ملاحظات في طريق الانتصار…

رامز مصطفى

ما أن أعلن عن وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية، والعدو الصهيوني بمبادرة مصرية. ودخول التهدئة حيّز التنفيذ لمدة شهر، حتى بدأت تتوالى الملاحظات على أداء البعض من الفصائل. آخذة خطاً تصاعدياً، فيه مزيج من الحذر والترقب والخوف، وشيء من اليأس والتشاؤم، وشيء من القرف والسخط. هذه الملاحظات التي أوردها ليست من باب تسجيل النقاط على أحد، ولكن من خلفية أنني والكثيرين من أبناء شعبنا الفلسطيني، أصابتنا الدهشة والاستغراب، إلى حدّ الصدمة، متسائلين: هل هذه فصائلنا التي واجهت العدوان الصهيوني ببسالة وثبات وشجاعة منقطعة النظير وهي موحدة في الميدان، وفي المفاوضات؟ ودعوت الله أن جزءاً من هذه الملاحظات ظلّ مكتوماً طيلة العدوان الصهيوني بأيامه الواحد والخمسين، وإلاّ فالكارثة كانت واقعة لا محال على رأس الجميع. وهذه الملاحظات أسجلها حسب أولوياتها. ولكن هناك ملاحظة لا بدّ من سوقها وهي تتعلّق بمصر ومبادرتها لوقف النار.

1 ـ الدور المصري والمبادرة

لا يختلف اثنان في تقييم الدور المصري، خلال العدوان الصهيوني، من حيث الإقرار بأن الدور المصري لم يكن يتناسب على الإطلاق مع حجم وحضور وإمكانيات وتأثير مصر، بل جاء مخيّبا للآمال، ولم يرتق إلى مستوى ما تعرّض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، نتيجة العدوان البربري والهمجي الصهيوني، الذي ارتكب أبشع المجازر في حرب إبادة موصوفة، بحق الأطفال والنساء والمسنّين، ودمّر المنازل والمدارس والمساجد والمستشفيات، والبنى التحتية. وقد كان المنتظر من مصر الشقيقة أن تتعاطى مع غزة وأهلها وأقلها من الزاوية الإنسانية. من هنا كانت أغلب المواقف الفلسطينية ساخطة، لأنّ الصدمة في ما يشبه حدّ التخلّي كانت كبيرة. وما زاد عليها أنّ العديد من الإعلاميين والصحافيين والمثقفين والفضائيات المصرية، كانت شامتة، ومطالبة العدو بسحق قطاع غزة. وإنْ كنا نتفهّم أنّ الدولة المصرية لها من الملاحظات التي وصلت إلى حدّ الاتهام لحركة حماس أنها متورّطة في المسّ بالأمن القومي المصري، الأمر الذي نفته حماس. وبغض النظر عن صحة هذه الاتهامات أو عدمها، إلاّ أنّ خلط الأمور بهذه الطريقة أساء إلى مصر ودورها وثقلها وحجمها.

وإذا ما قسنا على الأمر فالدولة السورية لها موقف واضح من حماس لانغماسها في الأزمة السورية، ولكن القيادة السورية لم تقع في الخلط، بل اعتبرت العدوان على القطاع عدواناً عليها، وأنه يعنيها مباشرة. أما في المبادرة المصرية، فالكثير من الفصائل رفضها، على اعتبار أنها لا تختلف في نقاطها عن مبادرة العام 2012. وفي نهاية الأمر الوفد الفلسطيني الموحد، ومن ضمنه حماس، حضر إلى القاهرة من أجل البحث في وقف إطلاق النار، والاتفاق على تفاهمات جديدة وفق شروط ومطالب الشعب الفلسطيني ومقاومته. ومع الإعلان عن الاتفاق على وقف لإطلاق النار لمدة شهر، والعودة إلى المفاوضات. ومع ما تمّ كشفه وتسريبه، لا بدّ من القول إنّ العناوين التي تمّ الحديث عنها، سواء ما سمعناه مباشرة، أو ما نشر في وسائل الإعلام. فهذه العناوين ليست بعيدة للأسف عن تفاهمات العام 2012، ما لم نقل إنها متطابقة.

وعليه، هل ما صرح به رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس إلى عدد من وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة كان صحيحاً، بأنّ هناك من أهدر الوقت والأيام وفي نهاية المطاف وافق على المبادرة المصرية؟ وأنّ التهجّم على مصر لم يكن له مبرّر، سوى أنه انطلق من خلفية أنّ هناك خلافات قائمة بينها وبين البعض في الساحة الفلسطينية.

وما أضاف على كلام رئيس السلطة من توكيد أو تأكيد، ما صرح به الدكتور علي أكبر ولايتي مستشار الإمام السيد الخامنئي «أنّ انتصار الشعب الفلسطيني وصموده ضدّ العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة لم يكن ليتحقق لولا دعم مصر».

على ضوء ذلك إذاً، ومن موقع الإقرار بالدور المهمّ لمصر وموقعها وتأثيرها، المطلوب العمل على ترميم ما أصاب هذه العلاقة من سوء، لما فيه المصلحة المشتركة المصرية الفلسطينية، خصوصاً أنّ العدوان لم ينته، والصراع لا يزال قائماً.

2 ـ الإعلان عن التهدئة واحتفالات الانتصار

ما أن أعلنت التهدئة، حتى بدأت الفصائل والسلطة بعقد المؤتمرات الصحافية، والإطلالات الإعلامية من أجل الإعلان عن التهدئة، ومن ثم شرح ما تمّ التوصل إليه في المفاوضات الغير مباشرة، التي دارت على مدار أكثر من عشرين يوماً. والأغلب حتى لا نقول الجميع أخذ منحى كلامه وحديثه الشخصنة الفصائلية لتنظيمه ، في محاولة للإيحاء بأنّ جهده الأساس من دون الفصائل الأخرى. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل استرسل البعض في تنظيم مسيرات الانتصار والاحتفالات لوحده، من دون مشاركة الفصائل الأخرى في هذه الاحتفالات والمسيرات والمهرجانات. والأنكى في الأمر أنّ العلم الفلسطيني تنظر إليه في هذه الاحتفالات والمسيرات، وكأنه يتيم بين أعلام الفصيل المحتفل بالمناسبة.

كم كان مشهد الوحدة الميدانية، والوفد الموحد مؤثراً وطاغياً على المشهد الفلسطيني بالمعنى الإيجابي. ماذا كان يضرّ لو استكمل هذا المشهد مساره في الظهور موحدين في الإعلان عن التهدئة، والدعوة إلى الاحتفال بالنصر. ولكن وكما علّق أحدهم على هذا المشهد الغير وحدوي بالقول «عادت حليمة لعادتها القديمة»، في إشارة إلى الانقسام. وماذا كان يضير الفصائل أن تجتمع وتتخذ التوجه بأن يبقى كلّ شيء موحداً، كما في الميدان والتفاوض، وفي الإعلان عن وقف النار ومؤتمرات واحتفالات ومسيرات الانتصار. والعزاء الوحيد الذي يخفف من وقع هذه الملاحظة، هو حقيقة أنّ الكتائب المسلحة والمقاتلة من عموم الفصائل، ويتقدمهم المجاهد أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام، أبت هذه الكتائب مجتمعة إلاّ أن تكون موحدة في مؤتمرها الصحافي، التي لها الحق وحدها في الإعلان عن الانتصار. وكأنها أرادت القول: هنا الميدان وهنا القرار.

3 ـ شركاء الانتصار

في زحمة المؤتمرات والإطلالات والاحتفالات، اختلط كثيراً من كان شريكاً للمقاومة والشعب الفلسطيني في الانتصار على العدوان وآلة القتل والإرهاب والإجرام، حتى كاد الكثيرون وأنا منهم يقول: «إذا كان كلّ ما أتُي على ذكره في المؤتمرات الصحافية، على أنهم شركائنا في الانتصار. إذاَ من هم الذين ما زلنا نتهمهم بالصمت المريب وندينهم بأشدّ العبارات؟ وخصوصاً الرؤساء والملوك والأمراء منهم، ناهينا عن الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي. وقد ذهب البعض في شكره وامتداحه لهؤلاء من خلفية ما رآه أنه الصواب، على أساس التموضع والتخندق القائم. وهذا حقه في ما تراه عينيه. ولكن في الوقت نفسه، ليس من حقه أن يلغي عقلنا، ويعمل على كيّ وعينا، بطريقة تهدف إلى تشويه هذا الوعي المستند إلى وقائع. وعلى سبيل الذكر لا السجال، لا يمكن أن يلغي أحد من وعينا أنّ دولاً وإمارات وممالك بعينها متورّطة في ما تعرّض ويتعرّض له محور ممانع ومقاوم يمتدّ من إيران إلى سورية وصولاً إلى حزب الله. فكيف يكون هؤلاء المتورّطون أمناء على مقاومة الشعب الفلسطيني، وقضيته العادلة. وهنا لا أريد أن أسقط قناعاتي بهدف أن ألزم الآخرين بها. أنا أطالب بالتوازن، أو الحدّ الأدنى من التوازن، وهذا أضعف الإيمان. صحيح أنّ الجغرافية السياسية غالبة في أكثر الأحيان، ولكن هذا لا يمنع أن يتمّ الحديث عن الشركاء الحقيقيين لنا في هذا الانتصار. والذين أراهم في محور يمتدّ من إيران إلى سورية، وحزب الله، الذين لولا دعمهم ووقوفهم إلى جانب مقاومة الشعب الفلسطيني، لما جاء هذا الانتصار على صورته الحقيقية، فهم جديرون بهذه الشراكة، شراكة الانتصار.

4 ـ عودة السجال بين حماس وفتح

عاد السجال السياسي والإعلامي بين حماس وفتح من جديد. ولم تجفّ بعد دماء الشهداء، ولم تتوقف دموع الآباء والأمهات والأبناء، حزناً على فراق الأحبة. وحيث لا يزال فيه شعبنا يلملم جراحه، ويعمل على الاستيقاظ من هول المجازر والدمار التي خلفها العدوان. وفي الوقت الذي لم تنته فيه مفاوضات القاهرة، وليس هناك من يضمن نتائج هذه المفاوضات، بمعنى أنّ الحرب لم تنته، وقد يُعاود العدو تجديد عدوانه. وفي الوقت الذي أكدت فيه الفصائل، والوفد الموحد، أنّ الوفد «الإسرائيلي» كان يتعامل معنا على أساس أنّ وفدنا منقسم على نفسه. مما يعني بشكل واضح، أنّ العدو كان يراهن على خلافات الوفد الفلسطيني. سيل الاتهامات المتبادلة من شأنها أن تؤثر على تماسك الوفد الفلسطيني، فهو أمامه مهام شاقة، ومعركة لا تقلّ ضراوة عن المعركة العسكرية. هذا السجال وهذه الاتهامات، وفي ظروف بالغة الدقة والخطورة، لا مبرّر أو معنى لها. وبالتالي جعل هذا السجال المقيت عبر وسائل الإعلام واستمراره، من شأنه أن يفاقم في تعقيد المشهد الداخلي الفلسطيني. نعم قد تكون هناك ملاحظات وممارسات، وهي غير إيجابية وتسيء إلى الجميع. المستحسن أن يتمّ البحث في كلّ هذه الملاحظات والمواقف، في الإطار القيادي الفلسطيني الموقت، الذي نصّ عليه صراحة اتفاق المصالحة، وعليه أن يتولى البحث في مجمل الأوضاع الفلسطينية، إلى حين إجراء الانتخابات. والأخطر في هذه السجالات والاتهامات توقيتها، فما هي الرسالة التي تلقاها شعبنا، وتحديداً في قطاع غزة لهذه الخلافات المستجدة. بالتأكيد رسالة أقلّ ما يُقال فيها إنها غير مريحة، بل صادمة. وهذا أمر لا يجوز على الإطلاق ومرفوض. وعلى الفصائل مجتمعة أن تقوم بواجباتها الوطنية إزاء هذا المستجدّ الخطير على الجميع. من خلال دعوة الطرفين إلى ضرورة التوقف الفوري عن السجال وكيل الاتهامات لبعضهما بعضاً، وبالتالي وقف كافة الإجراءات الميدانية المتبادلة سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة. وقد آن الأوان لأن تبادر هذه الفصائل والقوى إلى تشكيل القوة الثالثة في الساحة الفلسطينية على أساس ما جاء في وثيقة الوفاق الوطني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى