الشاعر مازن ضاهر… تغنّي له أصواتٌ جميلة وهو في بداية مشواره
جهاد أيوب
أمسية خاصة جمعتنا بالشاعر الغنائي الجنوبي مازن ضاهر، حيث قدّم ما يحلو له من قصائد مجنونة بالحبّ، ومغروسة بالعشق، ومنسوجة بالوفاء، ومنسوخة بالطفولة، ومسكوبة بخميرة العجوز وشيب أيامه، ومشغولة بشغف الشاب الباحث عن الجديد الذي لا يشبه الآخر.
خطف هذا الموهوب المتواضع منّا الإعجاب الأجمل، جال بعالمه حتى زرع فينا الدهشة والاحترام لموهبة واعدة ولديها الكثير لتقوله، وتحترم الكلمة، وتخافها وتتعامل معها بمسؤولية تفرض البحث عن المميّز اللافت في الجمال.
رومنسياته
انتقل بأشعاره الرومنسية برشاقة المعنى والصورة معاً، أخذنا إلى الحلم حيث اللقاء وإلى الحقيقة حيث الفراق. زاده الوضوح والمغزى في صوره الشعرية، وزادنا من أشعاره لغذاء الروح والمعنى، هو ثاقب في فهم الألم، وخبير في شرح الوجع، تكاده كهلاً مرت عليه السنوات العجاف، فهم منها الكثير واستمر في التنقيب حتى يوصل لنا ما يرغب بفهمه بوحاً. هو كهل يبحث عن شبابه بين قلب المحبّين، وغنج العاشقين، ودلال الممانِعات لكنهن يرغبن. في رومنسياته يتجلّى مازن بأبهى الصور، وأرقى المعاني، وأغنى الوصف. بسيط غير متصنّع ومتململ، لديه مقدرة بأن يصحبك معه إلى عالم آخر فيه ضباب المغربين، وهمس المتألمين، وقلق المتخاصمين.
رومنسيته الشعرية عالية فيها الكثير من صفاء المعنى، والمعنى عنده متدفق في البوح، وبوحه شطارة ذكية تقرأ اللحظة وتعمقها.
العشق
وصل إلى العشق بأنواعه ففاض بتعابيره ومعالجاته. هو عاشق طفل «يشيطن» هنا وهناك، لا يعرف الهدوء ولا السكينة، يصعد إلى الشجرة ويحملنا معه، وينزل من الجبل لينزلنا معه، دائماً حبيبته تنتظره وهو يغريها بمفرداته المثيرة للجدل ولنقاشات القلب. فعلاً للشعراء عالمهم المجنون، ولكن شعر مازن ضاهر هو الجنون.
مقبل إلى عالم كتابة الشعر الغنائي بثقة غير مزعجة، ولا ادّعاء فيها، ولا تكلّف، ولا يهتم للشهرة ولمن سيغنّي قصائده، المهم أن يعبّر بصدق ووفاء مع ذاته وأفكاره وروحه.
صوره مكثّفة بالوجدانيات من دون أن يزعجك، لا ثرثرات في قصيدته، ولا حشو لكلمات لا تضيف بل تنظم الوزن، كلماته ثاقبة تشبهنا وتشبه عصرنا بمفرداتها مع حلم وحالة من العشق الواضح والصريح.
تخاله وهو يلقي قصيدته الطفل الذي يبحث عن لعبته، وتنظر إليه لتجد كل جسده ينطق القصيدة. وأنت تسمعه يتحدّث عن أشعاره تراه عاشقاً متيّماً، وأنت تصغي إليه لتتهيأ للنقد أو إعطاء ملاحظة تفرح لصمته واحمرار وجهه، وتقبل كل ما يقال بعفوية وحبّ.
هذا الشاعر الشاب مشغول بقضية الأغنية العربية، وتحديداً اللبنانية منها، لا يؤمن باستسهال الكلام، ولا يحبّذ «جعدنات» الشعر الفارغ والمسفّ، ولا يحبّ تركيب الكلام على اللحن، بل على العكس، يعتبر أن الكلمة أهم، وهي مفتاح اللحن، لذلك هو سيكون من حرّاس الأغنية اللبنانية، ونأمل أن يبقى كذلك وألا ينزلق إلى ما يطلبه التاجر والأصوات الفارغة.
متدفق في بحوره وأنهاره الشعرية، يرسم بريشة غنية بمعانية الجميلة، ورغم أن عدداً من الأصوات الجميلة تغني له، لم يُصَب بداء الغرور، ولا يزال واقفاً على الارض، وهذه نعمة إذا افتقدها سيفتقد الشعر الغني.
ومن المطربين الذين يغنّون من أشعاره نذكر: ملحم زين، وصابر الرباعي، ومروان الشامي، ومحمد عساف، ومحمد المجذوب، والممثل سعد حمدان الذي يستعدّ لطرح البومه الغنائي الأول، وربيع الجميل، ومجد فوعاني. والأهم، أغنية أخذها جورج وسوف سترى النور قريباً.
وأجمل برهان على ما سردته من كلام ورأي، أن نقرأ بعض ما باح به في تلك الجلسة:
كان الحنين بوَقتها جنون وشَقي
مطرح ما قرّرنا بِ لحظة نلتقي
ضاع العقل ميزان تفكيرو انكسر
غَير العواطف عالمقاعد ما بِقي
ويكمل بجرأة الشاب الملهوف لحبيبته بعاطفة تغمز له بجنون الحبّ فيبوح:
مَدّيت إيدي صَوبها وخَصْرا بِكي
وبَس النّفَس بِ وقتها وحدو حِكي
وطربون جسما فتّح زرار الحبَق
قالت خلص دوّبتني بهالمملكة
صارت تعاند لهفتي ورَفْضا سَبَق
ومن مَيل تاني شوقها عطرو عَبَق
عقلا يقلّي فِل ما بريدك أنا
وقلبا يقلّا بتندَمي ولك شو بكي
وبعدا لَ حدّ اليَوم فيّي ملبّكي.
وفي وصف الحبيبة يغرّد ببساطة وثقة يفرضان جمال الصور والمعاني:
سبحان يلّلي خالقك وقت البكي
بحسّك أميرة بتاج عرش المملكة
وكل ما نزل من عينك دموع الوجع
بيخرس عَ تمّ الكَون مضمون الحَكي
فيكي الجمال نقال والسحر نكتب
فيكي بدر نيسان شبّعني عتَب
بعدو حلاكي بياكل عقول البشر
متل اللهيب لْ عاش عَ لقمة حَطَب
وبعدو الطّهر جوّاتك بْحصّة أسد
بيّك عَ متلك بنت والله بينحسَد
نيّال يللي بيعرفك ميّة سنة
بيبقى كأنّو مالك كنوز الدّني
يعني الغني من دونك بيسوى صفر
حتى فقير المال بوجودك غِني.