرامية تقترح الدكتورة الشاعر كتابة أسماء المحال التجارية باللغة الآرامية، لا سيما في القرى التي تتحدّث بها، والتواصل بين الأهالي بهذه اللغة، وإقامة النشاطات التي تستقطب جيل الشباب، وإقامة دورات تعليمية بشكل دوري لهذه اللغة. مطالبةً بضرورة إيلاء وزارة التربية الاهتمام في تعليم أطفال معلولا وجبعدين والصرخة اللغة الآرامية وتعميم التجربة على مدارس سورية، وإصدار كتيّبات خاصة من وزارة السياحة للترويج السياحي لبلدة معلولا باللغة الآرامية بالحرف اللاتيني، ليتمكن السائح من قراءتها، إضافة إلى إقامة مهرجانات وندوات ثقافية ومعارض للترويج والتعريف بها.

وتوضح الدكتورة الشاعر أن المؤسسة السورية العالمية لحماية اللغة الآرامية بدأت أعمالها في معلولا بافتتاح دورة تعليمية مميزة استقطبت عدداً كبيراً من أهالي البلدة. كما شكّلت «فرقة آراميا للتراث الشعبي» لأن الغناء أسهل وأسرع وسيلة لتعلم اللغة وتحقيق انتشارها، وأنشأت صفحة «آراميا» على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعمل على التواصل المستمر مع المؤسسات والمنظمات المهتمة باللغة الآرامية. كاشفة عن الخطط المستقبلية لعمل المؤسسة والتي تتجلى بتأسيس مركز أبحاث للغة الآرامية وعقد مؤتمر اللغة الآرامية العالمي.

وكانت «فرقة آراميا» قد أحيت حفلاً فنياً في آب الماضي و«مهرجان آراميا» 2016 في أيلول الماضي في مدينة معلولا، تضمن أغنيات تراثية باللغة الآرامية بمشاركة نحو 70 طفلاً و25 شاباً بقيادة المدرّب فادي الخوري والأغاني أشرف على كتابتها الشاعر ميلاد تجرة وغيره من شعراء معلولا.

وانتشرت اللغة الآرامية في مناطق واسعة لتصبح عالمية على مدى أكثر من ألف سنة بعد تأسيس الدولة الآرامية في أواسط سورية وعاصمتها دمشق منذ 1500 سنة قبل الميلاد، حيث قال المؤرّخ الدكتور محمد محفل إن اللغة الآرامية من اللغات القديمة الأقرب إلى العربية، نطق بها الآراميون وبدأت الكتابة بها منذ القرن العاشر قبل الميلاد، وانتشرت في رقعة واسعة شملت بلاد الشام والعراق ومصر، حتى أنها أصبحت اللغة الرسمية للامبراطورية الفارسية الإخمينية من القرن السادس قبل الميلاد حتى القرن الثالث الميلادي.

وقال الدكتور محفل إن اللغة الآرامية تركت أثراً في عدد من اللغات بعدها كالسريانية والتدمرية والنبطية، وكان لها دور كبير في تاريخ الحضارات القديمة والمعاهدات التجارية كما أشارت النقوش الأثرية المكتشفة. لافتاً إلى وجود ما يقارب 3000 نقش مكتوب بها في مدينة تدمر إضافة إلى نصوص قديمة أخرى موجودة في عدد من المواقع الأثرية.

ويؤكد أستاذ اللغات القديمة في جامعة دمشق الدكتور محفل أهمية الحفاظ على اللغات القديمة ومنها الآرامية عبر إعداد الدراسات والأبحاث حولها وتوثيقها كما أنها تدرس في المعهد العالي للّغات في جامعة دمشق، منوّهاً بالمبادرات التي تقوم بها الجمعيات والمؤسسات الأهلية وجهود أهالي مدينة معلولا في الحفاظ على لغتهم، وتعليمها لأبنائهم لكونها لغة الأجداد تكلّم بها السيد المسيح، وتعدّ إرثاً ثقافياً ووجدانياً لدى أبناء المنطقة.

كما يوضح الباحث الدكتور محمد بهجت القبيسي أن مفردات اللغة الآرامية تشكل 86 في المئة من مفردات اللغة العربية الفصحى، إذ نجدها في قاموس لسان العرب لابن منظور. لافتاً إلى أن اختلاف نمط الخط لا يدل على اختلاف اللغة. كما أنّ وحدة نمط الخط لا يدلّ على وحدة اللغة، حيث يمكن كتابة اللغة بأنماط مختلفة من الخطوط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى